الاسلاميات

هل الرسول بشرا بقلم الشيخ موسى الهلالى

احجز مساحتك الاعلانية

: الأمر الأول: الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بشرا مثلنا .
ج: هذه الكلمة مجملة تحتمل حقا وباطلا، فإن أريد بها إثبات البشرية للنبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس مماثلا للبشر من كل وجه، بل يشاركهم في جنس صفاتهم فيأكل ويشرب ويصح ويمرض ويذكر وينسى ويحيا ويموت ويتزوج النساء ونحو ذلك ويختص بما حباه الله به من الإيحاء إليه وإرساله إلى الناس بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا – فهذا حق، وهو الذي شهد به الواقع وأخبر به القرآن، قال الله تعالى: { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } (1) فأمره أن يخبر أمته بأنه بشر مثلهم إلا أن الله اصطفاه لتحمل أعباء الرسالة وأوحى إليه بشريعة التوحيد والهداية، وقال تعالى في بيان ما جرى من الحوار بين الرسل وأممهم: { قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } (2) { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } (3)
__________
(1) سورة الكهف الآية 110
(2) سورة إبراهيم الآية 10
(3) سورة إبراهيم الآية 11
فأقر الرسل بأنهم بشر مثلنا ولكن الله من عليهم بالرسالة فإن الله سبحانه يمن على من يشاء من عباده بما شاء ويصطفي منهم من أراد؛ ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور، ومثل هذا في القرآن كثير.
وإن أريد به أن الرسول ليس بشرا أصلا أو أنه بشر لكنه لا يماثل البشر في جنس صفاتهم بوجه ما من الوجوه، بل يختلف عنهم اختلافا كليا في كل صفة من صفاتهم؛ فهذا باطل يكذبه الواقع، وكفر صريح لمناقضته لما صرح به القرآن من إثبات بشريتهم ومماثلتهم للبشر فيما عدا ما اختصهم الله به من الوحي والنبوة والرسالة والمعجزات.
وإن أريد أنه ليس مثل البشر من جهة أنه يعلم الغيب أو كامل القدرة فيجيء الكلام عليه في الجواب عن الأمر الثاني والثالث.
وإن أريد غير ذلك فعلى من يتكلم بمثل هذه الكلمات أن يعرب عن مراده ويبين قصده ليبحث معه فيه.
وعلى كل حال لا يصح إطلاق هذه الكلمة نفيا ولا إثباتا إلا مع التفصيل والبيان؛ لما فيها من اللبس والإجمال، ولذا لم يطلقها القرآن إثباتا إلا مع بيان ما خص به رسله، كما في الآيات المتقدمة
وكما في قوله تعالى: { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ } (1) { الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } (2)
وكما يخشى من التعبير بمماثلتهم للبشر بإطلاق: انتقاص الرسل، والتذرع إلى إنكار رسالتهم؛ يخشى من نفي المماثلة بإطلاق: الغلو في الرسل، وتجاوز الحد بهم إلى ما ليس من شأنهم، بل من شؤون الله سبحانه. فالذي ينبغي للمسلم التفصيل والبيان؛ ليتميز الحق من الباطل والهدى من الضلال.
الأمر الثاني: الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب.
الجواب: علم الغيب مما استأثر الله به، قال الله تعالى: { قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } (3) وقال تعالى: { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } (4) وقال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } (5)
__________
(1) سورة فصلت الآية 6
(2) سورة فصلت الآية 7
(3) سورة النمل الآية 65
(4) سورة الأنعام الآية 59
(5) سورة لقمان الآية 34
وقال تعالى: { قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } (1) وقال تعالى: { قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ } (2) إلى غير هذا من الآيات التي تدل على أن الله سبحانه استأثر بعلم الغيب، لكن يطلع الله بعض عباده كالرسل والملائكة على بعض المغيبات، فيعلمون منها بقدر ما أعلمهم الله فقط. قال تعالى: { قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا } (3) { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا } (4) { إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا } (5) وقال تعالى في بيان ما يصيب الملائكة من الغشي عند سماع كلامه تعالى وما يكون من أمرهم بعد أن يزال عنهم الفزع: { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } (6) وروى البخاري في صحيحه من طريق عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله : » (8) ،
__________
(1) سورة الأعراف الآية 188
(2) سورة الأحقاف الآية 9
(3) سورة الجن الآية 25
(4) سورة الجن الآية 26
(5) سورة الجن الآية 27
(6) سورة سبأ الآية 23
(7) الإمام أحمد (2 / 24، 52، 58، 122)، والبخاري ]فتح الباري[ برقم (1039، 4627، 4697، 4778، 7379)، قال في ]الدر المنثور[ (3 / 15): وأخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه.
(8) سورة لقمان الآية 34 (7) { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }
وذكر مسلم حديث عمر بن الخطاب الذي فيه: أن جبريل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان، ثم سأله عن الساعة، فقال صلى الله عليه وسلم: « ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربتها فذاك من أشراطها، وإذا كان الحفاة العراة رؤوس الناس فذاك من أشراطها في خمس لا يعلمهن إلا الله: » (2) .
وفي الحديث الصحيح أن أم العلاء الأنصارية -وكانت ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم- أخبرته أن عثمان بن مظعون طار لهم في السكنى حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين، قالت أم العلاء : فاشتكى عثمان رضي الله عنه عندنا فمرضته حتى إذا توفي وجعلناه في أثوابه، فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب ، شهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) ]مسلم بشرح النووي[ (1 / 150)، وأبو داود برقم (4695)، والترمذي برقم (2613)، والنسائي (8 / 97)، وابن ماجه برقم (63).
(2) سورة لقمان الآية 34 (1) { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }
« وما يدريك أن الله أكرمه ، قالت: قلت: لا أدري بأبي أنت وأمي يا رسول الله فمن؟ قال: أما هو فقد جاءه والله اليقين، والله إني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي » (1) ، وفي رواية: « والله ما أدري وأنا رسول ما يفعل به » (2) الحديث، وفي البخاري ومسلم من طريق ابن عباس قال: « سئل رسول الله صلى عليه وسلم عن أولاد المشركين، فقال: الله إذ خلقهم أعلم بما كانوا به عاملين » (3) . والنصوص من الكتاب والسنة في هذا المعنى كثيرة، وهي صريحة في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم من الغيب إلا ما أوحى الله به إليه وعلمه إياه.
الأمر الثالث: الرسول صلى الله عليه وسلم كامل القدرة .
الجواب: إن أريد بكمال قدرة الرسول صلى الله عليه وسلم الكمال النسبي بالنظر إلى بني جنسه من البشر فهو مسلم به، وإن أريد به الكمال المطلق فهو باطل، وغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم وتشبيه للمخلوق بالخالق؛ لأن الكمال المطلق في القدرة ونحوها من اختصاص الله جل شأنه، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقدرته محدودة مستمدة من الله وليست له من ذاته؛ ولذا تفاوتت قوة وضعفا في صحته ومرضه، وأمره الله أن يقول للكفار حين طلبوا منه الآيات { إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ } (4)
__________
(1) صحيح البخاري التعبير (6615),مسند أحمد بن حنبل (6/436).
(2) الإمام أحمد (6 / 436)، والبخاري ]فتح الباري[ برقم (2687، 3929) واللفظ له.
(3) البخاري ]فتح الباري[ برقم (1383، 1384، 6597، 6598، 6600)، و ]مسلم بشرح النووي[ (16 / 209).
(4) سورة الأنعام الآية 109
وأمره الله أن يقول لهم حينما استعجلوا العذاب: { لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } (1) إلى غير ذلك مما يدل على أنه عليه الصلاة والسلام ليس له الكمال المطلق قوة واقتدارا وإنما ذلك إلى الله وحده، ومن ذلك الحديث الصحيح الذي فيه: « إنه سقط عن فرسه وجحش شقه حتى صلى بالناس جالسا » (2) وحديث إصابته في غزوة أحد ، وفي ذهابه للطائف قبل الهجرة للدعوة إلى التوحيد، ففي [ صحيح البخاري ] عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « اشتد غضب الله على قوم أدموا وجه نبي الله صلى الله عليه وسلم » (3) ، وفيه عن سهل بن سعد وهو يسأل عن جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: « أما والله إني لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان يسكب الماء وبما دووي، قال: كانت فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسله وعلي يسكب الماء بالمجن، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها وألصقتها فاستمسك الدم » (4) . وكسرت رباعيته يومئذ وجرح وجهه وكسرت البيضة على رأسه، فلو كان له صلى الله عليه وسلم كمال القدرة لما قدر أحد من أعدائه على إيذائه بجرح وجهه
__________
(1) سورة الأنعام الآية 58
(2) صحيح البخاري الصلاة (371),صحيح مسلم الصلاة (411),سنن الترمذي الصلاة (361),سنن النسائي الإمامة (832),سنن أبو داود الصلاة (601),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1238),موطأ مالك النداء للصلاة (306),سنن الدارمي الصلاة (1256).
(3) الإمام أحمد (3 / 99، 178، 179، 201، 206)، والبخاري ]فتح الباري[ برقم (4073، 4074، 4076)، و ]مسلم بشرح النووي[ (12 / 149، 150)، والترمذي برقم (3005، 3006).
(4) صحيح البخاري المغازي (3847),صحيح مسلم الجهاد والسير (1790),سنن الترمذي الطب (2085),سنن ابن ماجه الطب (3464),مسند أحمد بن حنبل (5/334).
وكسر رباعيته وكسر البيضة على رأسه.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى