بعد الثورة المناهضة لنظام الشاه في إيران عام 1979، تم سلب حقوق الشعب الإيراني على يد خميني وأتباعه القمعيين. وبدأت عمليات قمع القوى الشعبية والتقدمية، وخلال الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت ثماني سنوات، أرسل خميني وحرس النظام الإيراني آلاف المراهقين من القرى الفقيرة وضواحي المدن إلى ساحات الموت. هؤلاء المستضعفون، الذين كانوا فعلياً أعداء طبقيين لخميني وطبقة الملالي المتنفذة، وقعوا ضحية دعاية الفاشية الدينية المضللة وشعاراتها الشعبوية، ليُدفع بهم إلى الهلاك تحت راية شعارات مثل: “یا جيش صاحب الزمان، استعد!”)، والتي استغلت مشاعرهم الدينية البسيطة.
وأسفرت تلك الحرب عن مقتل الآلاف وتشويه وتهجير الكثيرين. وعندما اضطر خميني إلى قبول وقف إطلاق النار، الذي اشتهر بـ”تجرّع كأس السم”، تكشّفت حقيقة تلك الشعارات على أنها مجرد خداع. وبعد عقود، بدأت وسائل إعلام النظام نفسه، مثل صحيفة جمهوري إسلامي، بالاعتراف بتدهور الاقتصاد والفقر المدقع الذي يعصف بملايين الإيرانيين.
في 16 يوليو 2024، نشرت صحيفة جمهوري إسلامي الحکومیة تحذيراً صريحاً للنظام، خصوصاً للولي الفقیة علي خامنئي ودائرته الفاسدة، جاء فيه: “ليس من الحُكم الإسلامي أن تُقسّم النِعَم بين أصحاب السلطة، بينما يُطلب من الشعب الصبر، وتقليل وجبات الطعام، والعودة إلى العيش على أساس الفقر. كيف يمكن أن يعاني كثير من الناس من ضيق المعيشة ولا يجدون ما يكفيهم من اللحوم، والدواجن، ومنتجات الألبان، والفاكهة، بينما يتنعّم القليلون بالقرب من مراكز السلطة برواتب خيالية ومكافآت بمليارات الريالات؟”
كما أضاف المقال: “لا تظنوا أن صبر الناس لا نهاية له. اخشوا اليوم الذي ينتفض فيه جيش الجياع ضدكم.”
ورغم التحذيرات، لا تزال الأزمات الاقتصادية الشاملة والكساد المالي تعصف بالبلاد. فقد أدت هذه الأوضاع إلى إضعاف تأثير دعاية النظام، حيث باتت شعارات النظام مجرد رمز لفضائح النظام وعجزه المتزايد.
وفي 25 نوفمبر 2024، كررت صحيفة *جمهوري إسلامي نفس التحذير: “حتى أصغر مظاهر التذمر في مجتمع مليء بالظلم والفجوة الطبقية يمكن أن تتحول إلى بركان غضب. إن القهر المكبوت في صدور الفقراء سيتحول يوماً ما إلى ثورة بركانية تجرّ جيش المحرومين والجياع إلى الانتفاض ضد مسببي هذا الظلم. ألا تخشون ثورة كهذه؟”
وفي المقال نفسه، نددت الصحيفة بغياب العدالة وتفشي الفقر في ظل نظام يزعم أنه يمثل العدالة العلوية. كما وصفت الاقتصاد الوطني بأنه “عرضة للبيع في المزاد العلني.”
وفي الأشهر الخمسة الماضية، شهدت تكاليف المعيشة ارتفاعاً غير مسبوق. فقد زادت أسعار المواد الغذائية الأساسية بنسبة لا تقل عن 40%، بينما كانت الزيادات في تكاليف السكن والعلاج أعلى من ذلك. وارتفعت أسعار الكهرباء المنزلية بنسبة 38%، وتجاوزت أسعار الدواجن مليون ريال، فيما ارتفع سعر البيض بمقدار 300,000 ريال لكل صينية مقارنة بالأسابيع السابقة. في الوقت ذاته، وصل سعر الدولار إلى 700,000 ريال، مما زاد من معاناة العمال.
ووفقاً لتقرير نشرته وكالة إيلنا في 25 نوفمبر 2024، فإن دخول العمال قد انخفضت بنسبة 20% خلال العقد الماضي. وجاء في التقرير: “في ظل زيادة تكاليف المعيشة بنسبة 40% في الأشهر الأخيرة، أصبح العمال عاجزين عن تأمين احتياجاتهم الأساسية، مثل السكن وتكوين أسرة. التضخم المستمر يدمر حياتهم.”
وكشفت صحيفة اعتماد الحکومیة أيضاً عن تآكل الأجور: “الحد الأدنى للأجور البالغ 7.2 مليون ريال، والذي كان يعادل 113 دولاراً بداية العام، انخفض إلى 103 دولارات فقط في نهاية العام، بسبب الهزات المستمرة في سعر الصرف.”
أما الخبير الاقتصادي فرشاد مؤمني، فقد حذّر من عجز مالي هائل في ميزانية عام 2025، مشيراً إلى أن: “العجز الهيكلي الذي يبلغ 1.8 كوادريليون ريال يعكس غياب الإرادة السياسية لإصلاح النظام، مما يعني أن البلاد تغرق أكثر في مستنقع الأزمة.”
في ظل الأوضاع الراهنة، باتت جموع الجياع، التي استغلها النظام في الماضي، على أتم استعداد لخوض معركة لا هوادة فيها ضد نظام الفاشية الدينية بقيادة خامنئي. الأيام القادمة قد تحمل معها انتفاضة حاسمة لجيش الجياع، الذي لن يقف مكتوف الأيدي أمام الظلم المتفشي.