مقالات واراء

دود نهر النيل والأثر علي البيئة

كَتَب/مهندس . محمد علي

يرفدُ النيلَ نهرانِ رئيسيانِ: النيلُ الأبيضُ والنيلُ الأزرقُ، حيث ينبعُ الأولُ في منطقة البحيرات العظمى في وسط أفريقيا من جنوب رواندا، ويجري من شمال تنزانيا إلى “بحيرة فيكتوريا“، إلى أوغندا ثم جنوب السودان، بينما يبدأ الثاني في “بحيرة تانا” في أثيوبيا ثم يجري إلى السودان من الجنوب الشرقي ليقترن الرافدان بالقرب من مدينة الخرطوم. ومن هنا تحتفظ دول المصب بحصة ثابتة من المياه أمام السد العالي (84 مليار م3) تأتي منها 85% من الهضبة الإثيوبية ويأتي 15% من الهضبة الاستوائية وجنوب السودان. وعلى ذلك يكون تأثير مشروعات الهضبة الإثيوبية والسودان وجنوب السودان بنسبة 90% على مصر، أما تأثير مشروعات الهضبة الاستوائية فلا يشكل سوى 10% علي حصة كل من مصر والسودان وجنوب السودان.يحكم تحويل مجرى النهر لتسهيل بناء جسم السد اعتبارات فنية وهندسية وجغرافية، وهى عملية مؤقتة (Bypass) لا تؤثر على جريان النهر ويعود بعدها لمجراه الطبيعي، بينما الذي يؤثر مرحلياً بالسالب على حصة المياه العابرة للحدود في اتجاه جريانه، هو طول زمن حجز مياه النهر لصالح خزان السد حتى يمتلئ، وبعد ذلك يتوقف مقدار النقص المستمر في المياه بالدول الأخرى على السياسة التشغيلية للسد لإنتاج الكهرباء وتلبية احتياجات الزراعة والاستخدامات الأخرى، مع الأخذ في الاعتبار حصة دول المصب من المياه. ولا تستطيع القدرة التصميمية والإنشائية لبناء السدود العملاقة على نهر النيل وروافده ـ حسب نتائج الجغرافيا البيئية ـ حبس المياه عن دولة دون أخرى، فمن المؤكد أن مجرى النهر قَدَرٌ من المحال تغييره، إلا في نطاق محدود لا يتعدى بضعة كيلو مترات، إذ لابد أن تجد مياه النهر طريقها الطبيعي، بدلالة الفرق في الانحدار وقوة تدفقها للوصول إلى مصبها البحري. ومن ناحية تعظيم الفائدة لتقليل التأثير البيئي للفيضانات في مجاريها السفلية يرجح أن تبنى السدود في أعالي الأنهار وإن ارتفعت تكلفتها الرأسمالية حسب أسس ومعايير معاملات الأمان لسيناريوهات انهيار جسم السد تحت تأثير كافة الظروف. لا جدال في حق دول حوض النيل في العائد الاقتصادي والاجتماعي لبناء السدود العملاقة داخل أراضيها لتقليل الفجوة المائية والغذائية والتنموية من أجل رفاهية شعوبها، وكانت مصر قد قامت ببناء السد العالي (1971م) وشيدت السودان سد مروي (2010م) وتنوي إثيوبيا إقامة سلسلة من السدود منها سد النهضة (2018م) وكذلك أوغندا وتنزانيا وغيرها في المستقبل. تنظم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية استخدامات المياه بما يحافظ على بقاء الدول المعتمدة بالكامل على النهر وآخرها (اتفاقية 1959م) بين مصر والسودان، ولكن مع ظهور التكتلات اللوجستية لتعظيم الاستفادة من مياه النهر وإعلان اتفاق عنتيبي (2010م) الذي يلغي اتفاقيات توزيع مياه النيل خلال المرحلة الاستعمارية ويعيد تخصيصها بما يخدم مطالب دول المنبع وتطوير موارد النهر المائية، تطورت الأزمة لغياب مبدأ التوافق الذي اختلفت عليه دول الحوض.

زر الذهاب إلى الأعلى