خلف دلف الحديثي
حَدّقْ بمرآتي أراكَ وَرَائيا
وأراكَ ظِلّاً ضَاعَ فيهِ أمَاميا
وأراكَ وَجْهاً بانتهاءاتِ الأنا
وأنا وجوهٌ في الوُجوهِ أرانيا
شَكْلي تَعَثَّرَ في مسيرةِ روحِهِ
وطوَتْهُ في كَفَنِ الرّمالِ أمَانيا
كَفّي أباحَتْني ولاواني الأَذى
وأراقَ في طُرُقِ التّخلّفِ مَائيا
سترى عيونُكَ في دوائرِ صَمْتِها
شَكْلي لِتُنْجِبَ عنْ وراكَ تَمَاديا
وتَرُوحُ تبْحَثُ في فضاكَ لِجُرْحِها
خيْطاً لِتَشْكم بالجُروحِ خَوافِيا
هيَ لمْ تجدْ إلاكَ في أحضانِها
يَحْيا ويرْكضُ للشّواطئِ حَافيا
وطنٌ تراني فيكَ كنْتُ أُريدُني
فأنا وأنتَ ولا نُريدُ الثّانيا
عرّجْتُ نَحوَكَ فاكتشِفْ لي سَوْأتي
كُنْ لي ضِياءً كي تَراهُ حَياتيا
كنْ لي نبيّاً كي أكونَ رسالةً
وَكُنِ الوضوءَ لكي أُقيمَ صَلاتيا
وطنٌ منَ الأمواتِ يَحْملُ موْتَهُ
وبراحَتَيْهِ يَشيلُ قلباً دَامِيا
فتِّشْ تَرَاني رُبّما غَيْري أنا
أَمْشي بلا أملٍ وراءَ شِتائِيا
وَدَخَلْتُ جُبّكَ في قميصِ تَنَهّدي
وَقَطَعْتُ حَبْلي فارْتَميْتُ جِوَاريا
كُنْ لي الضّياءَ بهِ يُحاوِلُني المَتى
فيَدُسّ في جَيْبِ الشّرودِ هَنائيا
طلَّقْتُ أَشْيائي وَبعْتُ دَفاتري
ولأجلِ أنْ أبْقى إليَّ مُوَاسِيا
فدَفَنْتُ ما بَيْني وَبَيْنَ جَوَارحي
جَسَدي وَشَيَّعَني لِقَبري حَاليا
كَفّي بلا كَفٍّ أصَابِعُها ارْتَمَتْ
في بابِ حُزْني واحتَرَقْتُ بَناريا
أملي تَهاوَى واشْرَأبّتْ صَرْخةٌ
داسَتْ عليّ بها عرَفْتُ وَفاتيا
أذنَبْتُ لا إنّي بلا ذنْبٍ أنا
ما خنْتُني أو خنْتُ فيهِ إلهيا
أعْطَيْتُهُمْ كُلّي فأذّنَ بي دَمي
وأقامَ قدّاسَ الجُنوحِ بلاليا
قدْ بِعْتُهُمْ قلَمي وَبَعْضاً مِنْ يَدي
وَوَقفْتُ أبْحَثُ عنْ أَنا وظِلالِيا
ما شاهَدَتْ نَفْسي سِوَى نَفْسي التي
ماتَتْ وَشَيَّعَها إليّ ضَلالِيا
أدْمَنْتُ حبّي واكْتشَفْتُ بأنّني
سكّيرةٌ وازدَدْتُ فيهِ تَعَاطيا
مَجْنونَةٌ أَعْمَيْتُ قلبي دُونَهُمْ
وَسَجَنْتُني كي لا أعودَ لِذاتيا
وَنَسيْتُ عَيني لمْ أَبِعْها كي أرى
بَعْضي بِبَعْضِكَ يَسْتحيلُ تَفانيا
حدّقْ فوَجهُكَ واحدٌ أدري بهِ
سأراكَ في وَجْهي وَرَجْعُ نِدائيا
لوّنْتُني غيّرْتُ شَكْلَ مَلامِحي
حتّى رأيْتُكَ في الخَيالِ خَياليا
طرّزْتْ صَدْري في قلائدِ سَهْرَتي
وَلبسْتُ فُسْتانَ الجُنونِ الزّاهِيا
قَصّرْتُ ثَوْبي وانزوى دَنْتيلُهُ
وبدا لِبْعَضي كُمّ صَدْري عَاريا
مَعَهم أنا قدْ كنْتُ أحْمِلُ لُعْبةً
ولَهُمْ بدوْتُ بدوْتُ شَكْلا غَاويا
ما هَمَّهمْ ما بي وما قَرَأوا يدي
وَبدا غريباً بينَهم إحْساسِيا
لم يَنظروا حتّى لجَهْشَةِ عَبرتي
وأنا أُصارعُ في الصّراعِ وَفائيا
ما سَاءَهُمْ روحي تُشاقِقُ نزْعَها
وغدا هَواها مِنْ هَواها دامِيا
لمْ يعرفوا وَجْهي وَوَجْهي دمعةٌ
سقطَتْ وَضَيّعَتِ الطّريقَ الخاويا
وَسَيَرْحلونَ وأنْتهي مِنْ رِحلتي
ويظلُّ نَبْضي نحْوَ نَبْضي جاريا
أَدْري بأنّي في المفاتِنِ فِتنةٌ
وبأنّ وَجْهي ليْسَ يَبْدو كافيا
أدْري وَحَولي يَرْكضونَ كما الدّمى
يَتزاحَمونَ وَيَلْهثونَ عَواريا
أدْري بأنّهُمُ دُخانُ غَرائزٍ
مِنْهم يَسيلُ إذا عَرَضْتُ جَماليا
شَيْطانُهم منّي يُقيْتُ جُموحَهُ
وَيظلُّ مِنْ فَرْطِ التّشرْذُمِ باكيا
أنا غَيْمةُ المأوى أسيلُ على الثّرى
حِبْراً فأكْتُبُني نشيداً شاكيا
يَشْتَاقُني بَعْضي فأعْصُرُ قَطْرتي
لأرى جَفَافي يَسْتَحيلُ سَواقيا
مَطري حَزينٌ سالَ فوْقَ دُخانِهِ
كُحْلي فأنكرَ للجَمالِ جَماليا
منّي أعودُ إليّ حيْثُ يُحِيلُني
وَعْداً على وَترِ الرّبابةِ لاهيا
خلّيكَ صَمْتاً فيهِ أزرعُ كِلْمتي
وأرى مَكاني ليْسَ فيهِ مَكانيا
حرَّرْتُني منّي وَقَهْقَهَ لي فَمي
وَعَقَدْتُ في نَفْسي غِناءَ لِسانيا
حدّقْ فإنّكَ ما عَرَفْتَ حَقِيقتي
وَسِوايَ مَا مَرّتْ عليّ بباليا
وطنٌ منَ اللاءاتِ أُدرِكُ لُعْبتي
وأنا سؤالٌ ضاعَ فيهِ سُؤاليا
كَسّرتُ مِرآتي رأتْني عندَها
ورأيْتُ شَكْلي لسْتُ فيهِ أرانيا
خلّيكَ في المَنفى تُشيدُ سَعادةً
فأنا بقانوني أراكَ وَرَائيا