أخبار مصرأهم الاخبارالأدب و الأدباءالثقافةحصرى لــ"العالم الحر"قرأت لك

نوفيلا ” ميردام ” / “سيدة البحر ” للكاتبة / نهى بلال , محمد أحمد برمو_ عضو اتحاد كتاب مصر

يتحدث بلسان البحر وقد أضفى عليه صفة الإنسانية

احجز مساحتك الاعلانية

حين انتهيتُ من قراءة نوفيلا ( ميردام ) للروائية القاصة الدكتورة/ نهى بلال  تذكرت قصيدة الشاعر/ محمد محمود زيتون (أنا البحر)

يتحدث بلسان البحر وقد أضفى عليه صفة الإنسانية فيتحدث بلسان عربي فصيح يقول في ختامها: أنا البحر راضي بانفـرادي وعزلتـي ومستمتع بالقيـد وليشـهــد الدهـــر أنا البحــر سرجـــي مــارد لا ينـــاله عمالقة الدنــيا ولا ينحــني ظهـــري أنا البحــر كم طاحــت بكفــي معـــالم وخابت جـراح لم يبـال بهــا النحـــر أنا البحر أحنو حين أقسو وفي يـدي من السم ترياق وفي صحوتي سـكر أنا البحر يمضي ما عداي إلى الردىٰ ولكن أنا البحــر الكــبير أنــا البحــر والحقيقة البحر جندي من جنود الله ومخلوق من خلق الله ومنه جعل الله كلى شيء حي وهو كائن له حياته الخاصة وأسراره الدفينة وعلاقاته المتشابكة بالكون كله وبالبشر والحجر .. ( أنسنة البحر ): الرواية فنتازيا محببة للنفس تمتزج فيها بطلة الرواية مع معشوقها البحر وتتنامى بينهما العلاقات العلاقات العاطفية رويدًا رويدًا حتى يمتزجا روحًا وجسدًا .. و هى علاقات شائكة بين عملاق فى حجم وقوة وعنفوان البحر بأمواجه الصاخبة وأعماقه السحيقة المغرقة وبين أنثى ضعيفة لا حول ولا قوة لها سوى دفء مشاعرها وتوهج روحها وجمال تكوينها المثير .. كيف استسلم هذا العملاق الجبار الذى يثور وتعلو أمواجه فيغرق البلاد والعباد ويمحو المعالم والآثار فى غمضة عين؟ كيف استسلم لأحضان أنثاه التى همست له بعذب الهمس فصارت مياهه عذبة؟ وكيف رضخ لرغباتها المجنونة وكيف ارتضى أن يصبح عبدًا وخاتمًا فى أُصبعها؟ الإجابة تكمن فى الصياغة العبقرية للكاتبة التى جعلتنا نعيش تلك التجربة الجديدة بين عاشقين يختلفان فى كل شيء، لكن الكاتبة جعلتهما يتآلفان ويتوافقان وينسجمان ويلتحمان ويتداخلان فى حميمية التلاقي ودفء الاحتواء ونشوة التلامس الساحر الرقيق. هذه الصياغة العبقرية الملهمة هى أهم معالم الرواية التي جعلتنا نستمتع بهذا السرد المدهش. الملمح الثانى أن الكاتبة ضفرت سياق روايتها بأحداث من التاريخ تتشابه وتتطابق مع أحداث روايتها وهي وقائع حقيقية من تراثنا الإسلامي الإنساني المحتشد بدراما التاريخ مثل طوفان نوح وحمل مريم البتول وغيرهما من قصص وردت فى القرآن الكريم لتجعلنا نوقن بالصدق الفني الذى هو عماد كل عمل أدبي ناجح، هذه الرواية تدعو لإعمال الفكر وتجعلنا نعيد النظر فى أشياء كثيرة منها علاقة الإنسان بأخيه الإنسان وعلاقته بالكون ومفرداته ، إذ يجب أن تكون هذه العلاقات توافقية لنعيش سويًا فى محبة وسلام مع باقى الكائنات ، ولا يجب أن تتسم هذه العلاقات بالتصادم والتعارض . وهذه الرواية تثير الكثير من الأسئلة، فكيف استطاعت الكاتبة أن تجعل عاطفة الحب تتأجج بين البحر والأنثى وتتطور العلاقة بينهما لدرجة العشق والذوبان فى غرام سرمدي حيث طوعت أحاسيسه ومشاعره نحو البشر وهو الوحش الضاري والعملاق الذى تخشاه الجبابرة لغدره وقوته وعنفوانه وهو القادر على إغراقهم فى أعماقه السحيقة؟ .. كيف استطاعت هذه الأنثى ترويضه فجعلته رقيقًا كالنسيم وحانيًا كأم عطوفة وديعًا أليفًا كصديق .. مرة أخرى تكون الإجابة هي الصياغة العبقرية المغايرة لما ألفناه من قصص العشق والغرام الأسطوري والخيال المبدع المنطلق بلا حدود .. الحب أذاب الفوارق: الدكتورة نهى بلال سكندرية الهوى والهوية، حياتها قصة عشق لمعالم الإسكندرية الحضارية وفى مقدمتها البحر ملتقى الحضارات وبؤرة التاريخ، وأحوال البحر تتطابق مع كثير من الناس، فحين يثور يحطم كل شىء فى طريقه، وحين يهدأ يلقى الأحبة بالأحضان، كثير من الأدباء تصالحوا مع أنفسهم ومع كل مكونات الكون من بشر وحجر، وخلال سبعة فصول أو عناوين فى هذه الرواية ندرك أننا نرصد علاقات سوية بين عاشقين ذوَّب الحب الفوارق بينهما، فمَن يصدق نشوء علاقة عاطفية بين الغرباء المختلفين ؟! كيف استطاعت الكاتبة أن تجعلنا نصدق علاقة الحب الأسطوري بين البحر ومعشوقته الإنسية وهما يختلفان فى الخلقة والتكوين وفى الفكر والثقافة وفى اللغة والنطق وفى الوجود والمصير وفى الحياة والموت، لكنه الحب الذى أذاب كل هذه العوائق والفوارق ، ومن ثم كانت هذه العناوين: ــ توقٌ إلى عناق ــ مهابة اللقاء ــ استواء على حافة الظل ــ وهنا قضينا وطرًا ــ حبُّ سرمديُّ الخلود ــ مرافيء الحرمان استطاعت الكاتبة أن تضفي على البحر سمات إنسانية، فكان طبيعيًا أن يغار على محبوبته حتى من زوجها ، حيث وصلت به الغيرة أن غيب غريمه فى أعماقه كاتمًا أنفاسه ولم يتركه إلا جثة هامدة فألقاه على الشاطيء، لكن لم يطاوعه قلبه أن يغدر بمحبوبته لأنها أنثاه التى شغفها عشقًا بل ربت على عواطفها واحتضن مشاعرها ومس جسدها عندما ارتمت فى أحضانه تغسل همومها واعتصرها واحتواها بحنان عجيب وتركها حية لتستكمل قصة العشق الأسطوري فيتجدد اللقاء وتتوهج المشاعر وتشتعل الرغبة .. تنتهى الرواية ــ و يا ليتها لم تنته ــ على مشهد الغيرة التي تأججت فى قلب المحبوبة عندما رأت الشمس بقرصها الذهبي تغيب فى عناق مهيب مع البحر وقت الغروب فيلتحمان رويدًا رويدًا حتى تختفي فى أحضان حبيبها الأزلي .. هذه الرواية تهديها الكاتبة فى أول صفحاتها إلى: ” إلى من كتبت من وحى وجوده إلى البحر ” رواية تستحق القراءة والإعجاب وترتقي إلى مرتبة عالية فى سياق السرد العربي المعاصر .. صادق التهنئة أزفها مقرونة بالإعجاب للكاتبة الروائية الدكتورة/ نُهى بلال التي تخطو بثبات على طريق المجد الأدبي .. أكتوبر 2019 م محمد أحمد برمو_ عضو اتحاد كتاب

 

احمد فتحي رزق

المشرف العام

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى