في الاشهر الاولى من إندلاع الحرب الضروس في غزة، والتي صدمت العالم لدمويتها والعنف المفرط المستخدم فيها، فإنه لم يکن هناك من دولة ونظام في العالم کله هلل وبالغ بفرحته لإشتعال هذه الحرب کما کان الحال مع النظام الايراني، وحتى إن هذا النظام قد قام بجعل منابر خطب الجمعة في إيران کلها منصات للحديث عن هذه الحرب والإشادة بها لأنها جاءت من أجل خدمة النظام.
أما قادة الحرس الثوري ووسائل الاعلام فحدث ولا حرج، حيث ذهبوا بعيدا جدا الى حد التصور بأن هذه الحرب ستحدث تغييرا جذريا لصالح النظام وتخيب آمال الذين راهنوا على إنتفاضة 16 سبتمبر2022، التي دامت لستة أشهر، في حين أن المرشد الاعلى للنظام کان من أکثر الذين لم يتمکنوا من إخفاء فرحتهم بهذه الحرب الضارية عندما قال في العاشر من أکتوبر العام الماضي:” يحاولون تقديم إيران بأنها تقف وراء هذه الحركة، إنهم مخطئون”، لكن الأدلة الدامغة على إثارة الحرب كواحدة من ركائز استراتيجية النظام على مدى أربعة عقود، وحقيقة “رأس الأفعى” كانت واضحة جدا، بحيث لا يمكن لکذب وتمويه خامنئي ودعاة الاسترضاء إخفاءها.
الملفت للنظر إن خامنئي وکذلك قادة النظام الآخرين، قد عقدوا آمالا کبيرة على هذه الحرب وحتى إنهم بنوا عليها حسابات ظنوا إنها دقيقة وإنها ستغير من مسار الاوضاع السلبية بالنسبة للنظام ولوکلائه في المنطقة وسوف تمنحهم قوة غير إعتيادية بحيث ستکون بداية إنطلاقة نوعية لهم، ولکن وبعد مرور عام، ومع اقتراب نار الحرب من خيمة خامنئي ونظامه، فقد تحطمت معنويات قواته ووكلائه لدرجة أن خامنئي سعى لإصلاحها من خلال المشاركة في صلاة الجمعة وإلقاء خطبة باللغة العربية، حيث أطلق جهاز الدعاية وقادة النظام البوق، معتقدين عبثا ومن دون طائل أنه سيكون العلاج الشافي لقواتهم الداخلية.
بعد عام من حرب غزة فإن حقيقة الوضع السئ السائد حاليا في أوساط النظام، يمکن لمسها بکل وضوح من خلال ما کتبه فلاحت بيشة، الرئيس السابق للجنة الأمن البرلمانية، في صحيفة(ستارە صبح) في السادس من أکتوبر الجاري حيث ذکر:” نحن اليوم في مرحلة لا مجال فيها للدعاية والحركات المسرحية. وإلى أن تندلع حرب شاملة بين إيران وإسرائيل، لم يتبق سوى القليل من الوقت مثل سوء التقدير”، کما إن محسن هاشمي، نجل هاشمي رفسنجاني قد حذر من جانبه في صحيفة”جهان صنعت” في السادس من الشهر الجاري أيضا قائلا:” يجب ألا نسمح للمتشددين بالتضحية بإيران”، بل والانکى من ذلك إن صحيفة”ستارە صبح” الصادرة في 5 أکتوبر الجاري، قالت فيما يتعلق بحسابات خامنئي ونظامه من وراء إثارة الحروب کلاما مهما وحساسا جدا نلمس من خلاله الاوضاع الصعبة والحرجة الحالية للنظام من وراء الحسابات الخاطئة بقولها:” التاريخ لا يعرف حربا ربحها أكبر من تكلفتها. لذا، من المناسب للجميع تجنب الحرب والانتقال إلى السلام والحياة السلمية. ستكون حرب واسعة النطاق بين إيران وإسرائيل غير متكافئة ومكلفة”.