فشل نظام الملالي في تحقيق استراتيجيته المعروفة بـ«العمق الاستراتيجي»، وهو ما بات واضحاً حتى في وسائل الإعلام الرسمية للنظام. تداعيات هذا الفشل تتردد أصداؤها في جميع أركان النظام، لتتحول إلى «سيف مسموم» يمزق نسيجه الداخلي ويكشف عن هشاشته.
يأتي اعتراف النظام بالهزيمة الاستراتيجية عبر سرديات متعددة، تعكس حقيقة أن انهيار أي استراتيجية يتحول إلى قوة مدمرة ضد من صممها. نتيجة لذلك، يعيش النظام حالة من الاضطراب، بينما يحاول الولي الفقیة علي خامنئي وأنصاره تصوير الوضع وكأن النظام لا يزال قوياً. إلا أن هذا الخطاب يفشل في إخفاء الشعور الواضح بالهزيمة داخل النظام نفسه.
محمد علي جنت خواه، المحلل والاستراتيجي الحكومي، أشار إلى هذا الوضع في مقابلة مع موقع «دیدارنیوز» بتاريخ 13 يناير 2025 قائلاً: «هذه الاستراتيجية المبنية على مفهوم العمق الاستراتيجي والأفكار العبثية لا يمكن أن تصمد. إنها في الواقع صفعة من التاريخ، تظهر كيف فشلنا في التعلم من أخطائنا الماضية وكررناها. البلد الآن يمر بمرحلة جديدة من التفكك الاستراتيجي، ونتيجة هذه المرحلة غير معروفة بعد».
يمثل مفهوم «التفكك الاستراتيجي» التدهور الأيديولوجي والسياسي للنظام. قيادة خامنئي والفصائل الداعمة له يقفون في قلب هذا التفكك، حيث أصبحت «صفعة التاريخ» إشارة واضحة إلى انهيار استراتيجيات النظام السياسية والأيديولوجية، مما أدى إلى بداية تراجع لا رجعة فيه.
واعترف جنت خواه قائلاً: «المشكلة الأساسية في إيران تكمن في الأيديولوجية الحاكمة. لا يمكن أن تحل المشاكل من خلال الأصوليين، كما أن الإصلاحيين عاجزون تماماً عن إيجاد حلول». هذه التصريحات تؤكد عدم قدرة النظام على التعامل مع الأزمات المتفاقمة الناتجة عن سياساته الفاشلة.
لم تقتصر آثار هذا الانهيار الاستراتيجي على الأيديولوجيا فقط، بل امتدت إلى السياسات الاجتماعية والسياسية، كما يتضح في تراجع النظام عن قانون «العفاف والحجاب». كان خامنئي قد دفع بهذا التشريع لتعزيز القمع، إلا أن خوف النظام من رد الفعل الشعبي أجبره على التراجع.
أوضح جنت خواه هذا التراجع مستشهداً بالأزمة السورية: «إذا تم تنفيذ قانون الحجاب والعفاف، فإنه سيؤدي إلى عواقب اجتماعية شبيهة بما حدث في سوريا. حتى المجلس الأعلى للأمن القومي تدخل لتأجيل تنفيذه، مدركاً خطر تكرار مصير نظام بشار الأسد هنا».
الخوف الذي يعصف بالنظام من ردة فعل الشعب له ما يبرره. فشل سياسة العمق الاستراتيجي في سوريا، والتراجع عن القضايا الداخلية، دفعا إلى تنشيط النقاش العام. المراقبون يلاحظون تزايد الشعور بالترقب بين الإيرانيين، حيث أشار جنت خواه: «الناس في المترو والحافلات وحتى على وسائل التواصل الاجتماعي ينتظرون حدوث شيء ما. يبدو أنهم مستعدون للمشاركة في حدث كبير».
هذا الزخم المتزايد للتغيير يؤكد حتمية المواجهة بين الشعب والنظام. حالة الاضطراب الحالية تعكس مجتمعاً صامداً في وجه القمع ومصمماً على تحقيق مستقبل خالٍ من الديكتاتورية.
عدم قدرة النظام على التكيف مع الضغوط الداخلية والخارجية أوصله إلى مرحلة حرجة. سيف الانهيار الاستراتيجي المسموم يقطع عميقاً، تاركاً آثاراً اجتماعية وسياسية لا يمكن تجاهلها. هذه التطورات، إلى جانب الترقب الشعبي للتغيير، تشير إلى مسار لا رجعة فيه للنظام.
الاعتراف بالفشل داخل النظام نفسه، والذي تجلى في تصريحات المحللين والمسؤولين، يسلط الضوء على عمق الأزمة. ومع تقدم إيران نحو المستقبل، يبقى السؤال: هل سيؤدي تصميم الشعب على الحرية إلى تحقيق الحل النهائي وإنهاء عهد الديكتاتورية الدينية والسياسية؟
يبدو أن هذا التحول أقرب من أي وقت مضى، مع استمرار النظام في مواجهة عواقب سوء تقديراته الاستراتيجية.