بقلم : سيدمحمد الياسري
حكوا لنا ، إن لرجل فرساً أصيلةً ، أراد لصا ان يسرقها ، فصعب عليه الامر ، ان يدخل قرية الرجل ، ومن ثم بيته ، لما فيها من حرس ( النواطير) يحيطونها من السرقة ، فنصب له شركا من الحيلة والدهاء ، واخذ يتابع حركاته وذهابه وايابه ، وذات يوم قعد في طريق الرجل وهو يمتطي فرسه ، واخذ يتلوى بين المقعد والمجلس والانبطاح والتلوي والصريخ والتألم ، فوقف الرجل يسأله ويعرض عليه المساعدة ، واللص يرفض ، بحجة انه لا يقدر ان يجعله يسير وهو يمتطي الفرس لحين الوصول الى الطبيب ، أو اهله ، الا ان الرجل اصر على اللص ونزل من فرسه وقال : سأسير خلفك وامتطي الفرس لانك مريض ! وجاءت فرصة اللص ، وأمتطى الفرس وخلفه الرجل ، وأماط اللثام عن حقيقته وأغار الفرس ، وصاح اللص : وأخيرا حصلت عليها!
فصاح خلفه الرجل : هنيئاً لك الفرس الا اني اطلب منك طلباً ان لا تخبر احدا بطريقة السرقة ؟
تعجب اللص ومن بعيد صاح : وما يهمك من طريقة السرقة ؟
فقال الرجل : حتى لا تقطع سبيل المعروف .
استدرك اللص ان كل شخص مهما كان لابد له من المساعدة، وان هناك قيم لا يمكن التلاعب بها والاحتيال فيها ، وخاصة المرض ، فأعاد الفرس ، وأعتذر!
حتى في السرقة ، عندما تكون الحيلة ، بالانسانية ! تصعب في زمان الاباء ان تتخذ وسيلة ، فما بال زماننا، الذي اتخذت الانسانية مطية السرقة والحيلة مدعاة الفضيلة ، فبات الصدق ، في محك الشك والريب الذي لاينفك من اي عمل ، من يساعد الايتام اخذت وسيلة المساعدة لاهداف يروم بها لوجه المجتمع او لتحسين وجهه في المجتمع ، واختفى الوجهان الاساسيان : وجه الله ، والضمير ( الانسانية).. أصبح الكذب لون من الوان الحياة المألوفة والتي تتم القبول بها على الرغم ان الكذب فيه واضح ! واصبح الدين مطية للصوص وكأن الناس كانت تنظر للدين نظرة العلياء ، والشرف ، حتى لبسوا اللصوص ثوبه! ولم تكن هذه الظاهرة غير مألوفة تاريخيا ! وابسط ما يكون واقرب عصرا لثورة الايرانية التي قادتها المؤسسة الدينية حتى ان صحفيا سأل الخميني : لماذا اصحاب العمامة ( رجال الدين ) أصبحوا لصوصا ؟ فأجاب بهدوء معللا للظاهرة : إن اللصوص لبسوا العمامة وليس المعممون اصبحوا لصوصا؟ اي ان الحيلة في اللصوص هي التي جعلتهم يعملوا هكذا ؟ واجتازوا تلك المرحلة ولازال العراق لم يتقدم خطوة في علاج ذلك بل بقوا اللصوص يقطعون سبل المعروف بكل الحيل ، ولعل ابرز حيلة عندما صاروا ببدلة السياسة ؟ واخذوا يسرقون من دون رقيب ، والا ما تفسير لص يتهم بشهود وهو فقير فاصبح ملياردير بين ليلة وضحها ولص تصدر براءته بساعة ! بينما طفل لايشمله القانون على باكيت كلنس قيمته ١٠٠٠ دينار عراقي ( مايعادل ٨٠ سنتا) يسجن ويحاكم ، علما ان الـ ١٠٠٠ دينار شرعا سقط من حكم اللقيطة ! لضعف قيمته !
وبنفس المحكمة تبريء فلاح السوداني وزير التجارة الذي سرق المليارات من قوت الشعب ! مفارقة الحيل التي قطعت كل معروف وجعلت المواطن يفقد الثقة بالقضاء والساسة حتى ان نسبة المشاركين بالانتخابات اخذت تزداد بين التساوي او الاكثرية مع المشاركين ! لان اللصوص امتهنوا مهنة الحيلة وامتطاء السياسة ، ان كان بصورة رجل الدين ! او الانسان ! وكلاهما بعيدان …
ظاهرة الاحتيال اخذت في المجتمع وبدأت تتغلغل الى الاسر ، واخذت وحدة المجتمع تتفكك ، فلا مريض تصدق به الناس ، بسبب اتخاذ بعض المؤسسات والقنوات الفضائية بجمع تبرعات للمرضى الا ان مايصل الى المريض لا يساوي الا صورة تتمثل بطابع الدعاية وجلب الاموال ! التي اختفت فيها العنوان الرئيسي، يمينك لا تعلم بيسارك! اخذت الناس عندما يساعدها شخص تسأل : لماذا ساعدنا ؟ وماذا يريد ؟
الأحسان وطيب اللسان اخذا ينطوي عليهما اللص ، فتراه يخدمك بجمال العبارة وحسن الاخلاق ، وما من فرصة حتى ينقض ويسرق ، ليترك اثرا بكل جمال هل حقا هذا الرجل طيبا ! هكذا اصبح السلام وحلاوة الكلام والطيبة في محك التصديق والتكذيب ! مجتمع اخذ ينقاد الى الحضيض بين قادة من اللصوص ، صاروا حكاما وقضاة ومسؤولين وتجارا وعلماء ؟ واصبح مصداق الغضب علينا يقترب لان مترفوا هذه البلاد ليس فساقا وحسب بل اجتمعت فيهم الرذيلة حين لبسوا رداء الحق للباطل والتقى للسرقة والانسانية للاحتيال..