تسير المجتمعات العالمية في أغلب الأحيان ضمن خط مستقيم تتكرر فيه الأحداث التاريخية وأن تغيرت الوقائع والأسباب ، وإنما يبقى الهدف واحد وهو “السيطرة وحب السلطة ” ، ومنذ بدء تشكل تلك المجتمعات الكبرى والمؤثرة على الصعيد العالمي كان الأقتصاد هو عامود سياساتها ونبض تحركاتها وبوصلة توجهاتها ، وكما يقول ماركس ” القوي أقتصاديا هو القوي سياسيا ” .
وبمعنى أبسط ، يعد الأقتصاد هو المثير الكيمائي لمعظم الحروب والنزاعات البشرية مهما حملت تلك الحروب والنزاعات من شعارات أنسانية مؤثرة .
وبطبيعة الحال ، تتوارى خلف شعارات الحروب مثل ” الحرب من أجل السلام ” جملة مصالح تكون هي المسيب الرئيس لأشعال تلك الحروب ، والأمثلة عن ذلك لاتعد ولاتحصى .
ونذكر جميعا شعار الولايات المتحدة (الرنان ) فيما يتعلق بالأزمة السورية بينما أتضحت في الأيام القليلة الماضية نية واشنطن البقاء في سوريا من أجل مصالحها الأقتصادية عبر السيطرة على أبار النفط !!
حيث أعلنت الولايات المتحدة بتاريخ 18 نوفيمبر 2017 نيتها “الكفاح من أجل العدالة” في سوريا بمفردها، إذا فشل مجلس الأمن الدولي في التوصل إلى موقف مشترك تجاه المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا .
في حين ، قال هيربيرت ماكماستر، مستشار الأمن القومي الأمريكي، في خطاب له في مؤتمر ميونيخ للأمن بألمانيا ، إن الصور التي تأتي من سوريا تبيّن بوضوح “أن استخدام الأسد للأسلحة الكيمياوية مستمر ؟؟ وعلى مايبدو بأن مستشار الأمن القومي الأمريكي لم يتطلع على مسودة ” الكفاح لأجل العدالة ” وخفاياها !!
ولعل بعض القراء العرب المسحورين بعظمة الدول الكبرى وتفانيها بأرساء دعائم الحق والعدالة في أرجاء المعمورة ، لم يسمعوا بحرب الأفيون !!
فبريطانيا ، هي أوّل دولة في التاريخ ، على الأقل الحديث منه ، تخوض حربا من أجل السيطرة على تجارة المخدّرات .
فالإمبراطورية البريطانية التي أعلنت الحرب ضد الصين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وتعرف في الحوليات التاريخية باسم «حرب الأفيون»، بغية الإستحواذ على تجارة هذه البضاعة التي كانت تدر ثروات طائلة .
نحن وقبل الخوض في غمار المقال لانكيل بالمدح لدولة الأحتلال بأستخدام القوة والحيلة من أجل سرقة الغاز العربي ، ولكننا بالمقابل نوجه الأنتقاد للدول العربية التي تنازلت عن حقها الشرعي بتلك الموارد الطبيعية ، بل والأسوء من ذلك هو قيام تلك الدول ” صاحبة الحق ” بشراء الغاز من ” لصوصه ” !!
كما أننا سنسلط الضوء على حقيقة المهرج التركي ” اردوغان ” ، على أمل أن نزيل الغشاوة عن عيون بعض العرب .
لقد تدرجت حلقات تنازل الشعوب العربية عن حقوقها حتى وصلت درجة تثير الأشمئزاز والرعب ، وعلى مايبدو بأن لغة الأستجداء والتوسل العربي للدول الغربية باتت الأكثر حضورا ضمن لقاءات قادة هذه الأمة مع مبعوثي وسفراء تلك الدول التي تمارس أقصى درجات التناقض بين شعاراتها وممارساتها في مجال حقوق الأنسان العربي .
ولكي لايتحول النقاش إلى نقاش أكاديمي وفلسفي ، فلنسقط كل ماسبق في أحضان الأحداث العربية في الفترة الأخيرة .
الغاز العربي ، ليس من حق للعرب ؟؟
الحق قيمة كبرى ، ولايتنازل عن حقه سوى معدوم المروءة .
فالشعوب العربية تنازلوا عن كافة حقوقهم لولاة الأمر ، وولاة الأمر بدورهم تنازلوا عن شعوبهم وأراضيهم لمن يطلق أيديهم الدموية في أزقة الدول العربية المكتظة بالفقراء العرب !!
واليوم يدور الحديث عن الغاز العربي المسروق والمباع للعرب بالوقت ذاته !!
“إنه يوم عيد”، هكذا وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتفاقية تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر بقيمة 15 مليار دولار، والذي ستتحول فيه القاهرة لاستيراد الغاز من تل أبيب -بعد أن كانت تصدره لها حتى عام 2011- بأسعار تبلغ نحو سبعة أضعاف ما كنت تصدره به !!
وقالت وسائل إعلام عبريّة إنّ وفدًا من مجموعة “تمار” لحقول الغاز، غادر مطار القاهرة عائدًا بطائرة خاصة إلى تل أبيب بعد زيارة قصيرة لمصر استغرقت عدة ساعات بحث خلالها تصدير الغاز إلى شركة “دولفينز” المصرية .
والجانب الآخر من الاتفاق أن تزويد مصر بالغاز سيتم من حقلي “لوثيان” و”تمار”، وإضافة لاتهام إسرائيل بسرقة الغاز الفلسطيني ، فإن الحقل الأخير بالذات متنازع عليه مع لبنان ، حيث تقول بيروت إن جزءا مهما منه يقع داخل المياه الإقليمية اللبنانية ، وهو ما يجعل القاهرة تستورد غازا تسرقه إسرائيل .
وكان الأردن وقع اتفاقا مماثلا مع (إسرائيل) ، وحاولت الحكومة الأردنية القول إن الاتفاقية تمت بين شركات أردنية وأخرى أميركية تستخرج الغاز الإسرائيلي .
وبينما يعتبر حقل “لفيتان ” هو أحد أكبر حقول الغاز الطبيعي في البحر المتوسط ، حيث يقدر احتياطي الغاز فيه بين 16 و22 تريليون قدم مربع ، ورغم أنه أقرب إليها تسلم مصر به (لإسرائيل ) التي تسيطر عليه !!
ف(إسرائيل ) التي ظلت منذ نشأتها تعاني من نقص الموارد الطبيعية أصبحت تمتلك كميات هائلة من الغاز الطبيعي لا تعرف كيف تستخدمها لأنه، وفقًا لأقل التقديرات، يكفي احتياجاتها المحلية لمدة 40 عامًا، وفقًا مجلة “إيكونوميست” البريطانيّة .
وضمن ذات السياق ، تحيط شكوك بخريطة المسح الجيولوجي الأميركي التي تذهب إلى وجود مغالطات في موقع حقل غاز لفيتان تجعله أبعد عن مصر ، وكذلك حقل غاز تمار ليظهر أبعد عن لبنان من الواقع !!
ومن ديوان سلطان المسلمين اردوغان ، تشرع (إسرائيل ) عملياً في تثبيت مكانتها في سوق الغاز والنفط ، ولعل إتفاقها مع تركيا حول إنشاء خط أنابيب لنقل النفط والغاز إلى أوروبا يصب في هذا السياق !! ومن خلال تلك الأتفاقية _ الصهيوعثمانية _ والتي تسهل لدولة الأحتلال بيع النفط والغاز العربي ” المسروق ” ننتظر فتوى ديوان أمير المؤمنين ” أردوغان ” حول تحليل السرقة وتسهيلها ؟؟
كيف لشعار غصن الزيتون أن يتحول من شعار للسلام إلى شعار للأحتلال ؟؟
لقد تبددت الأمال الهشة الملقاة على عاتق سلطان المسلمين “أردوغان ” بأنصاف المسلمين إينما وجدوا ، كما خسر المهرج العثماني فرصة نادرة بحشد المسلمين من حوله
عقب أدائه دوره المسرحي بعناية ،
حيث أحتشد الآلاف في اسطنبول والملايين خلف شاشات التلفاز لمباركة رئيس الوزراء التركي بعد انسحابه من منتدى دافوس إثر مشادة حادة مع الرئيس (الإسرائيلي) على خلفية أحداث غزة .
وكما أصيب بخيبة أمل الكثيرون من أتباع جيش المدافعين عن السلطان رجب “غير ” الطيب اردوغان جراء مواقفه الأخيرة من الثورة السورية وقيامه بتطويع قدرات الجيش السوري الحر (الذي بات يسمى جيش السلطان أردوغان ) بشكل يتوافق مع مصالحه بعيدا عن أهداف تلك الثورة المجيدة ، بالأضافة إلى سماح سلطان المسلمين بمرور أنابيب الغاز العربي المسروق من قبل ( أسرائيل ) عبر الأراضي التركية !!
فهل سعت أنقرة منذ بدء الأحداث السورية للدخول بقوة ضمن اللعبة السورية من أجل المنافسة على الثروات الطبيعية والممرات الأستراتيحية ، كما سعت لذلك كافة القوى المشاركة بحمام الدم السوري ؟؟
وأن كان الأسد يقوم بقصف الأبرياء بوحشية ليدفعهم للنزوح خارج مدنهم ، يشارك أردوغان بسلب اولئك النازحين الهاربين من الموت حقوقهم عبر حذف هويتهم وأستعبادهم ؟؟
حيث كشف وزير الداخلية التركي سليمان سويلو عن تعيين محافظين ومسؤولي أمن في 3 مدن شمالي سوريا سيطرت عليها تركيا خلال عملية “درع الفرات” عام 2017 ، بحسبما أفادت صحيفة “زمان” التركية .
وفي كلمته خلال مؤتمر حزب العدالة والتنمية بشأن عملية “غصن الزيتون”، ذكر سويلو أن تركيا عينت ولاة ومدراء أمن وقيادات درك في كل من إعزاز وجرابلس ومارع !!
وهنا تتكشف لنا نوابا أردوغان الشيطانية بأعادة أمجاد السلطنة العثمانية المدحورة !!
عزيزي القارىء ، يمكننا وصف واقعنا اليوم بأننا نعيش زمن الجهل والتيه الأعظم ، فجميع المؤشرات تدل على أن المنطقة العربية أستسلمت لمصيرها المأساوي ، وأستعاضت عن النهوض بواقعها المرير إلى الأنحناء في حضرة الدول الكبرى ، وواقع الأمر بأن المنخفض التاريخي “المصحوب بعواصف الذل والعار ” الذي نعاصره غير ماض للأنحسار !!
وأن ترك الأمر للشعوب العربية بتصحيح أعوجاج هذه الأمة فالأسوء قادم لامحالة ؟؟ ولكننا ننتظر معجزة ألهية توقظ تلك الشعوب النائمة خلف ركام الفوضى والأضمحلال ، والله لا يعجزه أمر .