بمناسبة الذكرى السنوية لاحتجاجات نوفمبر 2019، يظهر أن النظام الحاكم في إيران يعيش في واحدة من أضعف وأشد حالاته هشاشة. يمكن ملاحظة هذا الوضع الهش من خلال مقارنة مفردات “السلطة” و”الأمن النفسي” في خطابات الوليالفقیة علي خامنئي عبر فترات زمنية مختلفة. حيث يعكس هذا التحول في لغة خامنئي من الثقة إلى الخوف والقلق التغيرات العميقة التي يواجهها النظام والمصاعب المستمرة التي تحيط به.
وفي السنوات السابقة، ركز خطاب خامنئي على أهمية فرض القوة على الساحة العالمية للحفاظ على نفوذ النظام. وقد قال سابقًا: “إذا لم نكن أقوياء، فسوف يفرض الأقوياء في العالم أنفسهم علينا؛ ولن يتبقى لنا مجال حتى للتأثير على جيراننا أو على أبناء عقيدتنا، فضلاً عن البشرية ككل. لذا، يجب بناء القوة” (موقع خامنئي الرسمي، 2 فبراير 2010). وتكشف هذه اللغة عن اعتماد النظام على تطوير أدوات قوية، بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل، وخاصة الأسلحة النووية، للحفاظ على سيطرته.
كما شدد خامنئي على الارتباط بين القوة والأمن، قائلاً: “إذا شعر العدو بأنك تفتقر إلى القدرة، فإن الشعب الإيراني [يقصد النظام] لا يملك قوة، سيُهدد أمنكم بجميع أشكاله؛ بكل معنى الكلمة. هذه القوة الوطنية هي الدعامة والضمان للأمن القومي. الأمن القومي هو كل شيء؛ فإذا لم يكن هناك أمن، فلا يبقى شيء” (موقع خامنئي الرسمي، 28 فبراير 2024). يعكس هذا الخطاب أوجه تشابه مع الأنظمة الفاشية في التاريخ، حيث كانت القوة والسلطة تُطلب عبر انتشار الأسلحة المدمرة.
وفي خطاب النظام الإيراني السياسي، ترتبط القوة باستمرار بالمجالات الاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية والعلمية والوطنية، خاصة في خطب خامنئي، جنبًا إلى جنب مع كلمات مثل “العدو” و”الأمن”. ومن خلال تعمق أكبر في خطابه، يظهر أن خامنئي يرى الإرهاب والعدوان الخارجي كأدوات مرتبطة بالقمع الداخلي، وكلاهما يعتبره ضروريًا لبقاء النظام.
ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، تغير خطاب خامنئي بشكل جذري. فقد انتقل من إظهار القوة إلى الحديث عن “الخوف” و”الشك” و”القلق”، مع التركيز الجديد على “الأمن النفسي”. ففي خطاب حديث بُث عبر التلفزيون الحكومي في 28 أكتوبر، قال خامنئي: “هناك قضية مهمة تتعلق بالأمن… وهي مسألة ‘الأمن النفسي’ للمجتمع، والتي تتلقى اهتمامًا أقل؛ الأمن النفسي للمجتمع، بمعنى عدم إدخال القلق على الناس، وعدم إدخال الخوف أو الشك بين الناس. هذا مهم جدًا. البعض، من خلال الأخبار التي يقدمونها، من خلال تحليلاتهم وتفسيراتهم للأحداث، يُدخلون الشك والخوف بين الناس… هؤلاء الذين يعملون في الفضاء الافتراضي يجب أن ينتبهوا لهذه النقاط! ليس كل شيء يخطر على بال الإنسان يجب نشره على المنصات الافتراضية” (موقع خامنئي الرسمي).
ويعكس تركيز خامنئي الأخير على الأمن النفسي منظورًا مختلفًا تمامًا. حيث يوحي بإدراك داخلي للخوف وإدراك للتهديد الذي يشكله الشعب الإيراني، الذي يبدو مستعدًا لانتهاز أي فرصة لمواجهة النظام. فبالنسبة للشعب الإيراني الذي يعاني من خيبة الأمل، لا يحمل هذا “الأمن” المصطنع للنظام أي وزن. وبدلاً من ذلك، فإن مشاعر “الخوف” و”الشك” و”القلق” تشمل أولئك المستفيدين من النظام الذين يخشون مواجهة الحساب العام من الشعب.
وفي هذا السياق، يبدو أن خامنئي يسقط مشاعر جنون الارتياب الخاصة به على الآخرين، محاولًا فرض الرقابة الشديدة من خلال وزارة الثقافة ووسائل الإعلام التابعة للدولة. حيث يطالب المحللين والمتعاملين مع وسائل التواصل الاجتماعي التابعة للنظام بتشويه وتحريف الحقائق لمنع تأجيج مزيد من الاحتجاجات الجماهيرية. ويتوجه بهذا التوجيه بشكل خاص إلى المسؤولين عن إدارة الفضاء الافتراضي، ما يعبر عملياً عن الدعوة إلى زيادة الرقابة على الإنترنت وفرض قواعد صارمة على الأفراد الذين يقاومون سيطرة النظام.
الجدير بالذكر أن هذا الخطاب الأخير يتناقض بشكل حاد مع تحذيرات خامنئي السابقة لأتباعه. ففي تصريح في 25 يناير 2016، حذر قائلاً: “هؤلاء [المقاتلون] ذهبوا لمحاربة عدو لو لم يواجهوه، لدخل هذا العدو البلاد… لو لم يُوقفوه، لكنا اضطررنا لمقاتلته هنا في كرمانشاه وهمدان والمحافظات الأخرى” (موقع خامنئي الرسمي، 25 يناير 2016). يبدو أن موقفه الحالي يشير إلى تراجع في ثقة النظام، حيث يشعر بتهديد متزايد ليس فقط من الخارج، بل أيضاً من الداخل.
في الختام، يعكس هذا التحول في خطاب خامنئي، من التركيز على القوة إلى التركيز على الأمن والخوف، النظام الهش الذي يحاول الحفاظ على سيطرته من خلال الرقابة والقيود على الخطاب العام. وبينما يواصل الشعب الإيراني المطالبة بالمحاسبة والعدالة، يظهر خطاب النظام عن “الأمن” منفصلاً بشكل متزايد عن واقع الشعب. يجسد هذا التغيير في نبرة خامنئي حالة الفاشية الدينية الهشة في إيران والضغوط العميقة التي تواجه النظام.