المرأةمقالات واراء

الغوص فى اعماق المرأة 2 (نبؤة)

احجز مساحتك الاعلانية

بقلم إسماعيل صالح

انتبه فجأة الى السيجارة المشتعلة بين اصابعه عندما لسعته بعد ان استنفذت كل التبغ فيها دون ان يلتقط منها نفسا واحدا ..كان غائبا فى تفكير عميق .. امه لم تتصل به على مدار ثلاثة ايام متتابعة وانهمك هو فى عمله ولم يفق الا الان بعد مضى الايام الثلاثة …انها حتما جريمة نعم جريمة اخلاقية وانسانية ارتكبها فى حق امه فهى تعيش وحيدة منذ فترة طويلة وهذه ايضا جريمة اخرى يبررها لنفسه احيانا بمحاولات هشة بذلها فى السابق لاقناعها بالانتقال الى الاقامة معه فى منزله وهى فى كل مرة ترفض ..نعم محاولات هشة لأنه لم يصر الاصرار الحقيقى وهو يعلم تماما ان كبرياء امه هو مايمنعها من القبول وشبح زوجته هو مايمنعه من الاصرار على الامر ..زوجته ….ااااااه من زوجته انه يعيش معها بالكاد ويدرك تماما حجم الضرر النفسى الذى من الممكن ان تصيب به والدته اذا انتقلت للعيش معهم ……..كل هذا كان فيما سبق ولكن الان وبعد هذا القلق المخيف الذى يلتهمه التهاما بعد انقطاع والدته عن الاتصال تغير الحال سوف يصر هذه المرة اصرارا حقيقيا على انتقال امه للعيش معه وسوف تلتزم زوجته بهذا رغما عنها ….نعم رغما عنها
– استاذ ربيع ….استاذ ربيع
التفت لهذا الهتاف المصاحب لخبطات خفيفة على زجاج السيارة من الخارج فاسرع يفتح الزجاج :
– مدام اروى ازيك ؟
– انا تمام الحمد لله انت ازيك انا وصلت الشركة من نص ساعة لقيتك قاعد سرحان فى العربية طلعت مكتبى وشربت الشاى وفطرت وانت ماطلعتش قلقت عليك نزلت عشان اطمن
رسم على وجهه ابتسامة خفيفة لم تخفى القلق الواضح فى ملامحه :
– لا ابدا يا مدام اروى مفيش حاجة بس حاسس بشوية تعب كدة ارجوك اعمليلى اجازة النهارة وانا هارجع البيت
ظهر القلق واضحا فى ملامحها :
– تعب ايه خير حاسس بأيه
– لا ابدا مفيش ارهاق بس عشان مانمتش امبارح كويس
بدا القلق متزايد فى نبرة صوتها :
– لا ماتكدبش عليا انت مريض صح …طب اجى معاك المستشفى و…
قاطعها فجأة :
– قولتلك مفيش حاجة
انتبه الى الحدة المفاجئة فاستطرد بصوت منخفض :
– يعنى انا كويس شكرا على اهتمامك يا اروى ..سلامو عليكوا
قالها واشعل محرك السيارة وانطلق الى منزل والدته ..كم هو فظا احيانا او دائما لايدرى لكنه يصارع الندم كثيرا فى يومه على تعاملاته الحادة مع الناس واروى هذه بالذات لايجب ان يعاملها بحدة ..نعم ….اروى هى من كان يجب ان تكون زوجته اهتمامها الزائد به تلك الرقة المتناهية التى تعامله بها والاهم من ذلك القبول .. لها قبول عجيب مع كل من يعاملها وتسمع عنها تقييمات رائعة من كافة زملائها طوال الوقت من الجانب الانسانى اضف الى ذلك تعامله معها بحدة فى كثيير من المرات دون ان تمتعض او تنفر منه ….مال برأسه للوراء و..
انتبه الى وصوله الى منزل والدته ركن السيارة وابتلع درجات السلم فى خطوتين وطرق الباب طرقات سريعة لم يجد ردا فزاد من طرقاته وتوتره جاء الرد خاويا فتوقف قليلا وبدأت تهاجمه افكارا مؤلمة تموجت عيناه وتراجع خطوة للوراء استعدا لكسر الباب و….فتح الباب وجاء الصوت واهنا من خلفه :
– ادخل يا ربيع
اندفع عبر الباب بمنتهى القوة واحتضن امه بشدة :
– امى حبيبتى ..الحمد لله انك بخير …الحمد لله
ابعدته قليلا عنها وامسكته من كتفيه تنظر مباشرة لعينيه :
– انت بتعيط يا ربيع
كانت لكلماتها مفعول السحر فبعد ان كانتا عيناه تترقرقان انهمرت منهما دموعا غزيرة واجهش فى بكاء شديد :
– سامحينى يا امى …ارجوك سامحينى عمرى ماعدت عليا الفترة من غير ما اسمع صوتك ولا اطمن عليكى
بصوت شاحب يماثل ذلك المرسوم على وجهها :
– انا كنت تعبانة اوى يا ربيع وماكنتش حتى قادرة اتكلم فى التليفون
توقف عن البكاء فجأة هاتفا :
– انت مش هاتقعدى لوحدك تانى ابدا ..يالا انا هاحضرلك هدومك وكل حاجاتك هاتييجى معايا حالا البيت عندى
– مش هاينفع يابنى ….
قاطعها بمنتهى الحدة
– انا اسف يا امى خلاص مش هاسيبك تغليبينى زى كل مرة اقسم بالله ماهتفارقينى من النهاردة ابدا
طوال الطريق كان يقود سيارته بيدا واحدة وبالاخرى يمسك يد امه ويقبلها باستمرار …العناية الالهية فقط هى من انقذته من عذاب الضمير الذى كان سوف يستمر معه طيلة حياته اذا حدث مكروها لامه دون ان يراها وهو يشعر بالتقصير تجاهها…فتح باب المنزل فبادره صوت زوجته فى الداخل :
– اهلا يا باشا خير مش بترد على الموبايل ليه بص كدة شوف اتصلت بيك كام مرة
توقفت عن الكلام ونهضت من مكانها عندما لمحت امه تدخل معه وزاد اندهاشها عندما رأت الحقائب التى يجرها زوجها خلفه قبل ان تتحرك فى فتور واضح تستقبلها :
– اهلا يا ماما ..مش تقولى ان ماما جاية معاك
تلقتها بعناق مصطنع طال قليلا وهى تنظر الى زوجها الواقف خلفها نظراات متسائله فجاء رده بنظرات حادة تحمل اصرارا على امر يدركانه جيدا :
– جهزى اوضة الضيوف لماما
توقف ثانية والتقط نفسا عميقا ثم استطرد :
– امى هاتعيش معانا على طول
فى المساء كان لابد من المواجهه دخلت امه لتنام ودخلا هو وزوجته الى غرفتهما فاسرع هو يفرد سجادة الصلاة ووقف يصلى العشاء اطال فيها وكان لابد ان ينتهى فى ختام الصلاة ومع صوت خبطات قدم وزجته المتتابعة عل الارض ارتعش اصبعه فى التشهد الاخير وبدا صوته متهدجا وهو يلقى بالسلام يمينا ويسارا ثم نهض هاتفا بسرعة :
– اسمعى يا ناهد هما كلمتين مفيش غيرهم امى هاتعيش معانا وده كلام نهائى غير قابل للنقاش وانتى مضطرة تتأقلمى مع الوضع الجديد لأن انا لا املك الخيار تقصيرى فى حق امى يخسرنى الدنيا والاخرى
رغم صوته المتهجد وكلماته المرتعشة بدا الاصرار واضحا فى نبرته لايقبل الشك مما دعاها للسكوت قليلا قبل ان ترد :
– اوك ماعنديش مشكلة يا ربيع بس ليا شرط واحد
تنهد فى ارتياح :
– قولى
– اوعى تفرض عليا اتكلم ازاى او اتحرك ازاى فى بيتى عشان السيناريو ده شفناه كتيير وانا ماعنديش استعداد اعيشه.. زى ما اديت لنفسك الحق انك تجيبها هنا اوعى تنزع حقى انى اعيش براحتى فى بيتى
نظر اليها نظرات ثاقبة قابلتها هى بنظرات متحدية دامت ثوان قليلة قبل ان يهتف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى