عندما عُين إبراهيم رئيسي، المعروف الجزارمجزرة صیف عام 1988، رئيساً للسلطة التنفيذية بعد مسرحية الانتخابات عام 2021، لم يقدم له الولي الفقیة علي خامنئي التهنئة. لم يُذكر حتى بعبارة “حفظه الله” البسيطة التي قالها لمسعود پزشکیان، الرئيس الجديد المعين. بدلاً من ذلك، أشاد خامنئي بالشعب الإيراني لمشاركته: “الشعب الإيراني العظيم! إن مشاركتكم البطولية والحماسية في انتخابات 18 يونيو 2021 أضافت صفحة مشرقة أخرى إلى إنجازاتكم.” وذلك رغم أن نسبة المشاركة حسب الإحصائيات المبالغ فيها للنظام كانت الأدنى بنسبة 48% مقارنة بالانتخابات السابقة. ولكن، أكد خامنئي أن پزشکیان يجب أن يتبع مسار رئيسي: “… خامنئي، في رسالة، شكر فيها الشعب وهنأ مسعود پزشکیان، الرئيس المنتخب، قائلاً إن عليه أن يستمر في طريق الشهيد رئيسي” (موقع جوان أونلاين، 7 يوليو 2024). صعوبة الطريق لرئيس ظهر مفاجئا انتهت المسرحية الانتخابية التي أصبح فيها پزشکیان “فجأة” رئيساً، لكن الصراعات الداخلية بين الفصائل المافياوية الحاكمة دخلت مرحلة جديدة. قبل أن يتمكن الرئيس المنتخب حديثاً من دخول مبنى الحكومة، سُحبت السيوف، وطالب خامنئي بوحدتهم. ولكن كما أشار خبير الحکومي: “الصراع بين المستفيدين الاقتصاديين والسيطرة على السلطة ليس أمراً يمكن التسامح معه.” القضية الرئيسية التي تهز أركان النظام هي الأزمات المتعددة التي تمزق نسيج الحكم الديني منذ سنوات. و يجد پزشکیان، الذي فُرض عليه منصب الرئيس بشكل مفاجئ، نفسه مرتبكاً بسبب التعقيدات التي دخل فيها: “أحد نتائج أن تصبح رئيساً فجأة هو أن جميع القوى السياسية، سواء الحلفاء أو النقاد، يطالبون بحصتهم منه. ووصلت الأمور إلى حد أنهم يعطون پزشکیان توجيهات ويقترحون أنه إذا كان يريد حكومة هادئة، فيجب أن يشمل جميع القوى في مجلس الوزراء والإدارة. الرئيس المفاجئ لديه مشاكله الخاصة” ( صحیفة جهان صنعت، 20 يوليو 2024). تحليل نقدي بناءً على قوانين التفكير المنهجي لا تُعتبر المشكلة الرئيسية هنا هي النضال من أجل البقاء للمخلوقات منذ العصور القديمة التي أُلقيت في عصر الجيولوجيا السياسية الجديدة، بل وفقًا لقوانين الظواهر الطبيعية والاجتماعية، فإن أي نظام يفشل في تلبية احتياجاته الأساسية للحياة والنمو والتطور سيواجه حتمًا الانقراض ويُرسل إلى متحف التاريخ. کما قيّم خبيرالحکومي في النظام الفاسد منهجيا ظروف النظام المزرية، قائلاً: “بحلول نهاية الحكومات المتعاقبة في النظام الديني، تدهورت مؤشرات التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية للبلاد بشكل كبير!” (صحیفة جهان صنعت، 20 يوليو 2024). حلل عدم الكفاءة وفشل الإدارات المتعاقبة، مشيراً إلى الفروق بين التفكير البسيط والمعقد في حل المشكلات الحالية. “يرتبط جذر جميع المشاكل في إيران ارتباطًا وثيقًا بـ ‘العالمية والإيديولوجية الرسمية للحكومة [ولاية الفقيه]’… يجب أن تنبع الحلول من الإرادة والرغبة طويلة الأمد للشعب الإيراني”، أشار الخبير. كما انتقد الحلول الاقتصادية الصرفة التي اقترحها كبار خبراء النظام، متجاهلين الطبيعة الرجعية للفاشية الدينية. وأكد الخبير أن الحلول المقدمة من قبل الاقتصاديين مثل فرشاد مؤمني وحسين راغفر، دون معالجة الفساد المتأصل في النظام، تقع ضمن ‘الأسباب الاجتماعية’. واستنتج: “لأن هؤلاء الاقتصاديين لا يتحدون الإيديولوجية الدينية الحاكمة [ولاية الفقيه]، فمن المتوقع أن حلولهم المقترحة لن تحل المشكلة.” وعلاوة على ذلك، يظهر الفساد النظامي بأشكال مختلفة مثل مافيا الاستيراد، الاختلاسات بمليارات الدولارات، تهريب السلع، العملات، الذهب، نقل السلع تحت الأرض، تهريب المخدرات، والتعيينات السياسية الواسعة النطاق من قبل العصابات المافياوية المرتبطة بالنواة الصلبة للسلطة. وبالتالي، فإن معالجة الفساد المنهجي تتجاوز قدرة الرئيس وترتبط مباشرة بإرادة خامنئي، حيث أن أي اختلاس كبير يتطلب تنسيقًا بين عدة وكالات حكومية مثل وزارة المخابرات، استخبارات الحرس، حماية استخبارات القضاء، الشرطة، الطيران، وما إلى ذلك. “من الواضح أن الرئيس ليس له سيطرة على أي منها!” أشار الخبير. إذن، كيف من المفترض أن يتم حل مشكلة الفساد بناءً على الحلول المقترحة؟ ويعتقد المحلل في النظام الفاسد منهجيا أن “انتعاش اقتصاد إيران من الأزمات الكبرى الحالية يتطلب انفصالًا، إعادة خلق، وتجديد.” هذا الانفصال والتجديد هو في الأساس مرادف للثورة والتغيير الجذري، لتحل النظام المتداعي والفوضوي بنظام ديناميكي، حي وفعال. وإلا، فإن شخصيات مثل پزشکیان، رئيسي، روحاني، أحمدي نجاد، وخاتمي قد أضافوا فقط إلى الإنتروبيا الإيجابية للنظام المغلق والرجعي لحكم ولاية الفقيه المطلق، مما يؤدي إلى نهايته الحتمية وفقًا لقوانين الأنظمة. هذا ما يخشاه خامنئي، حيث يرى أحلامه المحطمة في الانتفاضات الحتمية للشباب والنساء الإيرانيين والمقاومة المنظمة الجاهزة في الساحة. يكشف عدم محاسبة خامنئي وغيره من المسؤولين الفاسدين والقمعيين، والسياسات التدميرية المعادية للشعب التي أدت إلى تدهور الإنتاج وتقليل قيمة العملة الوطنية، هيكل الحكومة المتخلف والفاسد وغير المنسق، تعدد مراكز السلطة واتخاذ القرار، التدمير الثقافي، البطالة المتزايدة، التضخم الجامح، والانقسام الطبقي الرهيب بين خط البقاء والأثرياء المليارديرات، أن هناك نظاماً جديداً وديناميكياً في الأفق.
جرائم لايطويها التقادم الزمني
سعى ويسعى النظام الايراني وعلى مر ال45، عاما المنصرمة، الى التغطية والتستر على الجرائم الفظيعة التي قام بإرتکابها ولاسيما مجزرة إبادة آلاف السجناء السياسيين في عام 1988، وتباينت مساعيه هذه إذ إنه من جانب يسعى لإنکار تورطه بإرتکاب تلك الجرائم وحتى إنه قام بإنکار الفتوى الدموية التي أصدرها الخميني بإبادة 30 ألف سجين سياسي، ومن جانب آخر يوجد إعتقاد لدى النظام الايراني مفاده إن جرائمه ومجازره الدموية تلك ستنتهي مفعوليتها بموجب عامل التقادم الزمني، ولکن الذي فات ويفوت هذا النظام إن تلك الجرائم يوجد من تابعها ويتابعها عن کثب والاهم من ذلك إنه قد قام بتوثيقها فلم يعد من السهل أبدا الافلات من تبعاتها والعقوبات المترتبة عليها. في يوم الاثنين الماضي، ال22 من تموز2024، دعا المقرر الخاص المستقل للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في إيران جاويد رحمن، الى تحقيق دولي في سلسلة “جرائم وحشية” و”إبادة” ارتكبتها إيران على صلة بعملية تطهير استهدفت معارضين والأقلية البهائية في ثمانينيات القرن الماضي. وأضاف في بيان صادر عنه:” يجب ألا تكون هناك أي حصانة في مواجهة هذا النوع من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بغض النظر عن التاريخ الذي ارتُكبت فيه”، مشددا على أنه “لا يجب أن يسمح للنظام الإيراني وقادته بأن يفلتوا من عواقب جرائمهم ضد الإنسانية والإبادة” وأکد رحمن الذي ستنتهي ولايته في 31 من الشهر الجاري، في تقريره المفصل الذي نشره يوم الاثنين أن”الفظائع التي ارتكبت من عمليات إعدام بإجراءات موجزة وتعسفية وخارج نطاق القضاء في الأعوام 1981-1982 و1988 ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية من خلال القتل، فضلا عن الإبادة الجماعية”. وکشف رحمن دموية الجرائم الفظيعة التي قام بإتکابها النظام الايراني والتي تجاوزت کل الحدود وتمادت في قسوتها المفرطة أن”عمليات الإعدام شملت نساء – بعضهن قد يكن تعرضن للاغتصاب قبل إعدامهن – والعديد من الأطفال”. وتابع “شملت الجرائم ضد الإنسانية أيضا السجن والتعذيب والاختفاء القسري” وشدد الخبير على أن “الاستمرار في إخفاء مصير آلاف المعارضين السياسيين ومصير رفاتهم يرقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية من خلال الاختفاء القسري”، داعيا إلى إجراء تحقيق شفاف ونزيه بموجب القانون الدولي. جرائم ومجازر النظام الايراني التي ذکر هذا التقرير قسم منها فيما بقي الکثير منها غير مذکورا ولم تسلط عليه الاضواء، فإنها تثبت مدى إيغال هذا النظام في إرتکاب جرائمه ولايردعه شئ بهذا الصدد، ولکن من المهم جدا هنا إن جرائم هذا النظام ليست مجرد جرائم عادية يمکن أن يطويها عامل التقادم الزمني کما يسلي ويواسي النظام نفسه بذلك، بل إنها وهذا هو الاهم موثقة ومختزنة في أعماق الذاکرة الانسانية وفي عقل وذاکرة وضمير الشعب الايراني.