الأدب و الأدباء

سمر

احجز مساحتك الاعلانية

 بقلم… حنان فهمي
توفي والد سمر وهي في العاشرة من عمرها، كانت الابنة الوحيدة لأب وأم من خيرة العائلات. ويشاء الله أن تمرض والدتها وهي في السادسة عشرة، واستشعرت وقتها أنها ستفارق الحياة وتترك ابنتها وحيدة، فأصرت أن تزوجها سريعا، لكي تطمئن عليها، وبالفعل زوجتها وهي في سن مبكرة، وتوفيت والدتها بعدما وضعت سمر أول أطفالها، فتركتها وحيدة مع زوج لا يعرف الرحمة وطفل رضيع، وتمر الأعوام وترزق سمر بثلاثة من الأولاد، وقد كانت دائما حامدة شاكرة ربها على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، واجهت أقدارها بكثرة الحمد والتسبيح، وكانت ببساطة ممن ينظرون إلى نصف الكوب المملوء، وليس مثل من يركزون أنظارهم على نصفه الخالي، فتثور لديهم أسباب السخط وعدم الرضا، وتحمد الله دائماً على أي حال، لقناعتها أن الله يريد أن يختبر إيمانها دائماً لحبه لها، فهي كانت شديدة القرب من الله، فحين كانت تعاني قسوة زوجها وإهاناته وسخريته المستمرة منها أمام أهله وتشجيعهم له على ظلمها، كانت تنظر إلى أبنائها وهي في غمرة الضيق فتشعر أنها في نعمة كبيرة حُرم منها الكثير غيرها، وحين كانت تجد نفسها وحيدة بلا أب ولا أم كانت تحمد الله على صديقاتها المخلصات اللاتي امتدت صلتها بهن من أيام الدراسة واستمرت قوية حتى ذلك الوقت، فتشعر أن الدنيا بخير، وحين قرر زوجها أن ينهي دوره في حياتها وهي ما زالت في الثلاثين من عمرها، كانت تنظر إلى أولادها لتتحدى بهم واقعها المؤلم! وخلال رحلة طويلة من العذاب بين أروقة المحاكم بحثاً عن حقوق أبنائها وحقوقها من زوجها الظالم الذي لم يتق الله فيها ولم يحفظ عِشرة السنين، كان بصرها يتعلق بالسماء دائماً أملاً ورجاءً في رحمة الخالق، ورغم انتصار زوجها دائماً بأساليبه الملتوية لإثبات عوزه وإعساره حتى يتنصل من مسؤولياته المادية، كانت تسجد لله شكراً لأنه أنعم عليها بنعمة الرضا والقناعة واليقين بنصره لها في النهاية. كانت كلما استسلمت لذكريات مؤلمة أفاقت من هذه الأفكار الحزينة على ابتسامة من أطفالها الذين وهبهم الله لها وهم يتحركون حولها في مرح وسعادة، فترضى بنصيبها من الدنيا، وتحمد الله على كل حال. اتخذت قرارها النهائي بالتفرغ التام لأولادها، ورفضت الزواج مرة ثانية، وشغلت نفسها بتعلم الكمبيوتر ودراسة اللغات، وانشغلت كلياً بمطالب أطفالها الصغيرة وحكاياتهم اللذيذة وشواغلهم الممتعة، فوجدت كل الذكريات الحزينة تنحسر من ذاكرتها تدريجياً. وذات يوم التقت صدفة بزوج عمة أولادها التي أسهمت فعلياً بالنصيب الأكبر في هدم بيتها، وقد فوجئت به يبدي لها أسفه على ما كان من زوجته وأسرتها معها، فقالت له إن هذا قدرها، وإنها تحمد الله على كل حال، وتركته ومضت في طريقها. وقتها فكرت فيما قاله لها، وحمدت الله أنه أظهر لها ظلمهم حتى لأقرب الناس إليهم! وظنت أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد، إلا أنها فوجئت به يطاردها في كل مكان تذهب إليه، ويصارحها بأنه يحبها، ولا يستطيع الحياة بدونها، واعترف لها بأن زوجته كانت قد استشعرت هذه