الأدب و الأدباء

الجزء الثاني من”قصة سميرة “

احجز مساحتك الاعلانية

تأليف – وحيدالقرشي
وعاد رأفت الي عمله ,وقد أحب مهندسة تعمل معه في الشركة ,وتعلق قلبه بها ,وهي قد أحبته ,وطلب منها أن تخبر والدها ,بأنه سوف يأتي لخطبتها ,وتخبره أنه وحيد ,فقد توفي والده ووالدته ,وبعد تحديد ميعاد ,ذهب رأفت في المساء لمقابلة والد المهندسة ,وأتفقوا علي كل شئ ,وتم تحديد ميعاد الفرح ,ونسا رأفت أمه وأخواته ,الطفل البرئ تحول لأسد قاسي القلب ,ولكنه ما زال طفلا في عيون أمه المرأة العظيمة ,فيظل الرجل طفلا حتي تموت أمه ,فأن ماتت شاخ فجاة ,وتمر السنين وتزوج رأفت ,وقد أنجبت زوجته طفلا جميلا يشبه جدتها سميرة ,والتي ماتت في قانون أبنها رأفت ,وسماه محمد علي أسم والده ,فالمرأة الصلبة لم تظهر خيبة الأمل والحسرة علي أبنها ,أمام بناتها ,وعندما تخلو بنفسها في مكان بعيد عن بناتها ,تبكي بدل الدموع دم ,وكبرت سعاد وتقدم لها أبن عمها المقيم في الاسكندرية لخطبتها .
– أنا يا مرات عمي ,عاوز أتقدم وأخطب سعاد بنت عمي
-تشرف يا وائل ,وبنت عمك هتلاقي مين أحسن منك ,أنتم غطاء وستر علي بعض
– أنا هسافر أجيب أمي وأخواتي من الأسكندرية,علشان نقرأ الفاتحة ونفرح بيوم خطوبتنا في قريتنا وسط ناسنا وأهلنا ,أن شاء الله
-ربنا يتمم بخير يا وائل يا أبني ,عاوزة أسالك سؤال يا وائل
-أتفضلي يا مرات عمي
– أكيد سعاد هتعيش معاك في الأسكندرية .
– طبعا يا مرات عمي ,علشان شغلي وأمي وأخواتي
– ربنا يسهل الأمور ويتمم بخير يارب
وفي السابعة صباحا سافر وائل ,وتجلس سميرة وبناتها وقد أمتلئ قلبها فرحة وسعادة بأبنتها سعاد ,وفي وسط هذه اللحظات لم تنسا أبنها رأفت ,فكانت تتمني أن يكون موجود في تلك اللحظات ,فهو الغائب الحاضر في قلب أمه .
– أنا في حيرة يا ولادي
-حيرة أية يا أمي ,خير
– يا سعاد يا بنتي ,لما تزوجي هتعيشي مع زوجك في الأسكندرية ,وهيكون بالي هنا وهناك ,وكل أسبوعين أو شهر ,لازم أزورك ,ودة حمل عليه ,وأنا كبرت وتعبت يا بتي ,وكمان أختك رحاب,هتسافر معايه كل مرة , أنا مش هقدر أسيبها لوحدها في البيت
-ما تجيش يا أمي ,والأ تتعبي نفسك ,أنا هجيلك
– بتقولي أيه يا سعاد ,هتفرجي وتضحكي الناس عليه ,يقولوا سميرة زوجت بتها ,ورمتها ومش بنزورها وتطمن عليها
-في فكرة يا أمي ,بس توافقي وترضي ,نبيع البيت ونشتري بيت جديد في الاسكندرية ونعيش هناك ,وأحنا لينا مين هنا ,أخونا الكبير سابنا من سنين ,وأستعار منا ,ومش عارفين عنه حاجة
– بتقولي أيه يا بتي ,البيت هيفضل مرسي للكل ,يمكن في يوم يرجع أخوكي ويعمره ,وعندي أمل وربنا كبير ,أحنا ممكن نتأجر شقة صغيرة علي قد حالنا ,ونعيش في الأسكندرية ,وأدي الحكومة صرفت ليه معاش ضمان أجتماعي ,أن شاء الله يكفي ,وممكن أشوف دكان صغير أبيع فيه شوية شاي وسكر ورز ومستلزمات البيوت ,زي ما أنتم عارفين
– يا ريت يا أمي
– بس أفكر وأرتب أموري ,والأ فيه الخير هيقدمه ربنا
وبعد تفكير عميق ,أستغرق بالساعات ,تقرر سميرة الأنتقال والعيش في الاسكندرية ,فقلبها معلق بها ,ففيها يعيش أبنها الوحيد رأفت ,والتي تأمل أن ترأه في يوما من الأيام ,وفي الصباح تخبر بناتها بذلك
– صباح الخير يا حلوين
– صباح النور يا ست الكل ,أتأخرتي النهاردة في النوم يا أمي
– الليل كله ,قاعدة أفكر يا سعاد ,وقررت يا بتي أننا ننتقل ونعيش في الأسكندرية ,ولما يجي أبن عمك وائل ,هتكلم معاه بخصوص كدة
وبعد ثلاثة أيام يأتي وائل ومعه أمه وأخواته في الميعاد المتفق عليه ,لقراءة الفاتحة وأعلان خطوبته علي سعاد بنت عمه ,وبعد حفلة الخطوبة المتواضعة ,والتي أقيمت أمام منزل سميرة الصغير ,يجتمع وائل وأسرته ,وسميرة وبناتها علي مائدة العشاء .أحتفالا وفرحا بالخطوبة
– ألف مبروك يا بنتي ,الف مبروك يا وائل يا أبني ,وعقبال الفرحة الكبيرة
-في عمرك أن شاء الله يا مرات عمي
– مبروك يا أم رأفت ,وعقبال ما تفرحي برحاب
– ربنا يبارك فيكي يا أم وائل ,في عمرك يا أختي أن شاء الله
-يا وائل يا أبني ,أنا قررت الأنتقال والاقامة في الأسكندرية ,وعاوزاك يا أبني تساعدني في كدة
– أنا تحت أمرك يا مرات عمي ,شوفي طلباتك أية
-عاوزة شقة أيجار أعيش فيها أنا وبناتي ,ولو ربنا سهل الأمور هنعمل فرح سعاد في الأسكندرية ,شوف يا وائل ورد عليه
-حاضر يا ست الكل ,في أقرب وقت أن شاء الله
وعاد وائل الي الاسكندرية ,وفكر أن يستئذن والدته وأخواته ,أن تقيم معهم مرات عمه سميرة وبناتها في بيتهم ,فلديهم بيت كبير ,مبني من خمسة ادوار ,والدور به شقتين ,وهما يسكنون الدور الأول فقط ,وبذلك يكون وفر مبلغ أيجار الشقة وخفف الحمل عن مرات عمه
-أنا فكرت يا أمي ,وبعد أذنكم طبعا ,أن مرات عمي سميرة تسكن معانا في البيت ,والبيت كبير والحمد لله
– عين العقل يا وائل ,سافر يا أبني وخد رأي مرات عمك
وفي اليوم التالي ,سافر وائل ,وجلس مع مرات عمه سميرة وبناتها ,وأخبرهم بذلك ,وقد رحبت وفرحت سميرة بذلك ,وطلبت من سعاد ورحاب ,تجهيز أنفسهم للأستعداد للسفر ,فهذه المرة للأقامة وماذا تفعل الأيام مع سميرة وبناتها,وتسافر سميرة وتنتقل الي الأسكندرية ,وعقلها مشغول بالتفكير في أبنها ,وقلبها يتحسر عليه ,فصورته لا تفارقها لحظة ,وضعتها علي صدرها ,لتكن دائما بجوار قلبها ,فالبعد جفاء في كل القوانين ,ولكن عند الأم لا ينطبق هذا القانون ,حتي وأن أبتعد الأبناء عن أمهاتهم ,وبعد أستقرار سميرة ,تطلب من وائل أن يبحث لها عن دكان تبيع فيه ,سكر وشاي ورز وحلاوة للأطفال ,وما شابه ذلك
– عاوزاك يا وائل ,تشوفلي دكان صغير ,أبيع فيه وأسلي نفسي يا أبني ,وأسترزق وأجيب مصاريفي أنا وبناتي ,حاجة تسند بجانب المعاش
-لا يا مرات عمي ,أستريحي أنتي ,والأ تشيلي هم حاجة
– يا أبني أنا متعودة علي كدة ,والقعدة في البيت هتتعبني ,وبعدين رحاب هتقف معايه وتساعدني
وتقنع سميرة وائل ,فالمرأة المكافحة ستظل مكافحة وصلبة طيلة حياتها ,وسميرة أمرأة من نوع خاص ,وفي المساء يحضر وائل ,ليخبر سميرة بالخبر السار,فقد وجد لها دكان بجوار مدرسة أبتدائية ,وقريب من بيتهم ,وتفرح سميرة بهذا الخبر وتطلب من وائل ,أن يذهب معها في الصباح ليعرفها مكان الدكان ,ويشتري معها مستلزماته ,وفي اليوم التالي ,تستيقظ سميرة مبكرا ,ويملئها الحماس والهمة ,وتأخذ خطيب أبنتها لتذهب لمكان الدكان ,وعندما وصلت ,فرحت كثيرا ,بهدوء المكان ,فالدكان في الشارع الخلفي للمدرسة الأبتدائية ,فقد تبيع وتكسب في هذا المكان ,فطلاب الابتدائي يحبون شراء الحلوي والشبسي والكراتية,وتبدء سميرة في اليوم التالي بالوقوف والبيع في الدكان ,بعد أن ملئته بكل مستلزماته ,ويرن جرس الفسحة ,ويتجمع ويلتف الطلاب ,حول الدكان ,ليشتروا الحلوي ,وقد قامت بعمل شندوشات لبيعها ,وكانت رحاب تساعدها في ذلك ,ويوم وراء يوم ,تتعرف سميرة علي الطلبة ,فهم ما زالوا أطفال ,فقد أحبوها وأحبتهم كثيرا وتعلقوا بها ,وكانوا ينادونها بجدتي سميرة ,وعرفت أسمائهم ,وكان من بينهم طفل في الصف الاول الابتدائي ,أسمه محمد ,كان يحبها كثيرا ,هذا الطفل ,هو محمد رأفت أبن أبنها ,الذي تركها منذ سنوات ,وهي لا تعرفه وهو كذلك ,فالدنيا لا تساوي شئ أمام هذا المشهد ,الطفل الصغير بجوار جدته ,ولا يعرفها وهي لا تعرفه ,فبعد العاصفة تأتي الأمطار وفيها الخير ,وقد تكون عقابا لمن غضب الله عليه ,وبعد الغيوم تشرق الشمس لتملئ الدنيا نورا وأشراقا ,فماذا يخبئ القدر لسميرة ,ففي وقت الفسحة ووقت خروج الطلبة الصغار من المدرسة ,يزدحم المكان أمام دكان سميرة ,فالجميع أحبها لخفة دمها وحلوة روحها وضحكتها الدائمة ,والتي تخفئ داخلها الألم والوجع والحسرة علي فراق أبنها رأفت ,فقد ذهبت لمكان عمله ولم تجده ,فقد ترك المكان منذ سنوات ,وفكرت أن تبحث عنه في كل شبرا علي أرض الاسكندرية ,فهي أم وقلب الأم لا يتغير ,فالفراق هو الموت الصغير ,ولحظة مؤلمة للبشر ,ولا تنتهي الأ باللقاء ,وقد يكون اللقاء بعد فراق خير من ليلة العرس والتي يتمناها الجميع ,وقد يكون بداية لفراق أخر ,وفي أحدي الايام وبعد خروج الطلبة من المدرسة ,تجمعوا كالعادة أمام دكان سميرة لشراء الحلوي والكراتية ,وكان من بينهم محمد ,فبعد أن قام بشراء ما يحتاجه من جدته سميرة ,والتي هي في الحقيقة جدته ,ولكن القدر وغطرسة أبوه فرق بينهما .ليكونا بجوار بعضهم البعض ولا يعرف كل منهما الأخر ,وجرئ محمد للحاق بأصدقائه ,وهو يعدي الشارع مسرعا ,صدمته سيارة ,وتجري نحوه مسرعة سميرة وأبنتها رحاب ,وتحمله بين ذراعيها وتركب تاكسي وتذهب به مسرعة للمستشفي لأسعافه ,وقد أخذت رحاب نمرة السيارة ,والتي لم يقف قائدها ,وعندما وصلت المستشفي ,وتم عرض محمد علي الأطباء
– مين حضرتك ,الطفل محتاج عملية حالا ,لأن شريان أتقطع في رجله ,ومحتاجين دم بسرعة
– أنا صاحبة دكان بجوار مدرسة محمد ,والسيارة صدمته وجرت ,وبنتي كتبت نمرة السيارة ,وأثبت كلامي في محضر يا دكتور,وأنا وبنتي مستعدين لأي شئ
-أتفضلوا ,أدخلو الغرفة الأ جنبي ,علشان يأخدوا منكم عينة دم لتحليلها وبسرعة لو سمحتم
ونظرا لكبر سن سميرة ,فقد ألحت عليها أبنتها رحاب ,بعدم عمل تحليل ,وأقنعتها بأنها سوف تتبرع وتعطي محمد كل ما يحتاجه من دم ,وتظهر نتيجة التحليل ,وتثبت سلامة دم رحاب ,ويأخذ منها نصف لتر دم ,ويقوم الأطباء بالبدء في أجراء العملية لمحمد ,ويدخل غرفة العمليات ,وبعد ساعة ونصف يخرج الأطباء
– خير يا دكتور ,طمني محمد عامل أيه
– الحمدلله ,العملية نجحت ,ومحمد بخير ,بس معاه نص ساعة لحد ما يفوق
“ولنا لقاء في الجزء الثالث والأخير من قصة سميرة “

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى