أخبار عاجلة

إحياء الحرف التراثية من خلال إعادة توظيف المباني التاريخية لتحقيق التنمية السياحية المستدامة

احجز مساحتك الاعلانية

دكتور/ عصام حشمت محمد
مدرس ترميم الآثار بكلية الآثار بقنا – جامعة جنوب الوادي
Esdream2012@yahoo.com
¬ يمثل التراث العمراني وعاء للحضارة فهو يحفظ الخصائص الجوهرية لكل أمة بما يميزها عن سواها فيجسد عراقتها ويسجل تاريخها ويحفظ هويتها والتراث العمراني يحوي العديد من القيم والفوائد الاقتصادية كأحد الموارد المستدامة ووسيلة لتوفير المزيد من فرص العمل وإحياء المهن والحرف التقليدية، فضلاً عن القيم الثقافية والعمرانية بما حوت من مضامين تاريخية وفنية وقيم اجتماعية بما فيها من توطين واستقرار وتكافل اجتماعي ويلاحظ في هذا العصر أن هناك توجه عالمي متزايد نحو توظيف التراث العمراني المحلي والمحافظة عليه والاهتمام به بكافة الصور من قبل الجهات الرسمية وغير الرسمية حيث أصبحت العناية به سمة من سمات الدول المتقدمة فكلما تقدمت الدول ثقافيا واقتصاديا وارتفع مستوى التحضر بين مجتمعاتها كلما زادت عنايتها بتراثها العمراني وعملت على المحافظة عليه وحمايته وتأهيله وتنميته ثم استثماره اقتصادياً، ولما كانت مصر غنية بتراثها العمراني الأصيل الذي ينتشر في كافة مناطق الجمهورية ومحافظاتها والذي من الممكن استثماره اقتصادياً ومن هذا المنطلق نعرض أهمية التراث العمراني بمصر بصفة عامة ومحافظة قنا بصفة خاصة وكيفية تنميته للاستفادة منه والمحافظة عليه في نفس الوقت، نظراً لأن هناك توجهاً عالمياً متزايداً في كل أنحاء العالم نحو توطين التراث المحلي والمحافظة عليه والاهتمام به بكل صوره سواء من قبل الجهات الرسمية أو غير الرسمية من هيئات وجامعات وأكاديميات ومؤسسات إدارية وغير ذلك.
أهمية التراث العمراني في محافظة قنا:
تحتوي محافظة قنا بمصر على مجموعة من المباني التاريخية وذات القيمة – المشيدة على الطراز الأوروبي الحديث (طراز إيطالي – طراز إنجليزي) والتي ترجع للقرنين التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين – حيث تتميز هذه المباني على احتوائها على قيم تاريخية ومعمارية وجمالية…….الخ، بلغ عددها حوالي 60 مبنى تم تسجيلها كمباني ذات طابع مميز من قبل لجنة حصر القصور والفيلات والمباني ذات الطابع المعماري المميز التابعة للمحافظة طبقا لقرار مجلس الوزراء الصادر بجلسته المنعقدة بتاريخ 30/9/1998م نذكر منها على سبيل المثال: مجموعة الأمير يوسف كمال بمدينة نجع حمادي (نهاية القرن 19م)، ومبنى مدرسة داود باشا تكلا (1924-1929م) بمدينة نجع حمادي والتي تعتبر من أقدم المدارس الثانوية في صعيد مصر وهي مبنية على الطراز الإنجليزي، ومبنى مدرسة فؤاد الثانوية (1927م) بمدينة قنا – تشغله كلية الهندسة حالياً – وهو مبنى على الطراز الإيطالي حيث استخدمت به أساليب إنشائية سادت في أوروبا في النصف الأول من القرن العشرين لذا فإن هذا المبنى يسجل مرحلة مهمة من مراحل تخطيط المدارس في مصر في النصف الأول من القرن العشرين، وقصر مكرم عبيد (1924م) بمدينة قنا الذي يحمل اسم شخصية وطنية مهمة في تاريخ مصر، ومبنى مستشفي الحميات والذي يسجل مرحلة مهمة من تاريخ البناء بالمحافظة حيث يجسد التأثر بالعمارة الإنجليزية في تلك الفترة، بالإضافة إلى مجموعة من المباني مشيدة على الطراز العثماني الذي انتشر في القرن 17، 18م والذي تطور في نهاية القرن 19م ومطلع القرن العشرين.
في نفس الوقت تحتوي محافظة قنا على العديد من الصناعات والحرف التقليدية التي تميزها عن غيرها من المحافظات الأخرى والتي تتمثل في صناعة الفركة (شال من الحرير المصنوع يدوياً تتميز به نقادة ) ، وصناعة الحصير من نبات الحلف (أحد النباتات البرية) وصناعة منتجات جريد النخل حيث يستخدم في كثير من المنازل ليومنا هذا بل ويستخدم أحياناً في ديكورات المنازل العصرية كأطقم للجلوس وغرف نوم ومعلقات الأسقف، وصناعة المنسوجات والسجاد اليدوي (تبدع المرأة القنائية في غزل الصوف لتنتج لنا لوحات فنية منسوجة بدقة لمناظر طبيعية وتراثية) .
ومع تزايد الاتجاه العام لصناعة السياحة نظرا لما تحققه من عوائد اقتصادية أصبحت هناك ضرورة لإيجاد توازن بين حماية المباني التاريخية وبين التنمية السياحية حيث أن العمل الاجتماعي يعتبر من أهم الوسائل المستخدمة للمشاركة في النهوض بالمجتمعات في عصرنا الحالي وذلك في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.
التراث العمراني أحد الموارد المستدامة كوسيلة لتوفير المزيد من فرص العمل :
تأتي فكرة استثمار التراث العمراني من خلال إعادة تأهيل وتوظيف العديد من المباني والقصور التاريخية وذات القيمة والتي لا يزال معظمها بحالة جيدة في إحياء الحرف التقليدية والصناعات البيئية التي تتيح العديد من فرص العمل للمجتمعات المحلية في تلك المناطق والحد من ظاهرة الهجرة السكانية وبالتالي استقرار السكان نتيجة ارتباطهم بوظائفهم التي أتاحتها لهم مشاريع استثمار المباني التاريخية.
هذا بالإضافة إلى أن مشاريع تطوير المباني التاريخية توفر فرص عمل ومجالات استثمار أخرى مساندة لهذه المشاريع مثل: خدمات النقل، وبيع المنتجات المحلية، والإيواء، والترفيه كتهيئة وتشغيل الساحات المجاورة كمتنزهات ترفيهية أو مواقف للسيارات، وإقامة بعض المراكز التجارية أو الثقافية التي تحقق نتيجة إقامتها بجوار مباني التراث العمراني قيمة إضافية أكثر من إقامتها في أي مكان آخر.
ولا تقل أهمية المنافع الاجتماعية التي يتم تحقيقها من الاستثمار في مواقع التراث العمراني عن أهمية المنافع الاقتصادية إذ أن المنافع الاجتماعية تكون محصلتها منافع اقتصادية، ويتمثل ذلك في توفير فرص العمل للمجتمع المحلي مما يزيد من ارتباطهم الدائم به وبالتالي زيادة مساهمتهم في تنمية المشروع وفي هذا الاتجاه يتم الحرص على إعطاء أهمية كبيرة للاستثمار في المشاريع التنموية في المناطق الأقل نمواً، وذلك لزيادة توفير فرص العمل التي تؤدي إلى خفض معدلات البطالة، فضلاً عن مساهمتها في الحد من الهجرة إلى المدن الكبيرة.
التراث العمراني وسيلة لإحياء المهن والحرف التقليدية :
تعتبر مواقع التراث العمراني وعاءً لممارسة وعرض منتجات الحرف اليدوية إذ يعمل الموقع المستثمر على تشجيع وإحياء مهن وحرف تقليدية توشك أن تندثر أمام الزحف التكنولوجي الحديث في كل مناحي الحياة،
لكن النفس البشرية تحن دائماً إلى مشاهدة وصناعة واقتناء كل ما صنعه واستخدمه الأجداد للتعرف على أحوالهم المعيشية وإبداعاتهم في التكيف مع البيئة التي عاشوا فيها من هنا تنشأ في الموقع التراثي المستثمر أو إلى جواره ورش ومصانع صغيره لصناعة الحصر واستخدام جريد النخل في صناعة الأثاث، والسجاد والكليم، والسلال، والأزياء التراثية الشعبية، وصناعة الفخار وصناعة ما يتطابق أو حتى يتشابه مع ما هو قديم وتراثي مثل: الأسلحة والتحف المعدنية والفخارية والزجاجية والحلي وأدوات الزينة، فضلاً عن المشغولات الجلدية وأشغال الخشب والعاج والبردي وغيرها، كما أن الحرفيين عملوا على تطوير صناعة المنتجات اليدوية التي تستخدم في الوقت الحالي وتدر عليهم وعلى أسرهم مكاسب جيدة، وتُوجِد فرص عمل للمجتمع المحلي ولا شك أن الاستثمار في مواقع التراث العمراني وتشغيلها من قبل الحرفيين وغيرهم يحقق منافع اجتماعية على كل المستويات من خلال تشغيل وتوظيف العمالة والقضاء على البطالة من جهة وتحقيق منافع اجتماعية شاملة تسعى الدولة إلى تحقيقها من جهة أخرى.

رئيس التحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى