قال تعالى :ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ . صدق الله العظيم
تتفق جميع المذاهب الإسلامية على تحريم من يدعي النسب للنبي (ص) كذبا , وكذلك من انتسب لغير أبيه , والشرع يجوز للأفراد أو الجماعة التعايش مع قبيلة أخرى بشرط التمسك بالنسب الأصلي صعودا للقبيلة الأم .
وإلا بشكل عام من انتمى لغير أبيه ملعون حسب الحديث الشريف .
إن الإمام علي الهادي (ع) وضع لنا حجة واضحة لمن يدعون النسب لأولاد السيدة فاطمة (ع) من ذرية الحسن والحسين (عليهم السلام ), ففي عهد المتوكل العباسي ظهرت امرأة تدّعي أنها زينب بنت فاطمة بنت رسول الله(ص)
فقال المتوكّل: أنت امرأة شابة وقد مضى من وقت رسول الله(ص) ما مضى من السنين،
فقالت: إنّ رسول الله (ص) مسح عليّ وسأل الله أن يردّ عليّ شبابي في كل أربعين سنة، ولم أظهر للناس إلى هذه الغاية فلحقتني الحاجة فصرت إليهم.
فدعا المتوكل مشايخ آل أبي طالب وولد العباس وقريش وعرّفهم حالها فروى جماعة وفاة زينب في سنة كذا،
فقال لها: ما تقولين في هذه الرواية؟ فقالت: كذب وزور، فإنّ أمري كان مستوراً عن الناس، فلم يعرف لي حياة ولا موت،
فقال لهم المتوكل: هل عندكم حجّة على هذه المرأة غير هذه الرواية؟
فقالوا: لا، فقال: هو بريء من العبّاس إن لا أنزلها عمّا ادّعت إلاّ بحجة.
قالوا: فأحضر ابن الرضا(ع) فلعلّ عنده شيئاً من الحجة غيرما عندنا.
فبعث إليه فحضر فأخبره بخبر المرأة
فقال: كذبت فإنّ زينب توفيت في سنة كذا في شهر كذا في يوم كذا،
قال: فإنّ هؤلاء قد رووا مثل هذه وقد حلفت أن لا أنزلها إلاّ بحجّة تلزمها.
قال: ولا عليك فههنا حجّة تلزمها وتلزم غيرها،
قال: وماهي؟
قال: لحوم بني فاطمة محرّمة على السباع فأنزلها إلى السباع فإن كانت من ولد فاطمة فلا تضرّها،
فقال لها: ما تقولين؟
قالت: إنّه يريد قتلي،
قال: فههنا جماعة ولد الحسن والحسين(عليهم السلام) فأنزل من شئت منهم،
قال: فوالله لقد تغيّرت وجوه الجميع،
فقال بعض المبغضين: هو يحيل على غيره لم لا يكون هو؟
فمال المتوكل إلى ذلك رجاء أن يذهب من غير أن يكون له في أمره صنع
فقال: يا أبا الحسن لم لا تكون أنت ذلك؟
قال: ذاك إليك قال: فافعل،
قال: أفعل.
فاُتي بسلّم وفتح عن السباع وكانت ستة من الأسد فنزل أبو الحسن إليها فلما دخل وجلس صارت الاُسود إليه فرمت بأنفسها بين يديه، ومدّت بأيديها، ووضعت رؤوسها بين يديه فجعل يمسح على رأس كل واحد منها، ثم يشير إليه بيده إلى الاعتزال فتعتزل ناحية حتى اعتزلت كلّها وأقامت بازائه.
فقال له الوزير: ماهذا صواباً فبادر بإخراجه من هناك، قبل أن ينتشر خبره
فقال له: يا أبا الحسن ما أردنا بك سوءاً وإنّما أردنا أن نكون على يقين ممّا قلت فاُحبّ أن تصعد، فقام وصار إلى السلّم وهي حوله تتمسّح بثيابه.
فلمّا وضع رجله على أوّل درجة التفت إليها وأشار بيده أن ترجع، فرجعت وصعد فقال: كلّ من زعم أنّه من ولد فاطمة فليجلس في ذلك المجلس،
فقال لها المتوكّل: انزلي،
قالت: الله الله ادّعيتُ الباطل، وأنا بنت فلان حملني الضرّ على ما قلت،
قال المتوكلّ: ألقوها إلى السباع، فاستوهبتها والدته.
أما ما ظهر في الآونة الأخيرة من أدعاء السيادة والنسب الشريف المبني على الظن والتخمين , لا سيما ممن يعرفون سابقا من عشائر عربية أخرى ولا يمتلكون مستندات قديمة وشواهد واضحة على أدعائهم الذي لا يعتبر حجة شرعاً ,
وهذا ما تطرق له المرجع الأعلى الكبير السيد علي الحسيني السيستاني في فتواه
حيث قال: لا حجية لقول الباحثين في الأنساب الذين يعولون على الحدس والتظني في تنظيم شجراتها .
وهنا يبين سماحته بأن من يدعي النسب الشريف لابد له من أدلة قطعية مع الشهرة جيل بعد جيل لتعتبر حجة شرعية لهذا الادعاء .
والمذاهب الاسلامية استنبطت من الشرع المقدس عدم الترخيص في أن ينتسب المرء إلى غير من ينتسب إليه , والادعاء الباطل له أثار وخيمة في الدارين فيعتبر خطيئة
وكما ورد في الفتوى لم يبارك الله له في انتسابه ولم يسعد به في دنياه وكان وبالاً عليه يوم القيامة .
وتسري العواقب كذلك على عوام العشائر العربية ممن انتسبوا حديثا لغير أبائهم وقبائلهم بدون حجة قاطعة ولمجرد الأقوال بأنهم من فلان عشيرة وهم يشتهرون باسم عشيرة غيرها ,
فالمسألة تحتاج إلى التروي والتقيد بالمصادر والمستندات مع الاستفاضة والشهرة لدى الأجيال القديمة واعترافات رؤساء العشائر الماضين بذلك الانتساب .
أما الدعوة الباطلة من أجل جاه أو شهرة أو تفرد أو معيشة أو قوة أو تعايش سكن وما شابه من مسائل تناسب الجيل الحديث ممن صاهر عشيرة وسكن بجوارها أو فيها ويريد كل عشيرته أن يكونوا معه ,
فهذا لا يعتبر دليلا ولا حجة , بل زيادة خلاف واضطراب في النسب نتيجته كثرة الفتن والمهاترات والمشاحنات التي تؤدي إلى قطع صلة الأرحام.
وما لمن شبه الآمر على نفسه وأقربائه بغير حجة قاطعة إلا أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى ويتورع ليقدر المولى عزوجل له تورعه يوم القيامة ,
وليعمل بما جاء في فتوى السيد علي الحسيني
حيث قال: ومن كان قد أخطأ من قبل وظن صحة عمله ثم رجع إلى الحق فلا غضاضة عليه في خطئه ولكن عليه إذا كان قد أقنع به اخرين أن يرشد من اتبعه وليوثق ذلك حتى ترتفع الشبهة عنه , ومن ثبت على موقفه الخاطئ وأصر عليه صار خطؤه خطيئة وحمل وزره ووزر من تبعه .