بقلم / مجاهد منعثر منشد
المؤلف كارن روس ,دبلوماسي بريطاني مستقيل , كتابه صادر عام 2011م , ترجمة : فاضل جكتر , والصادرة ترجمته مؤخراً، ضمن سلسلة عالم المعرفة / الكويت .
الكاتب يعمل حاليا مدير هيئة مستقلة تعرف بمنظمة «الدبلوماسي المستقل» مهمتها التواصل مع القضايا السياسية، بعيداً عن سلطة الدول والحكومات.
بعد استقالت الدبلوماسي من منصبه يحاول سحب سحابه من السماء لتبقى على ظل إنساني , فيقول : (هذا الكتاب حول نمط جديد من السياسة، خرج من رحم خيبتي المطلقة من الحكم الديمقراطي المزعوم، الذي سبق لي أن عملت في خدمته).
في مقدمة كتابة طرح الضالة المنشودة قائلا: كيف سيبادر الناس العاديون إلى تولي السلطة وتغيير السياسة في القرن الواحد والعشرين؟
عنوان الكتاب (الثورة بلا قيادات) جذّابٌ واعد , لكن مضمونه عن مجتمع بلا حكومة أو زعامة هو حديث حالم واهم ,فمن ناحية منطقية وعلمية هي دعوة إلى فوضى وقرارات غير مدروسة .
وما تؤكد ذلك المصادر العلمية ككتاب quot لعالم الاجتماع العراقي د. حاتم الكعبي أو غيره من المصادر عن الثورة.
والعنوان حسب مفهوم المؤلف بيان قدرة الفرد الواحد على إنتاج موجة مؤثرة، أو اتخاذ قرار ذا أثرٍ كبير في الحياة.
أسلوب كارن روس في كتابة هذا الكتاب بأسلوب السياسيين والدبلوماسيين كما في العمل !
ويستخدم طريقة شحن وتحريض القارئ مع طغيان الأسلوب في التبليغ والدعوة , فمثلا نجده يقول «تبنوا هذه الأفكار، أو اعملوا على تطبيقها وسيتغير كل شيء».
أما النفس الذي يحمله نفحة غاندية في عصر مختلف تماما عن حقبة غاندي !
إنّ الفكرة وتشجيع على العمل الفردي المؤثر في المجتمع , ودعوة للتغيير المجتمعي بسبل التأثير واللاعنف.
وبالرغم من إصابته الفكرة ولامسها القارئ, لكنه يحتاج بحثًا وتفكّراً أطول وأعمق.
و يدور الكتاب حول أربعة أفكار بسيطة تقدم مقاربة مختلفة جذرياً لإدارة شؤوننا .وتسعة مبادئ لريادة التحرك.
وذكر العديد من القصص والأخبار والانطباعات الشخصية التي قد لا تنسجم مع موضوع الكتاب.
وتحدث روس عن بعض العناوين والمسميات من خلال التجارب، إلا أن صياغتها واعتمادها حلولاً عملية لزحزحة السلطة وإحلال سلطة شعبية بدلاً عنها، يعد أمراً بعيداً عن الوقائع ومنطقها.
وتطرق لبعض الأمثلة التي لا اعتبار لها في وقتنا المعاصر كالمثال على الربيع العربي حين ما أقدم محمد البوعزيزي على إحراق نفسه في إحدى البلدات التونسية الصغيرة، تمخض فعله عن إحداث زلزال سياسي خض العالم العربي .
هذا التحرك في الشعوب العربية لا يجدي نفعاُ في الوقت الحاضر , قلو حرق مئات الشباب أنفسهم لا تهتز شعره واحدة من الساسة ولا يتغير أي شيء ولعدة أسباب منها :
1.السلطات السابقة رغم استبدادها وفسادها في الحكم بسبب السيطرة على مدى عقود من الزمن جعلها قوية وأية حكومة جديدة أفرزتها الثورة أو المظاهرات تكون ضعيفة وهشه وستقابل الخصم بالظلم .
2.كل الساسة الحاكمون بعد الربيع العربي لهم محركون من دول عظمى وإقليمية وإذا انقلب أحدهم على تلك الدول ستباشر بتغيره عن طريق ثورة مظاهرات وتنصب من تريد .
3.الأنظمة العربية الحديثة سائبة سيالة ليست مضبوطة وحالها بين الانضباط والفوضى. ويقابلها مجتمعاتنا مجتمعات حاضنة للاختلافات ولا تستطيع العيش دون الاختلاف .
وهذا ما يشير بأن تقديرات المؤلف ومبالغاته الإيديولوجية وأحكامه المتسرعة على بعض الأمثلة التي طرحها لا تتصل كثيراً بما يرصده أو يقترحه في كتابه , كمثال الكيانية الكردية في شمال سوريا.
وتطرق كارل روس عن نجاح كبير في استيراد التقنيات السياسية أو التقنيات ذات الاستخدام السياسي كما حدث في الثورات الملونة في أوكرانيا وجورجيا وتونس ومصر، وتقنيات الحشد والتنظيم بواسطة الرسائل النصية (SMS), إلا أنه لا يشير إلى أن الكثير من تلك الظواهر تم بترتيب وتدخل غربي يستهدف ما يعده الغرب مصادر تهديد صاعدة.
والغريب المؤلف غير مكترث ومهتم بأن جانباً من الأزمات الإقليمية والدولية يتم التهيئة له وتعزيزه والمدافعة عنه وإمداده بالمال والمعلومات من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.
وكمثال على ذلك واشنطن عندما أعلنت منذ فترة مبكرة من الحرب السورية عن إمداد مجموعات المعارضة المسلحة بأنظمة اتصال فضائي، وتدريب الجماعات الأخرى على العمل الإعلامي.
و ينتهي القارئ من قراءة الكتاب بتقديرات متناقضة .
وفشل المؤلف في إظهار القدر المناسب من الموضوعية والابتعاد عن التحيّز للرؤى الغربية .
ووضعه انطباعاته وتقديراته الشخصية مقام التجارب والخبرات العلمية.
وأخيرا أعتقد بأن هذا الكتاب يتبنى سياسة شعبوية جوفاء فارغة تحاول الدول العظمى تطبيقها على بعض الشعوب العربية لغرض تنفيذ استراتيجيتها بما يرتبط بمصالحها مع دراسة النتائج لتفاديها في بلدانهم .