بقلم : إبراهيم خليل إبراهيم
كانت بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم المنة الكبرى ، والنعمة العظمى التي أسداها الله تعالى إلى الأميين بل إلى الخلق أجمعين ليُطهر المجتمع من أخلاق الجاهلية ويحل مكانها الفضائل الإنسانية التي جاء بها الإسلام فكان صلى الله عليه وسلم وهو الأمي يُعلم المؤمنين الكتاب والحكمة دونما الحصول على بكالوريوس أو ليسانس أو دكتوراه من جامعة بشرية .. وهذه معجزة من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فهداهم إلى الرشاد ونطقوا بالسداد وقد كانوا من قبل في ضلال مبين .
يقول تعالى فى سورة آل عمران : [[ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ]] الآية 164
فكانت المعجزة التربوية للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يغير طباع هؤلاء الناس وأخلاقهم ويبدل عاداتهم وسلوكهم وأن يصنع من هؤلاء الرجال على ما فيهم من بداوة وما بين قبائلهم من عداوة .. أمة متحابة بنور الإيمان .. متحضرة بتعاليم القرآن ولا شك أن صناعة الرجال من أهم الصناعات وصياغتهم في قالب سليم من أشق المهمات .
ما أجدر المسلمين وهم يسعون اليوم بخطى سريعة إلى نهضة جديدة لاستعادة حضارتهم الرشيدة أن يتدارسوا سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم في صياغة القلوب المؤمنة التي اجتمعت إليه وكون منهم الأمة الوسط التي حافظت على تراث الأنبياء والمرسلين فكانت خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله .. يقول تعالى : [[ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ]] البقرة / الآية 285 .
لقد كانت شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم في معاملة أتباعه تغرس في عقيدة كل منهم أن له المكان الآثر في قلب هذا القائد الكبير فيبادله حباً بحب حتى يصبح الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من والده وولده والناس .. كل الناس .. بل أحب إليه من نفسه حبا ممزوجاً بالطاعة والإجلال والتقدير والفداء ويصور ذلك قول رب العزة : [[ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ]] سورة النساء / 65 .
روى الترمذي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه ) وروى الترمذي عن الحسين ابن علي عن خاله هند بن أبي هالة ورواه الحسين عن أبيه عن ابن أبي طالب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( أبلغوني عن حاجة من لا يستطيع إبلاغها ) وكان يعطي كل جلسائه بنصيبه لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه .. من جالسه أو فاوضه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه .. ومن سأله حاجة لم يرد إلا بها أو بميسور من القول .. قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أباً ، وصاروا عنده في الحق سواء .. مجلسه مجلس حلم وأمانة وصبر .. لا ترفع فيه الأصوات .
هذه هى النواحي التربوية التي استعان بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في تكوين الطليعة الأولى للإسلام .
قبل الختام أقدم للقراء الكرام هذه القصيدة التى كتبها الإمام أبي حنيفة النعمان فى مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يا سيد السادات جئتك قاصدا
أرجو رضاك وأحتمي بحماك
والله يا خير الخلائق إن لي
قلبا مشوقا لا يروم سواك
وبحق جاهك إنني بك مغرم
والله يعلم أنني أهواك
أنت الذي لولاك ما خلق امرؤ
كلا و لا خلق الورى لولاك
أنت الذي من نور البدر اكتسى
والشمس مشرقة بنور بهاك
أنت الذي لما رفعت إلى السما
بك قد سمت و تزينت لسراك
أنت الذي نادك ربك مرحبا
ولقد دعاك لقربه و حباك
أنت الذي فبنا سألت شفاعة
ناداك ربك لم تكن لسواك
أنت الذي لما توسل آدم
من زلة بك فاز و هو أباك
وبك الخليل دعا فعادت ناره
بردا و قد خمدت بنور سناك
وبك المسيح أتى بشيرا مخبرا
بصفات حسنك مادحا لعلاك
وكذاك موسى لم يزل متوسلا
بك في القيامة محتم بحماك
والأنبياء و كل خلق في الورى
والرسل والأملاك تحت لواك .