مقالات واراء

نسب الشيخ عبد القادر الجيلاني

احجز مساحتك الاعلانية

متابعة/ محمدالحفناوي
هو شيخ الإسلام تاج العارفين محيي الدين أبو محمد السيد الشيخ عبد القادر الجيلاني بن أبو صالح موسى بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن أبي محمد الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي.
وكان الإمام عبد الله المحض، ولد بالمدينة المنورة ونشأ فيها بين أهل البيت وهم أهل العلم والفضل والتقوى،وبعد ان نبغ واشتهر التف حوله عدد كبير من الناس ينتهلون من علمه وفضله، فوشى به بعض أهل الفتنة لدى الخليفة العباسي (أبي جعفر المنصور) فاستقدمه مع أسرته إلى بغداد سنة (144هـ) وحبسهم في سجن فيها وعذبهم ومات بعضهم بالتعذيب ، ومات الإمام عبد الله المحض في الحبس ودفن في ضاحية من ضواحي بغداد الجنوبية. وقبره هنالك يزار وقد أنشئ عنده مسجد صغير يسمى مزار السيد عبدالله وهو يقع على الضفة الجنوبية من قناة اليوسفية وعلى بعد عشر كيلو مترات إلى الغرب من قرية ( اليوسفية) الكائنة على مسافة (20) كيلو مترا إلى الجنوب من (جسر الخير) حيث يمر فيها الطريق الموصل بين بغداد والحلة.
ولقد أقامت ذرية الإمام عبد الله المحض في بغداد حتى زال الاضطهاد عن العلويين في عهد الخليفة العباسي (المأمون) حيث تفرق العلويون في الأمصار ومنهم ذرية الإمام عبد الله المحض ، فقد هاجر بعضهم إلى الحجاز واليمن وقامت لهم أمارات فيها وهم السليمانيون أولاد سليمان بن عبد الله المحض ، وهاجر بعضهم الى الغرب وقامت لهم فيه أمارات لازالت قائمة وهم (الادارسة) ، أولاد ادريسى بن عبدالله المحض . وهاجر بعضهم إلى بلاد فارس ومنهم من سكن جيلان وكانت لهم الأمارة الروحية فيها وهم (الجونيون) أولاد موسى الجون بن عبد الله المحض.
سميت الأسرة العلوية التي نشأت في جيلان باسم أشراف جيلان ، وقد نشأ الشيخ عبد القادر رحمه الله في كنف هذه الأسرة الطيبة ، فكان هذا المنشأ الكريم قاعدة لشخصية هذا الشيخ الجليل .
مولده ونشأته :
ولد العارف بالله تعالى الشيخ عبد القادر الجيلاني في نيف وهي قصبة من جيلان سنة 470هـ 1077م تقرأ بالجيم العربية كما تقرأ بالكاف الفارسية فيقال لها جيلان أو كيلان ، وهي اسم لبلاد كثيرة من وراء طبرستان ، ليس فيها مدن كبيرة وإنما هي قرى ومروج بين الجبال.
ولا تزال كيلان محتفظة باسمها القديم وهي ولاية إيرانية تقع في جبال البروز المتدة من الشرق إلى الغرب موازية للساحل الجنوبي من بحر قزون.
وقد نشأ الشيخ عبد القادر في أسرة كريمة جمعت شرف التقوى ، فقد كان والده أبو صالح موسى على جانب كبير من الزهد وكان شعاره مجاهدة النفس وتزكيتها بالأعمال الصالحة ولذا كان لقبه بالفارسية جنكي دوست أي محب الجهاد.
وكانت للشيخ موسى أخت صالحة اسمها عائشة ، كان الناس يستسقون بها إذا حبس عنهم المطر ، وكان جده عبدالله بن يحى الزاهد من أهل الإرشاد ، وينتهي نسب هذه الأسرة إلى الإمام عبدالله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم .
سفره الى بغداد:
وكان الشيخ الجيلاني رحمه الله قد نال قسطاً من علوم الشريعة في حداثة سنه على أيدي أفراد من أسرته ، فنشأ مولعا في طلب العلم وصار يبحث عن منهل عذب ينتهل منه زيادة المعرفة ، فلم يجد خيرا من بغداد ، التي كانت عامرة بالعلماء ومعاهد العلم ، وكانت محط أنظار المسلمين في مشارقهم ومغاربهم ، وكان رحمه الله قد عقد العزم على المضي في طلب العلم رغم الصعوبات التي كانت تكلف الطلاب في ذلك العهد.
