أول من زعم نسب ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية إلى سلالة الإمام الحسن السبط عليه السلام هو البروفيسور السوداني عبد الله الطيب (مدير جامعة الخرطوم السابق) الذي كان يميل لذكر الغرائب, وهذا الرجل شاعر وأديب مشهور ومفسر للقران الكريم , لكنه كان ضعيف المعرفة بعلم التاريخ وقواعد علم النسب .
وفي عام 1986 أعلنت الباحثة البريطانية بركي بيراج المختصة بالأنساب الملكية بأن ملكة بريطانيا تنتسب للبيت العلوي واعتبرت الباحثة أول من أكتشف هذا الموضوع ولوحت بأنها بنت عم ملوك المغرب والأردن .
ونشرت جريدة ديلي ميل البريطانية شجرة نسب الملكة إليزابيث ,متسائلة على لسان روبرت هاردمان: هل هذا دليل على أن الملكة تنتسب مباشرة إلى النبي رسول المسلمين؟
وقالت مجلة “الإيكونومست” البريطانية إن تقارير من الدار البيضاء إلى كراتشى تفيد أن الملكة ـ أغلب الظن ـ أصولها تعود إلى آل البيت.
وحسب الأقوال فأن الخبراء الاسبانيين في الأنساب أيضا توصلوا لذلك ثم روج سماحة الشيخ علي جمعة مفتى الأزهر السابق وأحد كبار علمائه لهذا الموضوع , وكرر قوله بعد وفاة الملكة .
وجملة وتفصيلا كل ما عرض من مشجرات وتقارير لاتثبت صحة الادعاء وغير موثقة .
أن علم النسب يخضع لقواعد معروفة وبالنسبة للمسلمين يستندون إلى الشرع المقدس ولا يمكن لأي باحث أو نسابة أن يتخطاه , ولا يثبت صحة النسب مطلقاً من خلال المشجرات الموضوعة , وبالذات النسب العلوي لاسيما الادعاء الحديث , فمن صحته الشهرة والاستفاضة القديمة فالسيد أو العلوية معروفين بين الناس أبا عن جد .
وبالوقت نفسه الانتساب يأتي عن طريق الآب وليس الآم أو الجدة ,فيقول تعالى في محكم كتابه العزيز : ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّه .
وكما يبدو جهل المدعين وعدم لجوئهم للشروط المعروفة أوقعهم في فخ الوهم , فالمنشور بأن زائدة جدة الملكة البريطانية وهي بالفعل جدتها من نسب علوي لا يستدعي أن تكون الملكة الراحلة علوية , فكما أشرنا الانتساب إلى الآب وليس الجدة .
فمن هي زائدة وأبيها وجدها ؟
وقبل الإجابة على هذا السؤال , لابد من التنويه وحسب ما جاء بالمعروض بأن إليزابيث الثانية من سلالة السبط الإمام الحسن عليه السلام ,فأن أعقاب السبط ولد واحد هو الحسن المثنى وبقية أولاده استشهدوا في واقعة الطف ولهذا أثار تاريخية ومصادر قديمة وحديثة تطرقت إليها كتب الأنساب بشكل واضح .
زائدة في الرواية الاندلسية والإسبانية
في الرواية الاندلسية زائدة الإشبيلية (1063م ـ ت 1098م) زوجها الفتح (الملقب بالمأمون) بن المعتمد بن عبّاد والمعتمد بن عبّاد كان ملك إشبيلية,هربت عند هجوم المرابطين على مملكة إشبيلية في عام 1091 إلى مملكة قشتالة حاملة معها أولادها (من المأمون), وأعجب بها ألفونسو السادس ملك قشتالة(كاستيا), وقيل أصبحت محظيه له , وقيل تزوجها , ثم تنصَّرت وتنصَّر أولادها.
وغيرت اسمها إلى ايزابيل، وأنجبت منه ابنه الوحيد سانشو، الذي قُتل لاحقاً على يد المرابطين في معركة أقليش عام 501 هـ – 1108م، وتوفيت زائدة عند ولادة ولدها عام 1097 أو 1098, ما تسبب في صدمة لوالده جعلته يفارق الحياة لتتولى الحكم الملكة أوراكا والتي من نسلها استمرت السلالة الإسبانية.
وما ينبغي التنبيه له أن قصة زائدة في التاريخ الأندلسي لم تحظ بأهمية كونها تسبب الخزي والعار.
وأما الرواية الإسبانية فيقول المؤرخون الإسبان أن المرابطين عندما داهموا إشبيلية على المعتمد بن عباد وكادوا أن يأخذوا ملكه راسل ألفونسو طالبا المساعدة فلم يستجب له بسبب أن المعتمد بن عباد كان قد خان ألفونسو من قبل واستعان بالمرابطين لترويضه في معركة الزلاقة فقام المعتمد بتقديم ابنته زائدة هدية إلى ألفونسو ليساعده في صد المرابطين وقد هاج عليه أهل إشبيلية وكفره علماؤها بتقديمه ابنته (للرومي) عندما عرفوا صنيعه ما جعلهم يسهلون للمرابطين فتح مدينتهم وإسقاط حكم أسرة بني عباد.
وهنا الفرق واضح بين الروايتين التاريخ الاندلسي يقول أنها (كنة) . والتاريخ الإسباني قال: نجلة المعتمد بن عباد!
ولنترك هامشية التاريخ الأندلسي ونذهب إلى الإسباني الذي يوافق ما نشر في مبسوط ملكة بريطانيا الراحلة, ولنسلم بأن زائدة (ايزابيل) بنت المعتمد على الله محمد الثاني بن أبو القاسم ( ملك إشبيلية) , فما هو أصل والدها أذن؟
جدها ذو الوزارتين أبو القاسم بن عباد التي كانت فترة حكمه (414 هـ- ت سنة 433 هـ/1042م), ووالدها المعتمد بن عباد ( ميلاد 431 هـ/1040م//ت488 هـ/ 1095م) وفترة حكمه(461 هـ – 484 هـ/1069 – 1091م) أمير دولة بني عباد في الأندلس.
هو محمد بن عباد بن محمد بن إسماعيل بن قريش بن عباد بن عمر بن أسلم بن عمرو بن عطاف بن نعيم اللخمي أبو القاسم المُلقّب بالمعتمد على الله.
ينتمي المعتمد بن عباد إلى أسرة بني عباد، وهم سلالة عربية تعود أصولها إلى مدينة العريش في شبه جزيرة سيناء بإقليم الشام، وهم يُنسبون إلى النعمان بن المنذر حاكم الحيرة, قدم جد بني عباد إلى الأندلس مع طالعة بلج في بداية القرن الثاني الهجري.
وفي مطلع القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، استقلَّ أبو القاسم محمد بن عباد اللخمي بإشبيلية، فبرع في الفقه والقضاء، وحكم إشبيلية لفترة، ثم خلفه فيها ابنه أبو عمرو المعتضد عباد، وأخيراً حفيده المعتمد.
ويستفاد مما تقدم أعلاه بأن زائدة بنت محمد الثاني المعتمد بن أبو القاسم ملك إشبيلية تنحدر في أصولها لبني عبَّاد ونسبها إلى النعمان بن المنذر أحد أشهر ملوك المناذرة على الحيرة بجوار الكوفة في العراق .
مما يدل على أنها لا تنتسب للنسب النبوي بأي شكل من الأشكال , وأيضاً
ما تتطرق إليه بعض المصادر إلى أن زائدة جدة إليزابيث ليست ملكة , إنما محضيه وأنجبت لألفونسو ثلاث من الأبناء بنتان وولد وهؤلاء الأبناء غير شرعيين وهنا ليس لهم الحق في العرش الإسباني ورغم ذلك فإن ألفونسو تخطى القوانين الملكية وتجاهل شقيقاته من الزواج الشرعي وعين ابنه سانشو كولي للعهد من بعده .
وأن أوراكا لم تكن نجلة لزائدة الأندلسية من الأساس, فالسلالة الإسبانية استمرت من أوراكا ابن ألفونسو السادس وهي ليست نجلة لإيزابيل/ زائدة على الأرجح أنها نجلة كونستانس دي بروغاندي.
لقد أثارت قصة زائدة اهتمام عدد من الأدباء والمؤلفين الإسبان والعرب آخرهم الروائي المصري عصام منصور في عمله الروائي الرائع (شيطان الدراويش).
ولو تأملنا الكلام المتقدم من السطر الأول حتى النهاية سنجد بأن الادعاء بنسب ملكة بريطانيا إلى البيت النبوي عار عن الصحة نتيجة جهل وعدم معرفة قواعد النسب من قبل المروجين وأيضا الموضوع قصة أنس للمجاملات, وكذلك هو فكرة سياسية أعجبت الحكومة البريطانية لتبثها في وسائل الأعلام المختلفة.