بثينه سالم
لعب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، دورا حاسما في إنجاح اتفاق منظمة “أوبك” لخفض إنتاج النفط عبر الوساطة بين السعودية وإيران، العضوين في “أوبك” والقوتين المتنافستين في الشرق الأوسط.
وذكرت وكالة “رويترز” نقلا عن مصدر من داخل منظمة “أوبك” أن دور الرئيس الروسي في الوساطة بين السعودية وإيران بالغ الأهمية، إذ يبرز تنامي نفوذ موسكو في منطقة الشرق الأوسط منذ بدء العملية العسكرية الروسية في سوريا.
بدأ الأمر في سبتمبر/أيلول الماضي، عندها التقى الرئيس الروسي بولي ولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان، على هامش اجتماع قمة مجموعة العشرين في الصين.
واتفق الجانبان حينها على التعاون في سوق الطاقة العالمي لمعالجة تخمة المعروض، التي دفعت أسعار النفط للهبوط بأكثر من 60% منذ منتصف العام 2014.
بعد ذلك، توصلت الدول الأعضاء في “أوبك” بنهاية سبتمبر/ أيلول الماضي (في الجزائر) إلى اتفاق مبدئي على خفض إنتاج المنظمة من 33.5 مليون برميل يوميا إلى ما بين 32.5 – 33 مليون برميل يوميا، على أن تحدد المنظمة خلال اجتماعها في فيينا بنهاية نوفمبر/تشرين الثاني حصص التخفيض لكل عضو في المنظمة.
واتفاق “أوبك” في الجزائر لم يكن سوى البداية لعمل دبلوماسي عالي المستوى، ولا سيما أن اتفاقا مماثلا مات قبل أن يولد في الدوحة في أبريل/نيسان الماضي، بسبب الخلاف بين السعودية، أكبر منتجي “أوبك”، وإيران، ثالث أكبر منتج في المنظمة.
وذلك كون الجمهورية الإسلامية تصر على زيادة إنتاجها النفطي إلى مستواه قبل فرض العقوبات الدولية عليها، كشرط للمشاركة في أي اتفاق لخفض إنتاج النفط، بينما ترفض السعودية أي اتفاق من دون التزام طهران بخفض الإنتاج.
لذلك فإن النزاع بين الرياض وطهران، اللتين تدعمان أطراف متنازعة مختلفة في سوريا، كان العقبة الأساسية أمام اتفاق “أوبك”.
ومع اقتراب موعد اجتماع “أوبك” في العاصمة النمساوية، لم تكن هناك مؤشرات جيدة، إذ أن أسعار النفط اتجهت نحو الهبوط، والسعودية بدأت تعطي إشارات بضرورة أن تشارك إيران في اتفاق خفض الإنتاج.
لكن الرئيس الروسي بوتين أدرك أن الرياض على استعداد لتحمل الحصة الأكبر من اتفاق خفض الإنتاج، مالم ينظر إليها وكأنها تنازل لطهران، وطالما الجمهورية الإسلامية لن تتعامل مع اتفاق خفض الإنتاج وكأنه انتصار على المملكة.
ولإقناع إيران في المشاركة في الاتفاق، أجرى الرئيس الروسي عشية اجتماع “أوبك” في فيينا مكالمة هاتفية مع نظيره الإيراني، حسن روحاني. بعد هذه المكالمة توجه روحاني برفقة وزير النفط الإيراني، بيجن زنغنه للقاء الزعيم الروحي للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، وحصلا منه على موافقة لمشاركة إيران في اتفاق “أوبك”.
وقال مصدر مقرب من الزعيم الروحي للجمهورية الإيرانية: “إن خامنئي أوضح خلال اللقاء أهمية تمسك إيران بشروطها الأساسية وهي عدم الرضوخ لأية ضغوط سياسية وعدم قبول أي خفض للإنتاج في فيينا”، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز”.
وأضاف المصدر: “إلا أن زنغنه أوضح استراتيجيته وحصل على موافقة خامنئي، وتم الاتفاق أيضا على أن حشد التأييد السياسي مسألة مهمة، ولاسيما من الرئيس بوتين، ومرة أخرى وافق الزعيم على ذلك”.
من جهة أخرى، قال مصدر مقرب من وزير النفط الإيراني: “إن المكالمة الهاتفية بين روحاني وبوتين لعبت دورا كبيرا، وبعد هذه المكالمة الهاتفية أيدت روسيا خفض الإنتاج”.
وكللت هذه الجهود الدبلوماسية باتفاق “أوبك”، إذ اتفقت الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدر للنفط خلال اجتماعها في فيينا على خفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا ليصبح سقف إنتاج المنظمة عند 32.5 مليون برميل يوميا.
وينص الاتفاق على خفض السعودية إنتاجها النفطي من مستواه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بمقدار 486 ألف برميل يوميا ليصل إلى 10.058 مليون برميل يوميا. أما إيران ستزيد إنتاجها النفطي بمقدار 90 ألف برميل يوميا ليصل إلى 3.797 ملايين برميل يوميا.