دخوله بغداد :
وكان الشيخ عبد القادر رحمه الله ، قد وصل بغداد سنة 488هـ 1095م في عهد الخليفة العباسي المستظهر بالله أبو العباس أحمد بن المقتدي بأمر الله أبو القاسم عبد الله العباسي .
وبعد أن استقر الشيخ عبد القادر في بغداد انتسب إلى مدرسة( الشيخ أبو سعيد المخزومي) التي كانت تقع في حارة باب الأزج ، في أقص الشرق من جانب الرصافة ، وتسمى الآن محلة باب الشيخ . وكان العهد الذي قدم فيه الشيخ الجيلاني إلى بغداد تسوده الفوضى شملت كافة أنحاء الدولة العباسية ، حيث كان الصلبيون يهاجمون ثغور الشام ، وقد تمكنوا من الاستيلاء على أنطاكية وبيت المقدس وقتلوا فيهما خلفا كثيرا من المسلمين ونهبوا أموال كثيرة.وكان السلطان التركي (بركياروق) قد زحف بجيش كبير يقصد بغداد ليرغم الخليفة على عزل وزيره (ابن جهير) فاستنجد الخليفة بالسلطان السلجوقي (محمد بن ملكشاه) . ودارت بين السلطانين التركي والسلجوقي معارك عديدة كانت الحرب فيها سجالا، وكلما انتصر احدهما على الآخر كانت خطبة يوم الجمعة تعقد باسمه بعد اسم الخليفة.
وكانت فرقة الباطنية التي ألفها ( الحسن بن الصباح ) قد نشطت في مؤامراتها السرية واستطاعت أن تقضي على عدد كبير من أمراء المسلمين وقادتهم فجهز السلطان السلجوقي جيشا كبيرا سار به إلى إيران فحاصر (قلعة أصفهان) التي كانت مقرا لفرقة الباطنية وبعد حصار شديد استسلم أهل القلعة فاستولى عليها السلطان وقتل من فيها من المتمردين ، وكان (صدقة بن مزيد) من أمراء قبيلة بني أسد قد خرج بجيش من العرب والأكراد يريد الاستيلاء على بغداد فتصدى له السلطان السلجوقي بجيش كبير من السلاجقة فتغلب عليه .
وكان المجرمين وغيرهم من العاطلين والأشقياء ينتهزون فرصة انشغال السلاطين بالقتال فيعبثون بالأمن في المدن يقتلون الناس ويسلبون أموالهم فإذا عاد السلاطين من القتال انشغلوا بتأديب المجرمين.
طلبه للعلم :
وفي غمرة هذه الفوضى كان الشيخ عبد القادر رحمه الله يطلب العلم في بغداد ، وتفقه على مجموعة من شيوخ الحنابلة ومن بينهم الشيخ أبو سعيد المخزومي ، فبرع في المذهب والخلاف والأصول وقرأ الأدب وسمع الحديث على أيدي كبار المحدثين.
ولقد قاس الشيخ عبد القادر ماكان يقاسيه الغرباء من طلبة العلم في ذلك العهد المضطرب من شظف العيش.
وكان رحمه الله عنه قد امض من عمره النفيس ثلاثين عاما يدرس فيها علوم الشريعة أصولها وفروعها ، وقد كايد خلال هذه الفترة الطويلة ضيق العيش ومرارة الحرمان، بيد إن العناية الإلهية كانت قد منحته عقلا راجحا وصبرا جميلا وهمه عالية،فاستطاع بهذه السجايا أن يحتمل الشدائد ويذلل الصعاب ، فلم تجزع نفسه من الشدة ولم تفتر عزيمته عن المثابرة في طلب العلم .
