اعترافات من قلب نظام الملالي: مأزق الحكم في إيران

لم تعد منظومة الحكم القائمة على ولاية الفقيه في إيران، بكل ما جرّته من تبعات كارثية على كافة الأصعدة، مجرد نظرية سياسية فاشلة، بل تحولت إلى “عبرة القرون” كما بدأت تصفها الاعترافات المتسربة من داخل أروقة النظام نفسه. وفي مثال صارخ على هذا الانهيار، ممزوج بالدهشة، جاء اعتراف أحد نواب برلمان النظام الرجعي بشأن أزمة الكهرباء الخانقة، حيث صرح في 17 مايو/أيار 2025: “اليوم، في عام 2025، نشهد أسوأ معدلات انقطاع للتيار الكهربائي منذ قرن من الزمان.” [نقلاً عن إذاعة “فرهنك” الحكومية].
“هذه المنظومة، التي استندت في قيامها على كيانات فوق دستورية مثل الولي الفقيه وذراعه الضاربة المتمثلة في مجلس صيانة الدستور، تجد نفسها اليوم غارقة في تناقضات هيكلية متزايدة بين مكوناتها. والمفارقة أنه بعد مرور ستة وأربعين عاماً على تأسيسها، تتعالى الآن أصوات من داخلها تنادي بـ”إعادة هيكلة” عاجلة، كما جاء على لسان النائب رضا سبهوند: “في بلادنا، التعارض بين الحكومة والقطاع الخاص والكيانات شبه الحكومية والمؤسسات (التابعة للولي الفقيه) عميق وهيكلي. نحن بحاجة إلى إعادة ترتيب دقيقة لهيكل الحكم.” [المصدر السابق].”
لقد وصلت حالة الاضطراب إلى مصادر التحليل والأخبار داخل نظام ولاية الفقيه ذاته، لدرجة أن تصريحات الولي الفقيه علي خامنئي وبعض المقربين منه في برلمان النظام باتت تقع على طرفي نقيض. فبينما كان خامنئي يبشر بأن إيران ستكون “القوة الأولى في المنطقة بحلول أفق عام 2025″، يقرّ هؤلاء اليوم بأن البلاد “تواجه أزمات خطيرة في العديد من المجالات، بما في ذلك الطاقة والاقتصاد والبيئة والأضرار الاجتماعية.” [المصدر السابق].
تفاقم الأزمة الهيكلية داخل نظام الملالي بلغ حداً جعل الاعترافات تتوالى من على منبر البرلمان الذي يُفترض أن كل نائب فيه قد مرّ عبر مصافي خامنئي ومجلس صيانة الدستور. يُقرّ هؤلاء بأنه بعد 46 عاماً من الحكم، لا تزال “المتطلبات الدنيا للحكم الرشيد من أجل التنمية والتقدم غير متوفرة في بلادنا.” ويضيف أحدهم متسائلاً عن سبب فشل خطط التنمية والقوانين: “الإجابة واضحة؛ المتطلبات الدنيا للحكم الصالح للتنمية والتقدم لم تتوفر بعد في بلدنا.” [المصدر السابق].
قد يبدو هذا غريباً للمحلل الذي لم يعايش طبيعة وهوية هذا النظام، أن يدلي نائب برلماني بمثل هذا التقرير عن هيكل نظامه. لكن بالنسبة للنائب نفسه ولكل من اكتوى بنار هذا النظام، فإن سبب وجذور الأزمات المستعصية للحكم واضحة تماماً، كما لخصها نائب آخر: “الهياكل التشريعية الموازية تشكل عقبة كبرى. وجود مؤسسات مثل مجمع تشخيص مصلحة النظام، والمجلس الأعلى للأمن القومي، والمجلس الأعلى للثورة الثقافية، والمجلس الأعلى للفضاء السيبراني، والمجلس الأعلى الاقتصادي لرؤساء السلطات الثلاث، والعديد من المجالس الأخرى إلى جانب مجلس الشورى الإسلامي، جعل التشريع يواجه تحديات خطيرة، بل وحتى حالة انسداد.” [المصدر السابق].
واللافت أن هذا التقرير من داخل النظام صدر في مايو/أيار 2025، أي بعد عامين من شروع خامنئي في عملية “توحيد السلطة” المزعومة، والتي أطاح خلالها حتى بالموالين من جسد النظام لضمان برلمان وحكومة على مقاسه. وها هم الآن، النخبة التي اختارها خامنئي ومجلس صيانته، يتحدثون عن “تحديات خطيرة وحتى انسداد” في البرلمان وهيكل النظام، بما يتناقض 180 درجة مع خطابات ومواقف خامنئي.
لقد وصلت الأزمة في هيكل النظام إلى جذور اعتماده الأيديولوجي، لدرجة أنهم باتوا يصفون الإيمان بولاية الفقيه ضمنياً بأنه “تعصب أعمى”، ويعتبرون نتائج شعار خامنئي حول “الإنتاج المحلي” بمثابة “خطر على أرواح وممتلكات الناس”. يقول أحدهم: “لا توجد دولة تعرض أرواح وممتلكات شعبها للخطر من أجل التعصب الأعمى لامتلاك إنتاج محلي.” [المصدر السابق].
إن رصاصة الرحمة التي أُطلقت على مصداقية ومكانة الولي الفقيه في هيكل نظام الملالي، هي النتيجة الحتمية لمحاولة مد اليد من العصور الوسطى إلى القرن الحادي والعشرين لفرض “الدين الإجباري”، و”الحكم الإجباري”، و”الحجاب الإجباري”، و”الحکم المطلقة والإجبارية للفقيه”. وقد جاء الرد الحتمي من غالبية الشعب الإيراني في آخر مسرحيات النظام الانتخابية في ربيع وصيف 2024، عبر مقاطعة واسعة النطاق.
ورغم أن هذا الحكم برمته قد تم تحديد مصيره من قبل غالبية الشعب الإيراني، لا يزال نائب برلمان النظام الرجعي يحاول ترميم الأزمة والاضطراب العضال في هيكل النظام – الذي يُعد الولي الفقيه عمود خيمته – من خلال اقتراح “استطلاعات رأي موثوقة” لـ”سماع صوت الشعب”، متجاهلاً أن الثقة الشعبية قد انهارت تماماً. يقول هذا النائب: “بدون رأسمال الثقة العامة الثمين، لا يمكن المضي قدماً بأي برنامج. السبيل الوحيد لكسب هذه الثقة هو الرجوع إلى الناس. يجب الاستماع إلى صوت الناس من خلال استطلاعات رأي موثوقة واعتبارها أساساً لاتخاذ القرارات.” [المصدر السابق].
أما ما يتعلق بغالبية الشعب الإيراني، فهم يرحبون باستفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة – وهو ما يرتعب منه خامنئي – ولكن قبل ذلك، أثبت الواقع أن هذا النظام لا يفهم سوى لغة الحسم المنظم الممزوج بغضب شعبي عارم يسعى لإسقاطه. إن الاعترافات الداخلية المتزايدة هي مجرد مؤشرات على أن نظام الولي الفقيه قد دخل مرحلة الاحتضار، وأن محاولاته للتشبث بالسلطة لن تجدي نفعاً أمام إرادة شعب تواق للحرية والتغيير الجذري.