بقلم الكاتب : محمد فخري جلبي
ضاعت بغداد ودمشق وصنعاء كما ضاعت بالأمس الأندلس ، وعلى أنغام سمفونية الضعف العربي توضب القدس حقائبها لتغادر هي أيضا المنصة العربية !!
القدس تغادر حزينة منكسرة يملأها الغضب والنكران لشعوب عربية مسلمة كانت يوما ما قبلتهم في الصلاة ومسرى نبيهم الأمين .
نعم أنتهى زمان أرتداء القدس العباءة العربية ونحن نشاهد تعريها من عروبتها لحظة بلحظة ، ولاداعي لأنتفاخ (وريد) كرامتك وأحمرار (وجنتي) عروبتك وبأن تهاجمني بدل مهاجمة نظامك العربي المتخاذل ، وتظل حبيس غرفتك الضيقة وتدعي بأنك بذلت كل طاقاتك للحيلولة دون رحيل القدس في عربات خصصت الصهاينة ضمن قطار التطبيع العربي ؟؟
وعلى مايبدو بأنك كالجميع لم ترمي ذاك القطار ولو بحجر صغير ، لن يغير مساره بل من المؤكد بأن حجارتك لن تصيب السائق والركاب بالفزع ، ولكن على الأقل سوف تشعر بأنك على قيد الحياة ؟؟
فلاحياة لمن تغتصب حقوقه وتباع بالمزادات مقدساته وهو يشاهد !!
أجتماعات ناقضة للوضوء تحاصرها من كل جانب القاذورات أدت إلى قرارات غير ملزمة ومقززة ، وفي حين تفرك الشعوب العربية أكفها لما هو قادم يقوم الصهاينة ببناء كنيس جديد تحت المسجد الأقصى !!
فاليهود يدركون تماما بأن السماء لن تسقط على أيدي العرب وبأن واشنطن حليفتهم التاريخية بأمكانها أركاع العالم متى تشاء !!
ليست نظرة ظلامية للأحداث ولكن للأسف هذا هو الواقع بأمه وأبيه ، فلم يعد بالأمكان بأي حال من الأحول أخفاء رائحة الضعف العربي عن أنوف أعداء هذه الأمة النائمة !!
وعلينا أن نفتح قوسا هنا لنشير إلى أن الكرة الأرضية تسير وفق (شريعة الغاب) فالقوي لايرحم الضعيف ومن يملك حق الفيتو من حقه أن يستبيح دول العالم بشعوبها ومقدساته وعلى مرأى من الجميع ؟؟
ومادمنا نحن شعوب العالم أرتضينا تلك الحالة الفظيعة التي تدفعنا إلى حظائر العبودية وبقوة ، فلما الأستغراب والدهشة ، فالعبد غير مسموح له بالنظر مباشرة في وجه سيده فكيف له أن يعارض أوامره !!
وضمن ذات السياق ، وبينما الشعوب العربية غائبة عن المشهد تلتحف ذريعة الجري خلف رغيف الخبز ، يتصدر واقعنا العربي حفنة من القادة والأكاديميبن ليجاهروا بالدعوة للتطبيع مع الكيان الصهيوني منتعلين تبريرات صهيوأمريكية !!
تارة لمواجهة إيران وتارة أخرى بأستحالة مواجهة القوى الكبرى وتطلعاتها الخبيثة !! شريعة الغاب ؟؟
195 دولة يستسلمون إلى خمس دول تمتلك حق النقض ( الفيتو ) !!
حيث يعد مجلس الأمن المنبثق عن هيئة الأمم المتحدة هو الجهة الوحيدة التي بإمكانها اصدار قرارات ملزمة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة كما يمكنه اصدار قرارات بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وهي قرارات واجبة التنفيذ ، ومن الممكن أن يتم اللجوء إلى القوة في حال امتناع الجهة أو الدولة المعنية عن تنفيذ القرار .
وفي ما يلي عدد المرات التي لجأ فيها الاعضاء الدائمون إلى استخدام حق الفيتو منذ إنشاء الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية عام 1946 حتى عام 2015 .. روسيا/ الاتحاد السوفييتي: 103 مرة الولايات المتحدة: 79 مرة بريطانيا: 29 مرة فرنسا: 16 مرة الصين: تسع مرات !!
أما الولايات المتحدة فقد استخدمت الفيتو أول مرة عام 1970 ، ولجأت واشنطن إلى الفيتو في الغالبية العظمى من الحالات لصالح اسرائيل .
وأن فهم حقيقة كيف يتم التحكم بدول العالم وأخضاعها تحت مظلة مجلس الأمن هو المفتاح لفهم كل مايجري على الصعيد العالمي !!
ومن هنا ، وعقب أعلان عراب واشنطن العجوز “ترامب” مدينة القدس عاصمة ل ( أسرائيل ) ، تم أطلاق العنان لمظاهرات حاشدة وأجتماعات متواترة دولية ومحلية أفضت جميعها إلى رفض قرار واشنطن التعسفي والذي بدوره ( القرار ) كشف عن حلقات أكثر خطورة تلعب بها دول وقوى وازنة دورا محوريا بمحاصرة الشعوب العربية ضمن حدود تواجدها .
مع التنويه هنا بأن دول العالم الغربي مارست الرفض بطرق دبلوماسية مخففة تشي عن سعادة تلك الدول بقرار ترامب ؟؟
فالدول الغربية لم تنتقل وعلى وجه السرعة إلى المربع المناهض لقرار واشنطن بل أكتفت بالرفض الكلامي ودون تجشم أي عناء يذكر .
وقد أيد 14 عضوا بمجلس الأمن الدولي مشروعا قدمته مصر يطالب بإلغاء قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ، في حين عارضته الولايات المتحدة وحدها واستخدمت حق النقض لإجهاضه .
وما تأتى عليه أستخدام واشنطن لحق النقض هو رفض عدد من دول العالم استخدام الولايات المتحدة يوم الاثنين حق النقض ( فيتو ) ضد مشروع القرار ، ومن الناحية العملية كان لواشنطن وطفلها المدلل ( أسرائيل ) ماأرادوا ، وعلى الشعوب العربية أن تبدأ بكتابة سطر جديد ضمن سجلات نكاساتها الحافل بالتواريخ والألم .
في حين ، رفضت الرئاسة الفلسطينية تصريحات مسؤول أميركي قال إن حائط البراق يجب أن يبقى بيد إسرائيل . وقال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، إن هذا الموقف الأميركي يؤكد مرة أخرى أن الإدارة الأميركية الحالية أصبحت خارج عملية السلام بشكل كامل، مشدداً على أن المواقف الأميركية هذه أصبحت مرفوضة وغير مقبولة وتشكل استفزازاً خطيراً !!
ولنطرح سؤال عفوي على مسامع الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة .. متى كانت واشنطن تسعى لأحلال السلام في الشرق الأوسط ، وتتصبب عرقا لأعادة الحقوق الفلسطينية المغتصبة ، ومتى كانت مواقف واشنطن فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية مقبولة وحيادية ؟؟
عزيزي القارىء ، المهرج لايشعر بالخجل عندما يؤدي بعض الحركات ليضحك الجمهور فهذا يعد من صميم عمله ، وكذلك السياسيين العرب يتبجحون بذات العبارات ويرفعون ذات الشعارات المخادعة على الدوام وهم يدركون بأن الشعوب قد نفضت أيديها منهم ولكنهم يؤدون أعمالهم الموكلة إليهم فقط !!
وكما ذكرنا ضمن المقال السابق بتناغم الردود العرببة مع الرؤية الأمريكية للقضية الفلسطينية فيتوجب علينا هنا التذكير بموقف المملكة العربية السعودية على أعتبارها تعبر عن ضمير الأمة العربية …
فقد صرح المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى روبيرت ساتلوف إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تجنب الحديث عن موضوع القدس مع وفد أميركي في اليوم التالي من إعلان الرئيس دونالد ترمب اعتبار المدينة عاصمة لإسرائيل .
ومن الأنصاف هنا عدم إلقاء اللوم والتهم على عاتق الأمير الشاب ، فهو ينطق بلسان القادة العرب مجتمعين ولكنه أمتلك الشجاعة اكثر منهم فقط !!
واليوم ، فمازالت المظاهرات المنددة بقرار ترامب حول مدينة القدس تكتسح شوارع بعض الدول العربية في كنف أنظمة (عربية ) أعترفت للكيان الصهيوني ب 78% من فلسطين ؟؟
فكيف لمن باع فلسطين أن يعود عن قراره الجائر وقد قبض الثمن !!
وبينما تكتفي الشعوب العربية بالتظاهر والتخاذل مما سيؤدي لاحقا إلى النسيان ، تمارس دولة الأحتلال طقوس الأحتفال بفوزها التاريخي على أيقاع التدشين والحفريات !!
حيث أفتتح الاحتلال الإسرائيلي كنيسا جديدا في رواق داخل الأنفاق المحاذية للمسجد الأقصى المبارك، وتحديدا قبالة قبة الصخرة التي يزعم اليهود أنها أقيمت مكان هيكلهم المزعوم .
ويأتي افتتاح الكنيس بعد أعمال حفريات وتدعيم للرواق استمرت نحو 12 عاما .
وتحت شعار ( أن لم تستح فأفعل ماشئت) ، يواكبه شعار (وأن كنت قويا فليذهب البقية إلى الجحيم) ، تستمر واشنطن بالبصق في وجوه قادة دول العالم كلا على حدا !!
وتعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة الخميس جلسة طارئة خاصة للتصويت على مشروع قرار عربي إسلامي بشأن القدس المحتلة -قدمته تركيا واليمن – يتضمن دعوة الولايات المتحدة للتراجع عن قرارها الخاص بالقدس، وذلك بعد أن استخدمت واشنطن حق النقض (الفيتو)، لإجهاض قرار وافق عليه جميع أعضاء المجلس الآخرين .
وذكرت “نكي هيلي ” مندوبة واشنطن الدائمة لدى الأمم المتحدة في رسالة مكتوبة بعثت لعدد من بعثات الدول الأعضاءبالمنظمة الدولية ..
وجاء في مستهل الرسالة -التي تُعد أول سابقة من نوعها في تاريخ الأمم المتحدة- أن الرئيس الأميركي سيعتبر التصويت أمرا شخصيا ضده !!
وقالت إن إعلان الرئيس دونالد ترمب “لا يؤثر على مفاوضات الوضع النهائي بأي حال، بما في ذلك حدود السيادة الإسرائيلية في القدس” .
وختمت رسالتها بتهديد مباشر مؤكدة أن “الرئيس يراقب هذا التصويت جيدا وطلب مني أن أبلغه بمن صوّت ضدنا” !!
ويجدر الأشارة هنا ، بأن مشروع القرار وأن تم الأتفاق عليه( عقب التهديدات الأمريكية) فهو لايعد ملزما لواشنطن بالتراجع عن قرلرها بمسألة القدس ؟؟ ولكن واشنطن لاتقبل أن يجتاز أحد أسوار قداستها تحت مسمى الأستعطاف والنقد ؟؟
فلترقد أمة الأعراب بسلام تحت أنقاض الخوف والهزيمة ، ولن تكون القدس باكورة الخسائر العربية والقادم أسوء ؟؟
فالشعوب العربية ارتأت التظاهر على شبكات التواصل بدل التظاهر أمام سفارات الأعداء داخل حدود الوطن المقاوم !!
كما حرصت تلك الشعوب المنهزمة داخليا على حمل شعارات الأستنكار والتنديد بدل حمل البندقية !!
وأما بالنسبة للقادة العرب ، فلعل لسان حال وزير خارجية البحرين يعبر عن بواطن مشاعرهم تجاه قضية فلسطين والقضايا العربية بشكل عام !!!
ففي أبريل/نيسان 2016 قدّم وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة عبر حسابه الرسمي على تويتر نعيا للرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز، قال فيه “ارقد بسلام أيها الرئيس شمعون بيريز، رجل حرب ورجل سلام لا يزال بعيد المنال في الشرق الأوسط” . وأنا بدوري أسأل ، من نحن ؟؟ وإلى أي الأمم ننتمي ؟؟
