فى سلسلة المقالات التى نكتبها تباعا سنحاول استقراء المشهد السياسى للعالم العربى و ما يموج فيه من أزمات متلاحقة محاولا بذل جهد و لو متواضع لتبين ما يدور فى الفلك السياسى حولنا , و محاولا استقراء ما يرتب من مواقف خلف الكواليس من كافة الاتجاهات الفاعلة على الساحة
و سنبدأ بتسليط الدور على الدور القطرى و ما يحيط به من علامات استفهام , و أتمنى ألا يحسب ذلك على أنه انحياز لصالح اتجاه ضد أخر خاصة فى ظل التصارع الحالى بينها و بين غيرها من محور منافس لم تجد الأمة فى كليهما إلا شرا , و من سيتابع المقالات التالية سيجد منى توضيحا للدوافع المهيمنة على تخطيط كلا منهما
و ما ترتب علي سياساتهم من جناية ندفع ثمنها جميعا فى المنطقة , و لربما بدأت بالموقف القطرى لحالته الفريده دون غيره , فكل الدول فى العالم العربى لها اتجاهات سياسية نفعية تنظر عودة الفائدة عليها , ولو على حساب غيرها و أبرز مثال ذلك الموقف فى مصر بعد كامب ديفيد ,
و هكذا أغلب دول المنطقة إلا ما رحم ربى , و لكن الموقف القطرى شذ عن هؤلاء جميعا فاتخاذ النظام القطرى لمواقفه السياسية يثير علامات استفهام كثيرة قد تبدو من الوهلة الأولى أنها ضد مصلحة الإمارة نفسها أو هكذا يبدو لمن يشاهد الأهداث للمرة الأولى , وذلك ما نحاول أن نفهم دوافعه و ما ورائه فى الفقرات التالية .
و للحديث عن المسألة القطرية تقفز إلى أذهاننا كثير من التساؤلات عن مصلحة قطر في كل ما تتخذه من اجراءات فى سياساتها الخارجية .
ماذا تريد تلك الدويلة الخليجية غريبة الأطوار فى سياساتها المتقلبة فى المنطقة , بالطبع ليس هناك دولة تتخذ اجراءات و تسلك سياسة خارجية تعود عليها بالنقمة و العداوة مع أقرب المحيطين بها خاصة و أن حجمها و امكانيتها البشرية و العسكرية لا يؤهلها لهذه المناطحة ,
و بالطبع هم أكثر فطنة من هكذا مجازفة , فما انفكت قطر تبرز دورها كراعى للحركات الاسلامية و الجهادية فى المنطقة ,
و لكن الغريب فى الأمر كل هذا التناقض بين الجماعات الموضوعة على أجندة التمويل القطرى ,أليس غريبا تمويل جماعات مثل الأخوان المسلمين بوجههم المتسامح مع فكرة الوصول للحكم عن طريق الوسائل الديموقراطية و لو مرحليا ,
و فى نفس الوقت تمويل مجموعات لها فكر القاعدة مثل النصرة وفيلق الرحمن و أحرار الشام التى لا ترى عن السلاح بديلا و تكفر كل ما يمت للديموقراطية بصلة ؟
أليس من الغريب تمويل جماعات فكرية سلفية المنهج تجد فى الشيعة و ايران عدو أولى بالصراع من اليهود أنفسهم , و فى نفس الوقت تمد يدها بالتعاون مع ايران , خاصة بعد ميل الكفة فى الجبهة السورية لصالح محور النظام – روسيا – ايران .
أليس من الغريب الرعاية المالية لحركات المقاومة فى فلسطين خاصة حماس اعلاميا و ماليا و من جهة أخرى تحتفظ بتعاون وثيق مع الكيان الصهيونى , و نجدها لا تخجل من كشف تعاونها الغريب مع اسرائيل .
أم هل يمكن أن تقوم تصرفاتهم على أساس وازع من ضمير دينى و حس قومى بالمسئولية , و لكن الجانب الأخر من السياسة القطرية يوشى بعكس ذلك تماما ,
فهى القاعدة الجوية الأمريكية الأكبر فى العالم , تلك القواعد التى كانت نقطة انطلاقة أمريكا لاحتلال و تهديد الدول الاسلامية المعارضة لسياسات أمريكا و اسرائيل فى المنطقة باختلاف اتجاهاتها سواء كانت تيار اسلامى سلفى – كأفغانستان – أو تيار قومى – كالعراق –
بل وقامت بالانقلاب على حليفها السابق لسنوات و هو المحور الايرانى السورى بمجرد بداية الحرب الأهلية السورية , فلم تكتفى بالحشد و التحريض الاعلامى , بل تخطته إلى الدعم المالى و التسليح لحركات التمرد باختلاف مشاربها سواء المتشددة منها و المعتدلة و هى ذاتها لا تنكر ذلك و إن ادعت أن التبرعات تصل عن طريق جمعيات خيرية إلى المعارضة السورية .
الأغرب من ذلك الموقف المتناقض فى ليبيا , فهى الدولة الخليجية الوحيدة التى ظلت على علاقات وطيدة بنظام القذافى بعد الحديث عن محاولة ليبية لاغتيال العاهل السعودى الراحل الملك عبد الله حين كان وليا للعهد ,
و كشفت الاتصالات الهاتفية المسربة بين الأمير القطرى و وزير خارجيته مع العقيد معمر القذافى مدى التفاهم المتبادل بين الطرفين و اشتراك الرؤى فى بغض النظام السعودى و تمنى زواله ,
فإذا بنفس الدولة – قطر – تسارع بالاشتراك فى الحرب ضد ليبيا بذريعة قمع المعارضة و المتظاهرين فى ليبيا , و تم ذلك ضمن تحالف غربى لاستنساخ دولة عربية فاشلة أخرى تنضم إلى أخواتها فى الصومال و العراق و فى الطريق سوريا , و تركوا ليبيا قاعا صفصفا تنهشها مئات
الجماعات المسلحة الانتهازية العمياء التى لا تهتدى سبيلا و لا ترى لها طريق للخروج من النفق المظلم و هى سنة مكررة فى دولنا الفاشلة جميعا , الغريب أن السيناريو الغربى الذى تم بدع عربى فى كل تلك الدول هو سيناريو واحد ,
وهنا يحضرنى مقولة لأينشتين ” الغباء أن تكرر الفعل مرتين بنفس تفاصيله ثم تنتظر نتيجة مختلفة .
فما كل هذا التناقض , ما هذه الدولة اللغز , ماذا تريد قطر , وإلى ما تطمح الدولة الخليجية الصغيرة , هل ترنو إلى دور قيادى و امتداد نفوذ يناسب الثروة المالية الطائلة , أم تريد أن تكون مرجعية لأحزابٍ وتنظيماتٍ ومثقفين من كافة الاتجاهات التى تجتذب المتابع العربى و المسلم و تجعلها تبدو كعبة المناضلين و المريدين ,
فإذا كان الأمر كذلك فلما كل هذا التذبذب فى العلاقات القطرية الخارجية , لماذا ينقلب العدو صديقا و الصديق عدوا بلا مقدمات أو مبررات , و لما يتم جمع هذا الكم من المستفيدين و لايجمعهم سقف واحد الليبرالى و القومى و الاسلامى و السلفى والتكفيرى .
أم أن الأمر ليس به أى تناقض , بل يحتاج فقط لفك بعض الطلاسم التى ستوضح لنا الصورة كاملة , و حينها سيبدو لنا أن الأمر كله دور منوط بقطر تنفيذه فى المنطقة العربية ,
و معروف من المستفيد خلف الستار من كل هذه البلبلة التى تموج بها المنطقة , فدائما كان الدعم القطرى لأى اتجاه له مبدأ معين فى المنطقة يأتى بنتيجة عكس المنتظر منه , فكل دعمهم للتيارات الاسلامية