وزير الثقافة الأسبق الدكتور محمد صابر عرب يكتب : متى يسقط المطر على الجولان ؟
في عام ٢٠١٣ أفرجت إسرائيل عن مجموعات مختارة من وثائق حرب أكتوبر ١٩٧٣ وقد نشرت الكثير منها علي الموقع الالكتروني للأرشيف الإسرائيلي ، البعض منها كان في غاية الأهمية ، وخصوصا محاضر الاجتماعات اليومية للقيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية ، من خلال المتابعة وتقييم العمليات العسكرية لحظة بلحظة ابتداء من يوم ٦ أكتوبر .
التقط هذا الحدث مجموعة من الياحثين المتخصصين في اللغة العبرية بإشراف الدكتور ابراهيم البحراوي أستاذ الأدب العبري بجامعة عين شمس ، ورغم أن الأرشيف الإسرائيلي قد وضع قيودا معقدة علي طبع واستنساخ هذه الوثائق ، إلا أن شباب الباحثين المصريين استطاعوا اختراق الموقع وتمكنوا من نسخ مجموعات كبيرة من هذه الوثائق التي عكفوا علي ترجمتها ، وقد صدر الجزء الأول منها من خلال المركز القومي للترجمة التابع لوارة الثقافة المصرية ، تحت عنوان : ” حرب ١٩٧٣ في الوثائق الإسرائيلية ” .
أعتقد آن الباحثين في الشئون العسكرية والسياسية والتاريخية سوف يقفون كثيرا عند قراءة هذه الوثائق التي تؤكد حجم الصدمة التي تلقتها الإدارة الإسرائيلية ليس فقط لعامل المباغتة التي أربكت الحكومة الإسرائيلية لكن الأهم هو حجم الخسائر البشرية والعسكرية التي اعترف بها الإسرائيليون من خلال هذه الوثائق ، لدرجة أن إسرائيل فقدت في يومين اثنين ٨٠٠ دبابة وقتل معظم طواقهما .
لعل من بين أهم هذه الوثائق محضر اجتماع برئاسة جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل وبحضور كل القيادات العسكرية والسياسية في صباح يوم ٩ أكتوبر ١٩٧٣ الساعة السابعة والنصف . وقد اعترف موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي وقتئذ بالهزيمة التي أربكت كل الخطط العسكرية الإسرائيلية ، وفي هذا الاجماع راح ديان يطرح خطته العاجلة نحو الاجهاز علي الجبهة السورية في الجولان أولا لكي يتفرغ لمواجهة الجيش المصري ، وفي هذا السياق أكد انه أصدر تعليماته إلي قيادة الجيش الإسرائيلي لكي ينتهي من حرب الجولان في ساعات قليلة ، وقد طرح فكرة مجنونة أراد من خلالها أن يحصل علي موافقة جولدا مائير في هذا الاجتماع ، وهي ضرب العاصمة دمشق في الوقت الذي تقود فيه القوات الإسرائيلية حربها في الجولان ، وحينما أرادت جولدا مائير أن تستفسر منه عن الهدف من ضرب دمشق ، قال صراحة انه يريد أن يحدث صدمة نفسية للسوريين وهي رسالة سوف يتفهمها المصريون بعناية ، لكن جولدا مائير ترددت كثيرا في تفويض وزير دفاعها بالقيام بهذه العملية المجنونة .
راحت جولدا مائير في هذا الاجتماع تقدم العديد من الدلائل علي رفض خطة ديان ، لعل أهمها ردود الفعل الدولية وخصوصا عند الرأي العام الأمريكي ، لكن ديان راح يعدل من خطته بالاكتفاء بضرب المواقع الاستراتيجية مثل محطات المياه والكهرباء ووزارتي الدفاع والخارجية ، وقد رفضت جولدا مائير هذا المقترح أيضا .
لقد راحت القيادة العسكرية الإسرائيلية تدرس كل الاحتمالات ، ومن بينها احتمال قدرة الجيش السوري علي صد الهجمات الإسرائيلية ، عندئذ راح ديان يقول صراحة . في هذه الحالة سوف نعيد خطتنا لمواجهة حرب طويلة الأجل ، وسوف يكون الشتاء القادم هو التوقيت المناسب لكي تواجه إسرائيل عدوها بكل قوة .
ثم توجه موشى ديان بسؤال إلي رئيس أركان جيشه دافيد أليعازر قائلا : متى يسقط المطر علي الجولان ؟ فأجابه : نهاية آكتوبر هو موعد سقوط المطر علي الجولان ، راح المجتمعون يناقشون في هذا الاجتماع كل الاحتمالات والبدائل ، لكن جولدا مائير كانت أكثر المتحدثين شعورا بالخطر ، وقد فاجأت الحضور بأنها قررت السفر فورا إلي الولايات المتحدة الأمريكية سرا لمقابلة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون لكي تطالبه بتحمل مسئولياته في هذه اللحظة العصيبة ، التي تواجه إسرائيل خطرا يهدد وجودها . وراحت تطلب من ديان سرعة الانتهاء من اعداد قوائم الأسلحة المطلوبة علي وجه السرعة .
حينما أشار أحد الحضور إلي أن نقل الدبابات والصواريخ والطائرات من الولايات المحدة الأمريكية إلي إسرائيل قد يستغرق عدة أيام ، أجاب ديان سوف نطلب من الإدارة الأمريكية تزويدنا بكل الاحتياجات من القواعد الأمريكية في أوروبا والشرق الأوسط نظرا لخطورة الموقف .
كانت المشكلة الآكبر أمام المجتمعين وقد طرحها أحد الحضور متسائلا : كيف نواجه الرأي العام الإسرائيلي واليهودي في العالم بحجم الخسائر التي ألحقها المصريون بجيش إسرائيل ؟ وقد رد دافيد قائلا : لا يجوز قول كل الحقيقة فلنقل نحن نهاجم وأشياء أخرى من هذاا القبيل ولا يجب آن يشعر الإسرائيليون واليهود في العالم أننا ننتهي أو نموت ببطء .
لعل إفراج إسرائيل عن وثائقها في حرب أكتوبر ١٩٧٣ ، تدعونا إلي المطالبة بالافراج عن الوثائق المصرية والسورية وقد مضى عليها أكثر من أربعين عاما ، وبكل تأكيد فان فيها ما يدعونا إلي الفخار .
saberarab48@gmail.com