هل أصبحت السياسة الأمريكية مشهدا من الجوكر؟ انهيار باديلا نموذجًا لوس أنجلوس
– يونيو 2025
في مشهد بدا مأخوذًا من فيلم درامي أكثر منه مشهدًا من مؤتمر رسمي، تم سحب السيناتور الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا، أليكس باديلا، بالقوة من قاعة مؤتمر صحفي لوزارة الأمن القومي الأمريكية، بعد نوبة غضب حادة، وصراخ هستيري ضد سياسات الترحيل الجديدة التي تنتهجها الإدارة.
صرخ باديلا أمام عدسات الكاميرا واتهم المسؤولين بـ”استهداف المجتمعات الملونة”، و”تنفيذ عمليات ترحيل جماعية بحق الفقراء والمهاجرين”، قبل أن يُقتاد جسديًا خارج القاعة كأنه شخص مشاغب في عرض حي، لا عضوًا منتخبًا في مجلس الشيوخ الأمريكي. كان المدهش في الموقف، ليس فقط سلوك الأمن، بل الموقف العاطفي الغريب لباديلا نفسه.
بدا وكأنه يُقاتل شبحًا لا يسمعه أحد، وانهار في لحظة صادمة. لقد عشنا مشهدًا فنيًا حقيقيًا في قاعة رسمية. مشهد يُشبه إلى حد كبير شخصية “الجوكر” في فيلم خواكين فينيكس: ساخر، مأساوي، عبثي، ومثير للقلق. الديمقراطيون… ازدواجية القناع الحزب الديمقراطي طالما قدّم نفسه كحامل لراية حقوق الإنسان والمدافع الأول عن قضايا المهاجرين.
لكن واقع السياسات التي طُبقت مؤخرًا، لا سيما من وزارة الأمن القومي تحت إدارة بايدن، يعكس خطابًا أكثر برودة وقسوة، وإن تم تغليفه بمصطلحات ناعمة. عندما يبكي السياسيون قبل المهاجرين، تدرك أن الفجوة بين الخطاب والواقع أصبحت لا تُطاق حتى لأبناء المؤسسة أنفسهم. باديلا، الذي لطالما نادى بحقوق الإنسان، وجد نفسه يصطدم بجدار حزبه، وبآلة بيروقراطية لا ترحم.
لكن هل كان صادقًا في انفعاله؟ أم أن ما شاهدناه هو أداء مسرحي موجه للكاميرات؟
الحقيقة أن الأمر ربما يجمع بين الاثنين. فالغضب حقيقي، والمسرح أيضًا حقيقي. الجمهوريون… خطاب لا يعتذر في الجهة المقابلة، لا يخفى على أحد أن الحزب الجمهوري يتبنى خطابًا صريحًا وعدائيًا تجاه المهاجرين منذ سنوات، مستعينًا بمفردات حربية: “غزو”، “مخدرات”، “فوضى الحدود”.
ولا شك أن الجمهوريين كانوا يضحكون سِرًا وربما جهرًا، وهم يشاهدون خصمًا ديمقراطيًا يُسحب من قاعة المؤتمر، لأنهم اعتادوا على أن يُنتقدوا وحدهم بسبب مواقف مماثلة. لكن الغريب أن الخطاب الجمهوري أصبح أكثر قبولًا شعبيًا بمرور الوقت، رغم شدته، فيما ينهار الخطاب الديمقراطي من الداخل… وتنهار معه صورته. من يمثل من؟
الشارع الأمريكي اليوم مشوّش، منهك، وعالق في حالة فقدان ثقة شاملة في النخبة السياسية. الناس لم تعد تفهم من يقف مع من. الجمهوريون يريدون “أمريكا أولًا” حتى لو على حساب القيم، والديمقراطيون يريدون “التوازن” بين الأمن وحقوق الإنسان…
لكن لا أحد يرى هذا التوازن على الأرض. ما فعله باديلا كشف هشاشة داخلية في الحزب الديمقراطي، وهشاشة أكبر في المشهد السياسي الأمريكي كله.
فحين يصرخ عضو شيوخ في وجه وزيرة الأمن القومي، ثم يُسحب كأنه عدو، نعلم أن الدولة دخلت مرحلة جديدة: مرحلة التوتر الدائم، والخطاب الانفعالي، والسياسات التي تُدار بردود الفعل.
مسرح مفتوح بلا مخرج السياسة الأمريكية باتت اليوم تشبه مسرحًا مفتوحًا بلا مخرج. كل طرف يؤدي دوره كما يحلو له، والجمهور لم يعد يصفّق، بل يُصور.
السيناتور يُبكيه قرار، والمسؤول يُبكيه استطلاع رأي، والمواطن العادي… لا يبكي أحد من أجله.
الواقعة لم تكن فقط عن باديلا، بل عن مستقبل بلد يختنق بصراخ نخبه، ولا يجد من يُنصت لصوت العقل.
هل نحن أمام بداية نهاية جدية للخطاب السياسي الأمريكي كما عرفناه؟
أم أن ما جرى مجرد حلقة جديدة في مسلسل الفوضى المنظّمة؟
في كل الأحوال، التاريخ سيحتفظ بهذه الصورة:
سيناتور يُسحب من القاعة، لا لأنه خان الوطن… بل لأنه صاح. ⸻
إعداد/ أحمد مراد كاتب صحفي مقيم في نيويورك amourad978@aol.com