قبل البدء بالمقال ، كيف يمكننا توصيف الأزمة السورية ؟؟ وبرأيي الشخصي ، يمكن تشبيه الحرب الدموية الدائرة في سورية كشاحنة تنطلق بأقصى سرعتها ضمن زقاق ضيق يختنق بالمارة ، غير معلوم لأحد أين ستتوقف أو كم يبلغ عدد الضحايا التي ستطأهم عجلاتها الضخمة . هكذا هو واقع الأمر مع شديد الأسف .
ومايثير الغضب واليأس معا هو لجوء ذوي الضحايا أو القتلة كلا على حدا لطلب العون من واشنطن أو موسكو من أجل الأستقواء على الطرف الأخر ، في حين تعترف كلا من موسكو وواشنطن بحقيقة قدومهم إلى الأراضي السورية وبلا مواربة وبعيدا كل البعد عن تقديم يد العون للشعب السوري !!
فالروس وكما هو معلوم للجميع جاءوا للحصول على موطىء قدم في المياه الدافئة ( البحر المتوسط ) من أجل الحفاظ على مصالحهم الأقتصادية وتثبيت وجودهم في سوق النفط الأكبر عالميا وللأستثمار في سوق أنابيب النفط ، وذلك عقب أستعادة اللاعب الروسي عافيته في ظل تراخي السياسة الأمريكية في عهد رئيسها السابق باراك أوباما .
والسبب الأخر وكما قال الرئيس الروسي إن الحرب في سوريا كانت أفضل تدريب للقوات الروسية ، الأمر الذي تناولته صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير جاء فيه إن روسيا حولت الصراع السوري إلى عرض عسكري وميدان تجارب لأسلحتها ، و تتفاخر روسيا دائمًا على لسان مسؤوليها بتجريب أسلحتها في سوريا لأول مرة ،
وكما تحدث يوري بوريزوف نائب وزير الدفاع الروسي عام 2017 ، عن تجريب أكثر من 600 سلاح ومعدة عسكرية جديدة .
أما وبالنسبة للطرف الأمريكي ، تنخرط الولايات المتحدة تحت حكم الرئيس دونالد ترامب في الحرب السورية أكثر فأكثر ، في أختلاف جوهري وأساسي مع سياسة واشنطن أيام رئاسة باراك أوباما والتي اتسمت بالتردد ، وعدم القدرة على المبادرة وعدم مخالفة مواقف الحلفاء الخليجيين والأوروبين في السعي لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد .
وضمن ذات السياق ، تختلف نظرة الأمريكي والروسي حول نقطة إنهاء الحرب السورية ؟؟
فالروس يسعون بكل طاقاتهم لأنهاء تلك الحرب التي أستنزقت قواهم الأقتصادية والعسكرية وذلك بعد أن حققت تلك الحرب أهدافها المستقبلة بالنسبة لساسة الكرملين ؟؟
فالتواجد الروسي ضمن الأراضي السورية قد أصبح أحتلالا رسميا لا مناص منه والقواعد الروسية المنتشرة ضمن الرقعة الروسية ترفع العلم الروسي وتحظى بحراسة مشددة كتلك القواعد العسكرية داخل الأراضي الروسية ، كما أن الحلبة السورية قد حان وقت قطاف ثمارها من خلال قيام الروس بتجربة كافة أنواع الأسلحة وأثبات فعالبتها ممادفع دول العالم إلى توقيع صفقات سلاح ضخمة مع موسكو جلبت مليارات الدولارات وجعلت معامل السلاح الروسي منهمكة ولعدة سنوات لتلبية أحتياجات زبائنها الجدد .
أما وللحديث عن رغبة واشنطن من عدمها بأنهاء الحرب السورية فالأمور هناك شديدة الوضوح ، فواشنطن وعلى عكس موسكو لايشكل إنهاء الحرب السورية هاجسا مزعجا لديها بل الأولوية الأن بالنسبة للبيت الأبيض هو تأجيج الصراع السوري وتعطيل سبل الحوار وكلا الأمرين يطيل من عمر الأزمة السورية ؟؟
وكما لموسكو أهدافها الملحة بأنهاء تلك الحرب فلواشنطن أيضا أستراتيجياتها العميقة بضرورة أطالة أمد الصراع حتى تتحقق غايات واشنطن !!
فأستمرار الحرب السورية يعني ديمومة أستهلاك القوة الروسية والتي بدأت تترنح على المستويان الأقتصادي والعسكري ، والسبب الأخر و الذي لايقل أهمية عن السبب الأول هو أستمرارية أستنزاف أموال دول الخليج من أجل بناء مظلة حماية أمريكية تبقي تلك الدول بمأمن من الأطماع الروسية والإيرانية في المنطقة ، والامر ذاته ينطبق على ملف اليمن والذي تبارك واشنطن تفاصيل أستمراريته إلى أجل غير مسمى ؟؟ فالشيطان يحمل الجنسية الأمريكية وتتلمذ في أحدى جامعاتها !!
والمراد فهمه مما سبق ، بأن الروسي والأمريكي لايكنون بالمودة للشعوب العربية وإنما مصالحهم هي التي جاءت بهم للمنطقة ، ولعل البعض منكم الأن سيهزأ بما توصلنا إليه فحقيقة اولئك القتلة ( الروس والأمريكان ) معروفة للجميع وليست بحاجة للتوضيح ، وهنا يلد السؤال من رحم الواقع العربي المأساوي .
مادامت الشعوب العربية تدرك حقيقة الدول الكبرى التي تقودها أهواءها النفعية دون الأستدارة إلى أرتفاع فاتورة الضحايا الأبرياء في سبيل الوصول إلى تلك الأهداف الدنيئة ، فلما تمنح تلك الشعوب المستهدفة قادتها وحكوماتها صكوك البراءة بالتعامل والأنبطاح والتملق والتوسل لتلك الدول المارقة ؟؟
ومما سبق أيضا يمكننا أستنتاج حقيقة بالغة الأهمية ، فلايمكن لأحد تحديد ساعة توقف الحرب السورية مادامت مصالح واشنطن بالتحديد لم تتحقق بعد !!
وهنا دعونا نطرح بعض الأسئلة لتبسيط المعنى … – فمن كان يؤيد فكرة فوز الأسد بالحرب السورية وخاصة عقب أنتصاره الكاسح في الغوطة الشرقية مؤخرا ، فماذا عن أنتصار اللاعب التركي في عفرين ؟؟
– ومن كان من أتباع القيصر الروسي المتعجرف ويعدون العدة للبدء بأحتفالات النصر داخل القواعد العسكرية الروسية داخل الأراضي السورية ، فماذا عن قيام واشنطن ببناء مايفوق على عشرة قواعد عسكرية ضمن الحدود السورية المشرعة الأبواب ؟؟
– وأما من كان ينتظر ولادة حل سحري من غرفة عمليات جنيف ومايشايهها ، فيؤسفني أخباره بأن رياح التفاؤل قد تبددت كليا أو تكاد ، بل ينبغي علينا توجبه جملة أتهامات بالعمالة والتواطؤ مع أعداد الشعب السوري لكل من يشارك بتلك المؤتمرات المسيية والعديمة النفع .
وبالعودة إلى أرض الجحيم وحلبة الصراعات بالوكالة وسوق السلاح الأضخم على مستوى العالم ، بالعودة إلى سورية .
ولنبدأ من عفرين .. حيث أعلن الرئيس التركي ، رجب طيب أردوغان ، أن قواته قد سيطرت على مدينة عفرين ورفعت العلم التركي ؟؟
وهنا يجب وضع ملايين أشارات الأستفهام حول قيام أفراد الجيش السوري الحر برفع العلم التركي فوق الأراضي السورية بدلا من علم الثورة ؟؟؟
وهل ( أردوغان ) جاء ليستعمر أو يقدم يد العون ؟؟
وقال أردوغان، الأحد، إن وسط مدينة عفرين بات “تحت السيطرة تماما”، وإن الأعلام التركية رفعت في المدينة الواقعة في شمال سوريا .
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض، ومقره بريطانيا، إن “القوات التركية وحلفاءها سيطروا عن عدة مناطق في عفرين”.
وقال متحدث باسم الجيش السوري الحر المعارض الذي يقاتل إلى جانب القوات التركية إن “الأكراد انسحبوا من مدينة عفرين، بينما دخل الجيش السوري الحر إلى المدينة من الجهتين الشرقية والغربية” .
كما فر عشرات الألاف من عفرين خلال الايام القليلة الماضية ، وقتل عدد من المدنيين جراء القصف التركي والغارات الجوية على عفرين أثناء محاولتهم الفرار من المدينة .
وهنا يجب توضيح مايلي ، وهو ضرورة تصحيح اللغط المعيب حول تسمية الجيش السوري الحر حيث أصبح الأسم الأن جبش السلطان أردوغان ، حيث أستبدل بعض الأفراد والقادة ضمن ماكان يسمى بالسابق بالجيش السوري الحر عن قتال الأسد بقتال معارضي السلطان العثماني ،
كما تنازل أولئك السوريين وللأسف عن حمل شعلة الحرية والعدالة (والتي دفع المواطنين السوريين الأثمان الغالية لأشعالها لتضيء عتم الواقع السوري ) وأستعاضوا عنها بشعلة الأستعمار وأستعباد الشعوب الخاصة بالدولة العثمانية لقاء رواتب شهرية ومناصب مؤقتة .
الغوطة الشرقية : ذكرت وكالة إنترفاكس للأنباء ، نقلا عن مركز المصالحة في سوريا الذي تديره وزارة الدفاع الروسية ، أن أكثر من 20 ألف شخص غادروا الغوطة الشرقية عبر مدينة حمورية منذ بداية الأحد .
وقال المركز إن أكثر من 68 ألف شخص غادروا الغوطة منذ إقامة ممرات إنسانية في المنطقة المحاصرة ،
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة “فرانس برس”: “تمكنت قوات النظام من السيطرة على بلدتي سقبا و كفربطنا إثر معارك مع فصيل فيلق الرحمن” ، الذي يسيطر على الجيب الجنوبي للغوطة الشرقية ، ولم يعد موجوداً سوى في بضع بلدات فقط .
وكثيرة هي الشواهد التي تفضي إلى حقيقة عجز المجتمع الدولي بأرساء العدالة على سطح هذا الكوكب الدموي ، والغوطة الشرقية خير شاهد حي !!
فبينما كانت فوات الأسد وحلفائه تقصف سكان الغوطة وتحاصرهم وتزج بهم في بوتقة محرقة نازية لم نشاهد تحرك دولي حقيقي لوقف هذه المجازر ، ليظهر لنا عجز المنظمات الدولية واكتفاء الدول الكبرى بالتصاريح الهلامية .
وفي الجانب الأخر ، كانت روسيا تؤمن غطاء للنظام السوري لاستكمال جرائمه ، بإسقاطها مقترحاً أممياً لـ”هدنة إنسانية” لمدة شهر في سورية ، ومحاولة إبعاد المسؤولية عنها ، فيما لم يكتف النظام بالاستمرار بالقصف الممنهج على المدنيين والمراكز الحيوية والطبية في الغوطة ، بل حاول الإيحاء بأنه الضحية، موجّهاً رسالة للأمم المتحدة طالب فيها بإدانة القصف على دمشق .
عزيزي المواطن السوري ، أن مايجري الأن في عفرين والغوطة من قتل وتشريد وحصار يتم تحت أنظار المجتمع الدولي الذي يصطنع عدم الرؤية أو عدم المقدرة على التحرك ، كما تجري تلك الفظائع المرعبة تحت وصاية واشنطن والتي زعمت بتدخلها المنفرد في حال عدم تطبيق الهدنة داخل الغوطة الشرقية والمتفق عليها في مجلس الأمن من قبل الأعضاء ؟؟
وهاهي الغوطة تفنى عن بكرة أبيها وواشنطن تقف ساكنة !!
وهنا نعود لبداية المقال لنتبين بأن واشنطن لاتسعى لاغلاق الملف السوري بل وتحارب من أجل أستمرار ديمومته .
وللتذكير ، فقد حذرت المندوبة الأمريكية فى مجلس الأمن ، نيكى هايلى ، من تقاعس مجلس الأمن عن التحرك بشأن سوريا مؤكدة أن بلادها ستتدخل فى سوريا حال التقاعس.
وأضافت أن الولايات المتحدة ، مازالت مستعدة للتحرك إذا تطلب الأمر ، مثلما فعلت العام الماضى عندما أطلقت صواريخ على قاعدة جوية لنظام الأسد بسبب هجوم بالأسلحة الكيماوية أسفر عن سقوط قتلى .
ويستمر الموت في أرجاء الدول العربية تحت مظلة الدول الكبرى في حين يمارس قادة هذه الأمة المستهدفة أقبح صور العار والتذلل لموظفي تلك الدول قبل رؤسائها ، فمن باع كرامته لاتنتظر شهامته !!