جلوسه للوعظ :
وحينما انس الشيخ أبو سعيد المخزومي من تلميذه عبد القادر غزارة العلم ووفرة الصلاح عقد له مجالس الوعظ في مدرسته بباب الازج في بداية 521 هـ فصار يعظ فيها ثلاثة أيام من كل أسبوع ، بكرة الأحد وبكرة الجمعة وعشية الثلاثاء . وحينما تصدى الشيخ عبد القادر للوعظ كانت الخلافة العباسية قد آلت إلى المرشد بن المستظهر، وكان شجاعاً بعيد الهمة ، محباً للخير،أراد إن يظهر هيبة الخلافة فدعا الناس إلى الجهاد وجمع جيشا كبيرا من المتطوعين أهل الفتوة وخرج بهم لمحاربة الأمراء الأتراك الذين عثوا في الأرض فسادا ، وكاد إن يخضع بشوكتهم لولا خيانة قائده السلجوقي (مسعود بن ملكشاه) الذي خرج عليه وهدد مؤخرته فأضطر الخليفة إن يعود بجيشه الى بغداد ، بينما كان في الطريق اغتاله احد الباطنية فأفضت الخلافة إلى ابنه الراشد ، وزحف الأمراء الأتراك بجيوشهم نحو بغداد.
فحاصروها واستولوا عليها بعد قتال شديد واجتمعوا على خلع الراشد وتولية الخلافة من بعده إلى عمه (المقتفي) ونهب الأتراك دار الخلافة وتنازعوا على السلطة فدب الشقاق بينهم ونشب بينهم معارك طاحنة أضرت بالبلاد.
وكانت الاضطرابات التي اجتاحت أرجاء الدولة العباسية قد أسقطت هيبتها فكثر قطاع الطرق وانتشر السلب والنهب وتنافس الأمراء على الملك، وكانت المؤامرات والدسائس تدبر في البلاط العباسي وفي قصور الأمراء وفي سائر أنحاء الدولة ، وانتشرت الفرقة والبغضاء بين الناس وصاروا يتحيزون للأمراء المتنازعين ، وكلما انتصر أمير على أمير ساروا في ركاب المنتصر يمدحونه ويشتمون خصمه . وأستشرى بين الناس النفاق وضعف الوازع الديني في نفوسهم.
وظهر عدد من دعاة الخير يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وكان في طليعتهم الشيخ عبد القادر الذي استطاع بالموعظة الحسنة أن يرد كثيرا من الحكام الظالمين عن ظلمهم وان يرد كثيرا من الضالين عن ضلالتهم ، حيث كان الوزراء والأمراء والأعيان يحضرون مجالسه ، فيشتد في موعظتهم حتى تنتبه أفئدتهم وتستيقظ ضمائرهم ، فيتوبوا إلى الله تعالى ويقلعوا عن المظالم ، وكانت عامة الناس اشد تأثراً بوعظه ، فقد تاب على يديه أكثر من مائة ألف من قطاع الطرق وأهل الشقاوة ، واسلم على يديه ما يزيد على خمسة الآف من اليهود والنصارى.
وكان الشيخ عبد القادر رحمه الله قد حباه الله تعالى بشخصية فذة ونفوذ روحي فكان يسيطر على قلوب المستمعين إلى وعظه ويستهوى نفوسهم في التلذذ بحديثه ، حتى انه استغرق مرة في كلامه وهو على كرسي الوعظ فانحلت طية من عمامته وهو لا يدري فألقى الحاضرون عمائمهم وطواقيهم تقليداً له وهم لا يشعرون.
تصديه للتدريس:
وبعد ان توفي الشيخ أبي سعيد المبارك المخزومي فوضت مدرسته إلى خليفته بالحق الشيخ عبد القادر الجيلاني فجلس فيها للتدريس والفتوى ، وكانت شخصيته الفذة وحبه للتعليم وصبره على المتعلمين جعلت طلاب العلم يقبلون على مدرسته إقبالا عظيما حتى ضاقت بهم فأضيف إليها ما جاورها من المنازل والأمكنة ما يزيد على مثلها وبذل الأغنياء أموالهم في عمارتهم وعمل الفقراء فيها بأنفسهم حتى تم بناؤها سنة 528هـ1133م . وصارت منسوبة إليه وتصدر بها للتدريس والفتوى والوعظ مع الاجتهاد في العلم والعمل.
وكان الشيخ عبد القادر عالما متبصرا يتكلم في ثلاثة عشر علما من علوم اللغة والشريعة ، حيث كان الطلاب يقرئون عليه في مدرسته دروسا من التفسير والحديث والمذهب والخلاف والأصول واللغة ، وكان يقرأ القرآن بالقراءات وكان يفتي على مذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد رحمهم الله تعالى.
تضلعه في الكتاب والسنة :
وكان الشيخ عبد القادر رحمه الله في طليعة الداعين إلى التوسع في الفهم القران الكريم والأحاديث النبوية والتفهم على استنباط الدلائل المتعلقة بالعقائد والإحكام الفقهية منها ولذا كان على جانب كبير من المعرفة في علوم القران وعلوم الحديث حتى انه فاق علماء عصره في هذه العلوم الشريفة.
ومما يدل على سعة معرفة الشيخ بالكتاب الكريم . ما اخبره به الشيخ يوسف بن الإمام أبي الفرج الجوزي العلامة البغدادي الشهير فقال :
قال لي الحافظ احمد البندلجي حضرة ووالدك رحمة الله تعالى يوما مجلس عبد القادر رحمه الله ، فقرأ القارئ آية ، فذكر الشيخ في تفسيرها وجها فقلت لوالدك أتعلم هذا الوجه ؟ قال نعم ، ثم ذكر الشيخ وجها أخر، فقلت لوالدك أتعلم هذا الوجه ؟ قال نعم ، فذكر الشيخ فيها احد عشر وجها ، وأنا أقول لوالدك أتعلم هذا الوجه ؟ وهو يقول نعم.ثم ذكر الشيخ وجها آخر، فقلت لوالدك أتعلم هذا الوجه قال لا حتى ذكر فيها كمال أربعين وجها يعزو كل وجه إلى قائله ووالدك يقول لا اعرف هذا الوجه واشتد تعجبه من سعة علم الشيخ.
وكان الشيخ عبد القادر رحمه الله لا يروي في كتبه وخطبه غير الأحاديث الصحيحة وكان له باع طويل في نقد الحديث وكان يشرح الحديث في معناه اللغوي ، ثم ينتقل إلى شرح مغزاه ، ثم ينتقل إلى استنباط المعاني الروحية منه ، وهكذا كان قد جمع بين ظاهرية المحدثين وروحانية الصوفية.
وكان الشيخ عبد القادر رحمه الله لا يشجع طلابه على دراسة الفلسفة أو علم الكلام ، لأنه لا يرى أنهما ليسا من العلوم الموصلة إلى الله تعالى ، ثم انه يخشى أن ينصرف طلابه إليهما فيقعوا في مهاوي الآراء الفلسفية أو الكلامية البعيدة عن العقيدة الشرعية.
قال الشيخ منصور بن المبارك الواسطي الواعظ دخلت وأنا شاب على الشيخ عبد القادر رحمه الله عنه ومعي كتاب يشتمل على شيء من الفلسفة وعلوم الروحانيات فقال لي من دون الجماعة وقبل أن ينظر إلى كتاب أو يسألني عنه ، يا منصور بئس الرفيق كتابك قم فاغسله وناولني بدله كتاب فضائل القرآن لمحمد بن العريس.
ولقد روى الشيخ تقي الدين بن تيمية عن الشيخ احمد الفاروقي انه سمع الشيخ شهاب الدين عمر السهروردي يقول:
كنت قد عزمت إن اقرأ شيئا من علم الكلام وأنا متردد هل اقرأ كتاب الإرشاد الإمام الحرمين أو نهاية الأقدام للشهرستاني أو كتاب أخر، فذهبت مع خالي أبي النجيب وكان يصلي بجنب الشيخ عبد القادر،فالتفت إلي الشيخ عبد القادر وقال يا عمر ما هو من زاد القبر . فعلمت انه يشير إلى دراسة علم الكلام فرجعت عنه.
مؤلفات الشيخ عبد القادر الجيلاني :
إن تأليف الشيخ عبد القادر الكيلاني في الغالب كتب مواعظ وإرشاد والموجود منها في المكتبة القادرية
المطبوعات
الغنية لطالبي طريق الحق عز وجل.
فتوح الغيب : وهو يحتوي على ثمان وسبعين موعظة مختلفة جمعت من قبل ولده الشيخ عبد الرزاق وفيها بعض المعلومات التي استخلصها من أبيه الشيخ عبد القادر الجيلاني لما كان على فراش الموت، ومنها ما يخص نسبه من أبيه.
الفتح الرباني : وهو يحتوي على اثنتين وستين موعظة ألفت خلال سنة 545هـ وسنة 546هـ 1150م وسنة 1152م.
سر الأسرار فيما يحتاج إليه الأبرار في التصوف.
الدلائل القادرية.
الحديقة المصطفوية – مطبوعة بالفارسية والأردية.
الحجة البيضاء.
الرسالة الغوثية.
عمدة الصالحين في ترجمة غنية الصالحين- بالتركية.
الفيوضات الربانية في المآثر والأوراد القادرية.
بشائر الخيرات.
المخطوطات :
الغنية لطالبي طريق الحق عز وجل.
ورد الشيخ عبد القادر الجيلاني.
حزب لابتهال.
كيمياء السعادة لمن أراد الحسنى وزيادة.
جلاء الخاطر من كلام الشيخ عبد القادر.
سر الأسرار فيما يحتاج إليه الأبرار.
تنبيه الغبي في رؤية النبي-نسخة مصورة بالفوتوغراف من مخطوطات مكتبة الفاتيكان.
المختصر في علم الدين – نسخة مصورة بالفوتوغراف.
مجموعة خطب.
أما مؤلفاته الأخرى التي وردت في كشف الظنون وهدية العارفين ومعجم المؤلفين وإيضاح المكنون وغيرها من المراجع الأخرى فهي :
تفسير القرآن بخط يده.
تحفة المتقين وسبيل العارفين.
الكبريت الاحمر في الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم
مراتب الوجود.
مواقيت الحكم.
الطقوس اللاهوتية.
وفاته ومرقده :
واستمر الشيخ عبد القادر رحمه الله عنه مثابرا في دعوته إلى الله تعالى وجهاده في سبيله ، حتى وافاه الأجل المحتوم ليلة السبت العاشر من ربيع الأخر سنة (561هـ)،فرغ من تجهيزه ليلا وصلي عليه ولده عبد الوهاب في جماعة من حضر من أولاده وأصحابه ، ثم دفن في رواق مدرسته ، ولم يفتح باب المدرسة حتى علا النهار واهرع الناس للصلاة على قبره وزيارته وكان يوما مشهودا، وبلغ تسعين سنة من عمره .
أولاده :
كان الشيخ عبد القادر رحمه الله قد أنجب عددا كبيرا من الأولاد ، وقد عنى بتربيتهم وتهذيبهم ، وتخرجوا على يديه في العلم وكان معظمهم من أكابر الفقهاء والمحدثين ، واشتهر منهم ثمانية ، وكان في طليعتهم الشيخ عبد الوهاب الذي درس بمدرسة والده في حياته نيابة عنه ، وبعد والده وعظ وأفتى وتخرج عليه جماعة من الفقهاء ، وكان عالما كبيرا حسن الكلام في مسائل الخلاف له لسان فصيح في الوعظ وكان ظريفا لطيفا ذا دعابة وكياسة وكانت له مرؤة وسخاء وقد جعله الإمام الناصر لدين الله على المظالم فكان يوصل حوائج الناس إليه ، وقد توفي سنة 573 هـ ودفن في رباط والده في الحلبة.
وكان منهم الشيخ عيس الذي وعظ وأفتى وصنف مصنفات منها كتاب (جواهر الأسرار ولطائف الأنوار) في علم الصوفية ، قدم مصر وحدث فيها ووعظ وتخرج به من أهلها غير قليل من الفقهاء ، وتوفي فيها سنة 573 هـ ومنهم الشيخ عبد العزيز وكان عالما بهيا متواضعا وعظ ودرس وخرج على يديه كثير من العلماء وكان قد غزا الصلبين في عسقلان وزار القدس الشريف ورحل جبال الحيال وتوفي فيها سنة 602هـ وقبره في مدينة (عقره) من أقضية لواء الموصل في العراق.
ومنهم الشيخ عبد الجبار تفقه على والده وسمع منه وكان ذا كتابة حسنة سلك سبيل الصوفية ودفن برباط والده في الحلبة .
ومنهم الشيخ عبد الرزاق وكان حافظا متقنا حسن المعرفة بالحديث فقيها على مذهب الإمام احمد بن حنبل ورعا متدنيا منقطعاً في منزله عن الناس، لا يخرج إلا في الجمعات مقتنعا باليسير منتفعا عما في أيدي الناس، وتوفي سنة 603هـ . ودفن بباب الحرب في بغداد.
ومنهم الشيخ إبراهيم تفقه على والده وسمع منه ورحل إلى واسط في العراق وتوفي بها سنة 592هـ
ومنهم الشيخ يحيى وكان فقيها محدثا انتفع الناس به ، ورحل إلى مصر ثم عاد إلى بغداد وتوفي فيها سنة 600هـ ودفن برباط والده في الحلبة .
ومنهم الشيخ موسى تفقه على والده وسمع منه ورحل إلى دمشق وحدث فيها واستوطنها وعمر بها على يديه غير واحد من الفقهاء ، ثم انه رحل إلى مصر وعاد إلى دمشق وتوفي فيها وهو أخر من مات من أولاده .
المدرسة القادرية والمسجدالجامع:
ولقد امتدت أيدي التخريب والتعمير إلى مدرسة باب الازج ومسجدها مرارا عديدة خلال العصور المتعاقبة ، فقد نالها التخريب على أيدي المغول عند غزو بغداد من قبلهم في القرن السابع الهجري ، وعمرت بعد ذلك على أيدي من اسلم من سلاطين المغول ، ونالها التخريب مرة أخرى على أيدي الصفويين من شاهات إيران بعد استيلائهم على بغداد في القرنين العاشر والحادي العشر الهجريين وعمرت بعد ذلك على أيدي السلاطين العثمانين بعد استعادتهم لبغداد من أيدي الصفويين.
وقد بنيت المدرسة والمسجد مجددا واتخذا وضعهما الأخير في عهد السلطان مراد الرابع العثماني سنة 1048هـ وأطلق عليها اسم جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني.
المكتبة القادرية:
مكتبة المدرسة القادرية العامة ، خزانة من خزائن كتب العهد العباسي في بغداد ، يرتقي تاريخها إلى أوائل القرن السادس الهجري وأوائل القرن الثاني عشر الميلادي ، حيث أنشئت لأول مرة ضمن مدرسة علمية على المذهب الحنبلي ، وكان قد وضع نواتها الأولى مؤسس المدرسة أبو سعيد المخزومي وعرفت باسم (مدرسة المخزومي) ثم زاد عليها أهل العلم من بعده ، منهم أبو الحسن علي بن عساكر بن المرحب بن العوام البطائحي الذي عاش مابين سنة 489 وسنة572 هـ ومابين سنة 1095و1176م.
وفعل مثله الشيخ أبو الحسن أيوب الحارثي المتوفي سنة 572هـ 1176م . وهذه المدرسة هي أقدم مدارس الحنابلة ببغداد ، وأعظمها شأناً ، وأكثرها أوقافا ، وأطولها عمرا.
وبهذا يمكننا القول بأن أول من وضع نواة هذه المكتبة هو المبارك بن علي بن الحسن أبوسعيد المخزومي ولد سنة 446هـ 1054م ، سمع الحديث من أبي الحسين ابن المهتدي وأفتى ودرس وجمع كتباً كثيرة لم يسبق ان جمع مثلها وناب في قضاء بغداد كان حسن السيرة ، جميل الطريقة شديد الأقضية ، بنى مدرسة بباب الأزج شرقي بغداد ثم عزل عن القضاء سنة 511هـ 1117م وتوفي في 12 محرم سنة 513هـ 1119م وصلى عليه في عدة مواضع ودفن قبل صلاة الجمعة إلى جانب أبي بكر الخلال قرب تربة الإمام أحمد بن حنبل بباب حرب بالجانب الغربي من بغداد.
برغم إننا قلنا بأن واضع نواة المكتبة القادرية هو المبارك بن علي المخزومي آلا إن الشيخ عبد القادر رحمه الله ليعتبر المؤسس الحقيقي لهذه المكتبة لهذه المكتبة لما كان له من أثر بالغ ي نفوس الناس وإقبالهم على رفد هذه المكتبة بما لديهم من الكتب والمؤلفات والوقفيات في حياته وبعد وفاته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى