الأدب و الأدباء

شبح (قصة قصيرة)

احجز مساحتك الاعلانية

بقلم: إسماعيل صالح
تمدد على سريره بعد شوط طويل من المذاكرة ارهق حواسه الخمس واغمض عينيه يمنى نفسه بالمستقبل الواعد بعد انتهاء امتحاناته فى الثانوية العامة هدفه الاول كليات القمة ليس لسبب الا لأنها الاقل اعدادا فى طابور البطالة والوظائف المرتبطة بها هى الاقل مهانة بين سائر المهن ..انه لايدخر جهدا فى سبيل الوصول لهدفه وكلما اقترب موعد الامتحانات اقترب الامل كم يتمنى ذلك اليوم الذى يحصل فيه على اول راتب ويخفف العبء عن والده الذى وقف الى جانبه كثيرا وضحى ايضا بالكثير حتى يوفر له بيئة تعلمية جيده و…..
– يوسف مش هتاكل معانا ؟؟؟
فتح عينيه ليجد والده يقف عند الباب
– لا يا بابا مش جعان كلوا انتوا بالهنا
بنظرة تحمل الكثير من الامتنان والحب سأله الاب :
– اخبار المذاكرة ه يا يوسف
– تمام يا بابا الحمد لله زى الفل
– طب مش محتاج حاجة؟؟؟؟ انا مش هاقصر معاك فى حاجة يابنى ان شاء الله اللى تعوزه هاعملهولك
بأبتسامة تحمل الكير من الحب:
– عارف يا بابا ..يارب مايحرمنيش منك ابدا
اغلق الاب الباب فعاد هو للوراء واغلق عينيه وعاد لاحلام اليقظة …كم هو عظيم هذا الرجل يدعمه بقوة رغم امكاناته البسيطة وضعف دخله عندما كان اصغر سنا لم يكن يدرك ذلك ولكنه يدرك الان فاصبح يقتصد فى طلباته كثيرا حتى يخفف اعباء ابيه… قطع افكاره جرس الموبايل فاعتدل فى جلسته وفتح الخط :
– شريف ازيك يا معلم
جاءه الصوت على الطرف الاخر :
– تمام يا برنس بتعمل ايه دلوقت ؟؟
– بذاكر طبعا هو فى حاجة غير كدة
– اه فى حاجات غير كدة احنا هنا عاملين قاعدة كدة انا والشلة عشان ناخد فاصل من المذاكرة وعاوزينك معانا
– قاعدة ايه ديه وفاصل ايه يا معلم فاضل شهر على الامتحانات و…….
قاطعه شريف فى حدة
– لأ وحياة ابوك مش طالبة مواعظ خالص… بقولك ايه مش عاوز تييجى براحتك بس افتكر ان القعدة طرية وفيها لحمة ..وانت عمرك ماشفت اللحمة سلام
قالها واطلق ضحكة عالية مجلجلة ثم اغلق الخط وترك يوسف فريسة لنفسه فهو يعلم تماما القصد من كلمات شريف وهو رغم التزامه الشديد وتربيته الحسنة فقد مست دعوة شريف مشاعره وغرائزه.. الشباب فى مثل سنه يعيشون يوميا صراعات عنيفة جدا بين الصح والغلط الحلال والحرام بين مايفعله ومايجب ان يكون ويظلا الدين والتربية هما قوتا الردع الاهم فى مواجهة حرب الغرائز تلك وشريف متدين وتربى تربية حسنة ولكنه رغم كل ذلك فقد استحوذت المكالمة السابقة على كل تفكيره وتدافعت فى رأسه عشرات التبريرات التى تدفعه عنوة لقبول دعوة صديقه الشيطانية اخذ يتقلب فى فراشه كثيرا لينفض تلك الافكار عن رأسه دون جدوى الى ان هزمته رغباته واقنع نفسه بأحد التبريرات سوف يذهب فقط ليكتشف الامر دون ان يشارك مجرد فضول لمعرفة مايدور فى مثل هذه الجلسات ..نهض من فراشه وارتدى افضل ملابسه وخرج من غرفته فوجد والده يجلس فى الصالة :
– على فين يا يوسف ؟؟
تنحنح قليلا قبل ان يجيب :
– هاجيب مذكرة عربى من واحد صاحبى
نظر اليه الاب فى تساؤل:
– وهو اللى رايح يجيب مذكرة يلبس اللى على الحبل ويتشيك على الاخر كدة ؟؟
ارتبك يوسف :
– لا يا حاج مش اللى على الحبل ولا حاجة ..وبعدين يعنى …انا ….
اختلطت الكلمات فى فمه فبادره والده :
– خلاص يا يوسف انا مش بحقق معاك …وبعدين انا بثق فيك وعارف تربية ابنى كويس
فى الطريق ترددت كلمات الاب الاخيرة فى رأسه واثارت حيرته بدا وكاته يعرف الامر ام هو احساس على كل هاهو فى طريقه الى شريف ولا يحكمه فى الامر الا ضميره الغائب تماما فى ذلك الوقت اخذت الافكار تتدافع فى رأسه وتحرك غرائزه بقوة وهو يجلس فى الميكروباص شاردا الى ان جاءت محطته فنزل على ناصية الشارع الذى يسكن فيه شريف …وقف قليلا على اول الشارع الذى بدا مظلما على عكس العادة وخالى من المارة تقريبا تردد قليلا ثم دخل الشارع والافكار الغرائزية تتوارى شيئا فشيئا ويحل بدلا منها خوفا مبررا تدعمه الظلمة الشديدة للشارع التى اخذت تتزايد حتى انه اصبح يتحسس طريقه بالكاد استمر الامر دقائق على هذا الحال قبل ان يتوقف عن السير ..بدأ القلق يعتصره والخوف يتمكن من مفاصله فالشارع يبدو وكأنه لانهاية له والظلام ممتد طويلا وتمتد بداخله ظلالا خفيفة للبيوت المتراصة على الجانبين ولاشىء على الاطلاق يهديه الى مقصده ..التفت خلفه فوجد المشهد نفسه الشارع ممتد طويلا لا يرى حتى الشارع الرئيسى الذى جاء منه وهنا تحديدا تمكن الرعب منه تماما وبدأ يتمتم بكلمات غير مفهومة خرجت مرتعدة من فمه فبل ان يهديه الجزء اليقظ من عقله فتتحول الكلمات المضطربة الى ايات من القرأن وهنا ارتفع صوته واستمر فى السير بلا هدف بعد خطوات قليلة امتد شعاع من ضوء واهن لم يعرف مصدره مهد له الطريق قليلا وعكس ظله امامه متضخما وبعد لحظات توقف فى مكانه متسمرا فأمامه وبجانب ظله الممتد امامه ظهر ظلا اخر يشير الى شخص خلفه ….سرت فى جسده قشعريرة قوية وحبس انفاسه وهو يحدق فى الظل كان يبدو انه لشخص ضخم الجثة اشعث الشعر والغريب فى الامر ان الظل توقف ايضا عندما توقف هو .. هنا تخلى عن تفكيره واتزانه فأطلق صرخة قوية ثم اخذ يجرى بكل ما اوتى من قوة ويجرى ويجرى وصراخه لم يتوقف ولا حياة وسط الظلام او استجابة اوغوث …استمر يهرول فزعا حتى وجد نفسه فجأة على الطريق الرئيسى الذى جاء منه تنفس الصعداء والتقط انفاسه المفقودة وظلت ارتجافة قوية تسيطر على جسده حتى عاد الى البيت ودخل على غرفته مباشرة ودس جسده تحت الغطاء ..كان يشعر وكأنه قد وقع من فوق جبل كان مرهقا بشدة ويشعر بألم فى شتى اتحاء جسده وفى ظل هذا الارهاق الشديد بدأت عيناه تنغلقان شيئا فشيئا ودوار يحوم فى رأسه وفى تلك اللحظات انفتح باب الغرفة فى بطء وظهر والده وبدا صوته بطيئا يأتى من اعماق بئر سحيقة :
– يوسف …يوسف مالك فى حاجة ؟؟؟
– يوسف انت سامعنى ؟ رجعت علطول ليه وفين المذكرة؟؟
لم يستطع مقاومة النوم وثقلا جفناه بشدة وراحا يغلقان الرؤية امامه فى بطء وقبل ان يغلق والده الباب رأى ظله الممتد على ضوؤ الصالة من خلفه ….كان ظلا لرجل ضخم اشعث الشعر ثم اغلق عينيه وغاص

رئيس التحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى