من أخلاق الإنسان الصادق مع الله تعالى ومع نفسه حرصه على التعاون ووحدة الصف والكلمة والهدف،والعمل لأجل أمته مع تجنب ما يؤدي إلى الضعف والفرقة،ومن هنا يكون منطلق الخير والقوة فمبادىء الأديان السماوية تهدف لأن تكون الأمة متحدة الكلمة،عزيزة الجانب،موفورة الكرامة.
ولكن نجد من يخرج على تلك المبادىء بإطلاق ونشر الشائعات وبث الوقيعة بين الأفراد وترويج الأراجيف والأكاذيب والمفتريات في الصفوف والمجالس والتجمعات والأندية ومع التقدم التكنولوجي ووسائل الاتصالات والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات أصبح نشر الشائعات على نطاق أوسع حيث نجد موضوعا أو خبراً منشوراً دون استناد إلى مصدر موثوق به أو شاهد بصحة ما تم نشره وإذاعته .
وبعد استقبال ومطالعة الموضوع أو الخبر يتبين المبالغة في السرد والعرض والنشر بل لا أساس له على أرض الواقع،وتعرف الشائعة في اللغة بالانتشار والتكاثر،وفي الإصلاح بالنبأ الهادف الذي يكون مصدره مجهولا،وللشائعات أخطارها على الأفراد والمجتمع والأمم والشعوب منها:شق الصفوف والفتنة والتناحر والكراهية والوقيعة بين الناس وإفساد العلاقات بين الأخوة والأقارب والأصدقاء وهدم القيم المثلى والأخلاق الحميدة والتخريب وإهدار الدماء.
فضرر الشائعات أشد من ضرر القتل لأن الفتنة أشد من القتل،من أخطار الشائعات أيضا:تضييع الحقوق وإشاعة الفاحشة ولذلك علينا التأكد والتثبت من الأخبار المثيرة وناشر الأنباء المثيرة مع عدم ترديد الإشاعة ونقل الكلام إلا بالبينة والدليل مع رد الأمر إلى العلماء وأهل الاختصاص وأيضا على الأفراد والمجتمع التماسك الاجتماعي القائم على الإيمان والتقوى وغرس الثقة المتبادلة وحسن الظن.
وتعالوا نتدبر قوله تعالى في الآية 6 من سورة الحجرات:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) وقوله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)وقوله تعالى في الآيات 12:10 من سورة القلم:(ولا تُطِعْ كُلّ حلاّفٍ مهِينٍ همّازٍ مشّاءٍ بِنمِيمٍ منّاعٍ لِلْخيْرِ مُعْتدٍ أثِيمٍ) وفي السنة النبوية نجد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ألا لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر) رواه أبو داود والترمذي،وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال:قال سول الله صلى الله عليه وسلم:(كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع) رواه مسلم.
أيضا أذكر هنا أن شابين ذهبا إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه أثناء جلوسه في مجلس وهما يقودان رجلا من البادية فسأل عمر رضى الله:ما هذا ؟ قالا:يا أمير المؤمنين هذا قتل أبانا فقال عمر رضى الله عنه للرجل:أقتلت أباهم ؟ قال:نعم قتلته فقال عمر بن الخطاب : كيف قتلته ؟ قال الرجل:دخل بجمله في أرضي فزجرته فلم ينزجِر فأرسلت عليه حجرا وقع على رأسه فمات فقال عمر بن الخطاب : القصاص ..الإعدام،قال الرجل:يا أمير المؤمنين أسألك بالذي قامت به السموات والأرض أن تتركني ليلة لأذهب إلى زوجتي وأطفالي في البادية فأُخبرهم بأنك سوف تقتلني ثم أعود إليك .. والله ليس لهم عائل إلا الله ثم أنا فقال عمر:من يكفلك أن تذهب إلى البادية ثم تعود إلي؟