قال صلي الله عليه وسلم ((تجدون الناس مَعادِنَ، خيارُهم في الجاهليَّة خِيارُهم في الإسلام إذا فَقُهُوا، وتجدون خيرَ النَّاسِ في هذا الشأن أشَدَّهُم له كراهية، حتى يقع فيه، وتجدون شرَّ الناس ذَا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجْه وهؤلاء بوجْه)).
نجد في هذا الحديث، أن الصادق مع الله أقرب من ذي الوجهين، حيث أن ذو الوجهين يدرك ما الذي يرضي الطرف الآخر فيأتي هذا بوجه، وهذا بوجه، بمعني “منافق”، مما يجعل ذلك يضفي عليه صفة الإنسان الملون، الذ يرضي جميع الناس، ويوافقهم علي إنحرافهم وخطئهم، ومعصيتهم، لغرض الإفساد أو الإنتفاع الشخصي.
وهذه الصفة “النفاق” من كبائر الذنوب التي ورد فيها الذم والوعيد لما تشتمل عليه من الكذب والخداع وهي من صفات النفاق وقد ورد في سنن أبي داود: (من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار). وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (إن ذا اللسانين في الدنيا له لسانان من نار يوم القيامة)، رواه ابن أبي شيبة، والمؤمن له وجه واحد ولسان واحد في الدنيا والآخرة.
لذلك نجد أن “ذو الوجهين” منافق ذكي، ليس له خصم أبداً، أينما جلس ينغم، ويعزف على وتر يرضي من حوله، يظن نفسه ذكياً، وهو عندئذ سقط من عين الله، لأنه كان منافقاً، ليس له لون ثابت، أو مبدأ ثابت.
وذو الوجهين من أهل الخيانة لا يولى ولاية ولا يؤتمن في مسؤولية، لأنه لا يقيم العدل والأمانة مع الآخرين، ولذلك ورد في الأدب المفرد للبخاري قوله صلى الله عليه وسلم: (لاينبغي لذي الوجهين أن يكون أمينا).
أما من أخفي عيوب طرفين متخاصمين وتودد لهم لقصد الإصلاح بينهما فستر القبيح في كل طرف وأظهر الخصال الحسنة فيهما ونقل كلاما طيبا ومشاعر حسنة ليؤلف بينهما، فهذا من الإصلاح ومن الأعمال الجليلة، وقد ورد فيه ثواب عظيم، وليس هذا من التلون المذموم، ولذلك فإن الشارع رخص في الكذب لأجل الإصلاح بين الناس كما ثبت في الصحيحين: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيرا وينمي خيرا).
ويتضح من ذلك إن ذا الوجهين له ضرر عظيم على المجتمع ويفسد كثيرا بين الناس خصوصا بين الراعي والرعية وبين القبائل المتنافرة وبين أهل الخصومات والمشاحنات عن طريق المدح الكاذب والتملق الفاجر والنميمة الفتاكة وتأجيج الفتن وقد جر ذلك ويلات على المجتمع ووقعت محن ومصائب عظيمة.
أما صاحب المبدأ الثابت فله خصوم، هناك من يكرهه، وهناك من يقدح فيه، وهناك من يعاديه، وهناك من يحاربه، لكن الشخص صاحب المبدأ الثابت لو حاربه خصومه هذا وسام شرف، لأن أجمل شيء بالإيمان وضوح الهوية، بمدحه بوجهه، وبمدحه بغيابه، أو بذمه بغيابه، وبذمه بوجهه.
وقد وجدت هذه الصفة الذميمة في واقعنا وفي وظائفنا وأسواقنا وصحافتنا وقنواتنا وكثر التلون والكذب في المواقف والأحاديث، وهذا سببه ضعف التدين وقلة الورع والفتنة بزينة الدنيا والغفلة عن الآخرة وقلة إحترام حقوق المسلمين، ولذلك تجد الموظف يعتدي على حق أخيه لأجل علاوة أو منصب أو انتداب، وتجده يظلم أخاه الموظف ليقف في صف المسؤول ليتقاسم معه مصلحة معينة، أو يحصل على ترقية، وهكذا أصبح للتلون صور ونماذج في كثير من المجالات والميادين والله المستعان.