العاطفة القوية لديه تجاهها حين كانت زوجة لأخيها، فدفعها ذلك لتدمير حياتها وافتعال المشاكل بينها وبين أخيها، وقال لها أيضاً إنها كالزهرة يجب أن تُروى بالماء وإلا جفت وذبلت وماتت، خاصة أنها في الخامسة والثلاثين من عمرها، فوجدت نفسها وبدون أن تشعر تنفجر فيه وتقول له إنها ليست ممن يهدمن البيوت، ولكنه كان يصر أن يجعلها ترضى عنه وتتزوجه، ووعدها بأنه سيسعدها ويحافظ عليها وعلى أولادها، وكان يغريها بالمال، لكن كل ذلك لم يجعلها تقبل، وتركته وعادت إلي بيتها حزينة متألمة مما قاله، ولكنها فكرت في حديثه قليلاً وعذرت زوجته أنها فعلت مثل أي زوجة تخشى على زوجها وحياتها، وتساءلت لماذا لم تصارحها بشكوكها وهواجسها؟ ولو كانت قد فعلت لكانت أعانتها على استعادة زوجها واحتفظت في نفس الوقت بزوجها وأولادها! وحمدت ربها أنه أعطاها نعمة التسامح، ورفضت الغدر بشقيقة زوجها، رغم ما فعلته بها، فكانت دائماً تنتصر على انكسار النفس وصدمات الحياة بقوة إيمانها ويقينها بالله سبحانه وتعالى، وواصلت مشوار الحياة لرعاية أولادها واثقة في عدالة السماء ومشيئة الله، ولكنْ ظل هذا الرجل يطاردها، وعلمت أنه طلق زوجته، فظل يضغط عليها ويقول لها إنه ترك زوجته لأجلها، إلى أن اضطرت للذهاب إلى شقيقه الأكبر لتشتكي له أخاه، وتطلب منه أن يبعده عن طريقها، وكان أرمل ولديه ابنة وحيدة، وكان ذا شخصية قوية، الكل يخشاه ويحترمه، وصاحب كلمة حق، وبالفعل سمع منها ووعدها بحمايتها، وقد لفت نظره أنها إنسانة راقية في تصرفاتها ومتسامحة، عكس ما كان يقال عنها، وأحضر أخاه وحذره من التعرض لها، وظل دائماً يطمئن على أحوالها وأحوال أبنائها، وبدأ يشعر نحوها بعاطفة كبيرة، وبالفعل صارحها بحبه لها، وطلب منها أن تشاركه حياته. ترددت كثيرا رغم علمها بقوة شخصيته وأنه من أغنياء البلد، لكنه كان يقول لها إنه لن يأتمن أحدا على ابنته غيرها، وإنها ستكسب الثواب في تربية يتيمة، فقررت أن توافق بعد تفكير عميق، ولكن القدر لا يمهلها، فعندما علم شقيقه ذهب إلى (طليقها) وأخبره أن أم أولاده ستتزوج ويصبح أولاده تحت سقف رجل غريب، فذهب إليها وهددها إما بالعودة إليه أو أنه سيأخذ منها أبناءها لو فكرت بالزواج، وبالفعل للمرة الثانية تخضع لظلم القدر وتستسلم وتعود إلى عصمة هذا الظالم، وحزن من أحبها حزناً شديداً، ولكن ماذا بيده فهذا حكم القدر، وتصبر سمر، وتمر ثلاثة أعوام وكأنهم ثلاثة قرون، ويمرض زوجها مرضا شديدا، ويتوفاه الله، ويريد المولى أن ترث هي وأولادها جميع أمواله وأملاكه التي حرمهم منها في حياته، سبحان الله يعود ليعطيها الله حقها، وهكذا انتصرت سمر على نفسها وجاهدت الجهاد الأكبر الذي أوصانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم. ها هي قد تصالحت مع نفسها وظروفها فتمتعت بالسلام النفسي بأن تقبلت أقدارها ورضيت بكل ما حملته لها أمواج الحياة، فنصرها الله وتزوجت من الرجل الذي أحبها وأحبته، وكانت أما لابنته، ولم تفرق يوما بينها وبين أبنائها، وكانت دائماً تعلمهم جميعاً أن الحياة
يوم حلو ويوم مر

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى