الأدب و الأدباء

العقارب الناعمة

احجز مساحتك الاعلانية

بقلم : خالد الترامسي

تحاط مجتمعاتنا بعقارب تبث سمومها ليل نهار متخذة من مناهجنا وعلومنا الإنسانية مقصدا لها ، فتراها تسيطر علي عقول وأفئدة بعض مريديها في شتي مناحي تلك العلوم ، الدينية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية وغيرها من العلوم ، بأفكار غاية في التطرف والغلو ، لم يسلم منها جل أقطارنا العربية والإسلامية ، يعرف مأربهم وأهوائهم كل مثقل بهموم وطنه وأوجاعة ، المتبحر في وسطية تلك العلوم والأخذ بمقاصدها السليمة لا المبتورة ، ويجهلهم ضعيفي النفوس من ليس عندهم حيلة ، فتراهم يعتمدون علي القشور والجزئيات لا يعمدون إلي الكليات ، هزيلي الثقافة ، ليس عندهم رؤية أو تبصر بمواطن الأمور ، تراهم لا ينظرون الي الأمام أعينهم ثابتة عند أخمص أقدامهم .
نعم تحيط بنا تلك العقارب السوداء ، سوداوية الطابع من أخذت علي نفسها الجمود والتطرف منهجا وديدنا لها تفرز لنا في ثوب الحق ، ولكنه الباطل الذي يعتري كل حرف بلدغتها المدمية التي تشق جسد الأمة فتنذف دما فتحدث ألاما مبرحة .
عقارب جبلت علي الحيلة والمكر ، صنيعهم الشر في ثياب الحق لا يألفون الخير لوطنهم يحقدون عليه ولا هوادة عندهم في بث سمومهم وأحقادهم المريضة ، يدينون بديننا ، يتحدثون لغتنا ، ويسكنون أوطاننا، هم ليسوا حقا من بني جلدتنا، وإن ولدوا علي أرضنا وتربوا عليها وتعلموا بمدارسها ومعاهدها وجامعاتها ولكنهم خليط من نوع أخر ليسوا كخليطنا ، هم بشر أخر ، يلبسون البطل ثوب الحق والله مبطل ما يفعلون ينادون بشعارات جد جميله ظاهرها الحق وباطنها الباطل ، نعم كلام ناعم ، فعلا عقارب ناعمة ، تداعبك كالقطة فتراها قطة أليفة وفجأة تتحول إلي عقرب يقوم بلدغك ، نادوا بالعيش والحرية وبالعدالة الإجتماعية ولكن أين تلك الشعارات منا ؟ ماذا أحدثت بالأمة ؟ وهل حققت الأمة نجاحات جراء تلك الشعارات البراقة ؟ أم ماذا حدث ؟
أقول لكم حدث الخلاف ونشبت الحروب وتقاتل أبناء القطر الواحد ، البلد الواحد القرية الواحدة ، بل أستطيع القول أبناء العائلة الواحدة ، أصبحوا صرعي للفتن تأكل منا كالهشيم ، ولا أحد يستطيع أن يفعل شيئ تأمر علينا الجميع ، ولم يكن بأيدينا الحيلولة دون إستمرار هذا النذيف الجارف ، نعم دمروا فينا كل شيئ دمروا فينا الأمل دمروا فينا وحدتنا ، بل صنعوا لهذا الغرض .
أقولها لكم بصراحة ما كانت يوما تلك الشعارات تعيش بيننا ، وما سمعنا عنها في ماضي أبائنا وأجدادنا وأجداد أجدادنا ، لم يكن عندهم ثمة حقد بينهم أو علي حكامهم ، كان الصبر هو مفتاح نجاحات أوطانهم ، كانوا يؤمنون بأن الفرد في صالح الجماعة فكانوا يصبرون علي التنكيل بهم لقد صبر أجدادنا علي السخرة في بناء قناة السويس القديمة كما تفننوا في حفر قناتهم الجديدة وأنجزوها في زمن قياسي زهلت منه العالم أجمع لصبرهم وحبهم لهذا الأمر .
لقد صبر المصري علي حاكمه ولم يتضتجر منه فتراهن يصبرون علي سياسات محمد علي في الإحتكار والإاتزام .
هؤلاء هم أجدادنا فمن نحن ، نحن من ضحك علي أجيالنا بشعارات وأفكار واهمة ، أعتقدوا من خلالها أنهم سيحكمون العلم أجمع ، وياليتهم ما فعلوا ، لقد جروا علينا الويلات والنكبات فضاع المجتمع وأنسلخ منه كل طيب وجميل ولم يعد إلا لدغات العقارب وسمومها .
لم نجني من وراء الأفكار المتطرفة وأصحابها غير الدمار والخراب في كل مكان ، أبتعدنا عن بعض الخصال فاستحكمت قبضة الأعداء علي أوطاننا ، ولم يبق منها إلا من وفقه الله بحاكم صالح أعطاه الله الروية والحكمة والمنطق وحسن الطالع وحسن الكلم كما هو حال مصرنا بأن وهبها حاكما حفظ علينا مصرنا بنعمة الأمن والأمان ، حفظ علينا مصرنا من الجمود والتطرف .
أنظروا إلي أجدادكم ماذا صنعوا ، صنعوا لكم حضارات أشاد بها أعدائكم ، أنظروا ألي مصر الفرعونية مصر القبطية مصر الإسلامية ، إنظروا إلي بابل وأشور ، بل إنظروا إلي حضارة الفنيقيين .
إنظروا ستجدون أجدادكم تحملوا الصعاب ، تحملوا شتي صنوف وألوان التعذيب ، تحملو الجوع ، بل منهم من مات ظمئا ، لأنهم كانوا يحلمون بوطن سعيد بوطن زاهر متقدم ، علت عليهم قيمة الوطن ، وليست قيمة الذاتية والأنا ، فأخرجوا لنا حضارات من أعظم الحضارات ، أما أجيالنا صنعوا لنا الدمار والخراب .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى