أخبار إيرانأهم الاخباراهم المقالاتمقالات واراء
الإيرانيون لخامنئي… إنما للصبر حدود

الإيرانيون لخامنئي… إنما للصبر حدود
الدكتور عاصم عبد الرحمن
يواجه النظام الإيراني بقيادة علي خامنئي سلسلة من التحديات المتشابكة التي تهدد استقراره وتكشف عن هشاشته أكثر من أي وقت مضى. هذه الأزمات ليست مجرد ضغوط خارجية تتمثل في المفاوضات الشاقة مع الولايات المتحدة حول الاتفاق النووي وحسب، بل تمتد إلى انهيار اقتصادي داخلي، توترات اجتماعية متفاقمة وتراجع نفوذ المحور الإقليمي الذي لطالما اعتمد عليه النظام لتعزيز شرعيته. لكن الخطر الأعظم الذي يؤرق خامنئي ليس في واشنطن أو عواصم المنطقة وحسب، بل في الشعب الإيراني نفسه، ذلك المجتمع الذي أنهكه الفقر والقمع، وأصبح يشكل تهديدًا مباشرًا قد يتحول إلى انتفاضة شاملة في لحظة ما.
الأزمة الاقتصادية التي تعصف بإيران ليست نتيجة العقوبات الدولية وحدها وحسب، بل هي انعكاس لسياسات حكم فاشلة تعتمد على احتكار الموارد وتوزيعها على طبقة ضيقة من الموالين، تاركة الغالبية العظمى من الشعب في حالة فقر مدقع. التضخم وصل إلى مستويات قياسية بحيث يتجاوز 40% سنويًا وفق تقارير اقتصادية، بينما انهارت قيمة الريال الإيراني إلى أدنى مستوياتها، ما جعل السلع الأساسية مثل الخبز واللحوم بعيدة المنال بالنسبة للملايين. صحيفة “آرمان ملي”، المقربة من النظام، حذرت من أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء أصبحت “كارثية”، مشيرة إلى أن نسبة البطالة بين الشباب تتجاوز 25%، وهو ما يزيد من الاحتقان الاجتماعي.
خامنئي، الذي يدرك عمق هذا المأزق، يحاول السيطرة على الوضع بمزيج من القمع والمناورات السياسية. ففي السنوات الأخيرة، كثف النظام من عمليات الإعدام بصورة ملحوظة بحيث نفذ أكثر من 500 حكم إعدام خلال العام 2022 فقط وفقًا لمنظمات حقوقية وذلك بهدف بث الرعب في نفوس المواطنين ومنع أي تحركات احتجاجية. لكن هذه السياسة تبدو كمن يحاول إطفاء حريق بالبنزين، فالشعب الذي تحمل عقودًا من الظلم بدأ يفقد خوفه، وصبره ينفد بسرعة، خصوصًا بعد احتجاجات 2019 و2022 التي كشفت عن حجم الغضب الكامن في قلوب الإيرانيين حيال النظام القائم.
صحيفة “جهان صنعت” كشفت كيف أصبح المواطن العادي يشتري الخضروات والفواكه بالحبة بدلاً من الكيلوغرام، وهي ظاهرة تعكس انهيار القدرة الشرائية للأسر. أسعار المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 70% خلال العام الماضي، بينما ظلت الأجور شبه مجمدة، ما دفع العديد من العائلات إلى حافة المجاعة. وزارة الداخلية التي تتولى قمع الاحتجاجات، تجد نفسها عاجزة عن تقديم حلول عملية وتعتمد على تصريحات تهديدية واعتقالات عشوائية لكسب الوقت، لكن هذه الإجراءات لم تعد كافية لاحتواء السخط الشعبي المتزايد.
الشعب الإيراني بدأ يرى في المواجهة السبيل الوحيد للتغيير والثقة بالنظام تتآكل بسرعة، والتوترات تتصاعد في مدن مثل طهران ومشهد والأحواز بحيث تتكدس المظالم ويتحول اليأس إلى غضب عارم، ذلك أن النظام الذي زرع بذور أزماته بسياساته الفاسدة، يحصد الآن عواقبها، والقمع وحده لن يستطيع حمايته من مصير يبدو حتميًا.
من الواضح أن النظام الإيراني يقف على حافة الهاوية، محاصرًا بما صنعت يديه من أزمات، فالقمع قد يؤخر السقوط لكنه لن يمنعه، والشعب الذي صبر طويلاً تحت وطأة الفقر والظلم، يقترب من نقطة اللاعودة، والوقت يمر بسرعة نحو لحظة قد تعيد تشكيل مستقبل إيران بالكامل. لذا فإن خامنئي يعيش في خوف دائم، ليس من الولايات المتحدة وحسب، بل من شعبه الذي قد ينهي حكمه.