وسكت الناس جميعا لأنهم لا يعرفون اسمه ولا خيمته ولا داره أو قبيلته أو منزله وأيضا سكت عمر بن الخطاب رضى الله عنه متأثر ا لأنه وقع في حيرة .. هل يُقدم فيقتل هذا الرجل وأطفاله يموتون جوعا هناك أو يتركه فيذهب بلا كفالة فيضيع دم المقتول؟؟!!التفت عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى الشابين وسألهما:أتعفوان عنه ؟قالا:لا ..من قتل لا بد أن يُقتل يا أمير المؤمنين فقال عمر رضى الله عنه:مَن يكفل هذا أيها الناس؟قال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه:يا أمير المؤمنين أنا أكفله فقال عمر رضي الله عنه:هو قتل؟قال أبو ذر الغفاري:ولو كان قتلا فسأله عمر بن الخطاب:أتعرفه ؟ قال أبو ذر الغفاري:ما أعرفه فقال عمر بن الخطاب:كيف تكفله ؟ قال أبو ذر:رأيت فيه سمات المؤمنين فعلِمت أنه لم يكذب سيأتي إن شاء الله فقال عمر رضى الله عنه:يا أبا ذر أتظن أنه لو تأخر بعد ثلاث أني تارِكك ؟ قال أبو ذر الغفاري:الله المستعان يا أمير المؤمنين ،ذهب الرجل وأعطاه عمر ثلاث ليال يهيئ فيها نفسه ويودع أطفاله وأهله وينظر في أمرهم بعده ثم يأتي ليقتص منه لأنه قتل وبعد ثلاث ليال لم ينس عمر رضى الله عنه الموعد وفي العصر نادى في المدينة:الصلاة جامعة فجاء الشابان واجتمع الناس وأتى أبو ذر رضى الله عنه وجلس أمام عمر رضى الله عنه وقال عمر رضى الله عنه:أين الرجل ؟ قال أبو ذر الغفاري:ما أدري يا أمير المؤمنين ؟ ثم تلفت أبو ذر رضى الله عنه إلى الشمس وكأنها تمر سريعة على غير عادتها وسكت الصحابة من التأثر وقبل غروب الشمس بلحظات إذا بالرجل يأتي فكبر عمر رضى الله عنه وكبر المسلمون معه فقال عمر رضى الله عنه:أيها الرجل أما إنك لو بقيت في باديتك ما شعرنا بك وما عرفنا مكانك ؟ فقال الرجل:يا أمير المؤمنين والله ما علي منك ولكن على من الذي يعلم السر وأخفى ها أنا يا أمير المؤمنين تركت أطفالي كفر أخ الطير لا ماء ولا شجر في البادية وجئت لأُقتل فوقف عمر رضى الله عنه وقال للشابين:ماذا تريان؟قالا وهما يبكيان:عفونا عنه يا أمير المؤمنين لصدقه فقال عمر رضى الله عنه:الله أكبر ودموعه تسيل على لحيته،وفي الختام أعزائي القراء أقول لكم :عليكم بالصدق والسير مع ركب الصادقين في تلك الظروف الراهنة التي تعيشها مصر وما يحاك بها وتعانيه من مؤامرات تدبر ضدها وأذكركم وأذكر نفسي بقول الله تعالى في الآية 36 من سورة الإسراء:(وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) وقول المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) متفق عليه ..وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صل الله عليه و سلم قال:(إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا) متفق عليه.
إن الإشاعة تكبر وتكبر وتتضخم وتروج وتنتشر طالما وجدت آذان تصغي إليها وألسنة ترددها وشفاه تنقلها ونفوس مريضة حاقدة تتقبلها وتصدقها فاللهم أحفظنا وأحفظ مصر الحبيبة من مكايد المخربين والأشرار والطامعين وقبل أن نفترق أهديكم كلمات قصيدتي التي ضمها ديوان ديواني إحكي وقول ياورق:
ليه قلوبنا اتفرقت
ليه نفوسنا اتغيرت ؟
والملامح والوشوش
فى غرابة اتبدلّت
ليه نبيع فينا الضماير
ليه نفّرط فى المصاير ؟
والحقايق فينا تاهت
والخطاوى اتبرجلت
ليه نلوم غيرنا بسذاجة
فى الأساس إحنا الغلط ؟.