أقلام تنير فى الظلام
أسأل نفسي أوقاتاً كثيرة، ماذا كنا نفعل قبل ظهور الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي؟! كيف كنا نقضي اوقاتنا؟
نعم تذكرت.
كانت تدور أيامنا كالآتي:
يحتسي أبي قهوته الصباحية في حين توقظنا أمي، أنا وإخوتي لنتناول الفطور على عجل ليوصلنا أبي للحافلة المدرسية في طريقه للعمل.
نعود من المدرسة لنجد أمي تحضر الغذاء وننتظر أبي لنجلس سوياً على طاولة واحدة نتجاذب أطراف الحديث ويستمع كل منا لحديث الآخر باهتمام.
نستذكر دروسنا بينما يرتشف والداي الشاي في شرفة المنزل.
يأتي المساء إما نخرج سوياً لزيارة بعض أصدقاء العائلة أو أداء بعض الواجبات الاجتماعية كالأفراح وأعياد الميلاد.
إن لم نخرج نلعب سويا بألعاب بسيطة تبعد كل البعد عن التكنولوجيا، وأحياناً يشاركانا أبي اللعب حتى يحين وقت النوم.
أما في العطلات الرسمية فكنا نتنزه في أحد الأماكن بمعشوقتي الإسكندرية.
هذه كانت الحياة الطبيعية في ذلك الوقت، ليست فقط لعائلتنا بل كل العائلات في معظم العالم.
دعونا نلقي نظرة على حياتنا الآن.
نستيقظ على منبهات هواتفنا المحمولة لنفتح أعيننا على الفيس بوك وتويتر أو أيًا كان الموقع المفضل لدينا، كالمدمنين. نتناول فطورنا باليد اليمنى وهواتفنا الذكية باليد اليسرى.
نجلس في غرفة واحدة يسودها الصمت عدا صوت نقر أزرار هواتفنا، كأن على رؤوسنا الطير.
من الممكن والعادي في وقتنا هذا أن ننادي بعضنا البعض عن طريق رسالة بدلاً من الذهاب لغرفة أحدنا الآخر.
الصداقات، والمعايدات، والواجبات الاجتماعية، والمباركات حتى زيارة المريض وواجب العزاء، أصبحت إلكترونية!
أصبحنا نتنزه ليس للاستمتاع بوقتنا وتمضية الوقت برفقة بعضنا البعض بل لالتقاط أكبر قدر من الصور لتحميلها على المواقع لنحوز الإعجاب.
أصبحنا نعرف أخبار الأهل والأصدقاء عن طريق الإنترنت.
لعب الأطفال أخذت الصبغة الإلكترونية البحتة التي تبعد عن لعب تشغيل فكر وتهذيب الأطفال كالسابق، بل أصبحت تنقل لهم الأمراض كتراجع التفكير والعزلة والتوحد.
أصبحت حياتنا الشخصية على المشاع للعدو قبل الصديق!
دعونا نأخذ الفيس بوك كمثال، رصدت آخر الأبحاث أن عدد مستخدميه في الولايات المتحدة ١٧٪ ومعظمهم من هم في مرحلة المراهقة، في أوروبا يصل عددهم إلى ٢٤٪، في آسيا ٪٢٨ أما في العالم العربي فتصل النسبة إلى ما يقرب من ٤٠٪ من الشباب من ال١٧ إلى ٤٠ سنة!!
رفقاً بحياتكم وأحبابكم وأولادكم وأهلكم، اقضوا معهم أوقاتكم قبل أن ترفعوا رؤوسكم لتجدوا أن الأوان قد فات.
كرسوا في اليوم ساعة واحدة أو أقل للإنترنت ، لأنه لم يُخترع لذلك وإنما لتسهيل حياتنا العملية والتواصل الحضاري والثقافي بين البلاد بصفة أسرع ليس أكثر.
تمتعوا بالحياة فإنها أكبر وأجمل بكثير من تلك الشاشات الصغيرة.