التقارير والتحقيقات

واقعة فريدة تلك التي نحن بصددها اليوم، وسر تفردها لا يكمن في أحداثها بقدر ما يكمن في الباعث على وقوعها، هل هو الخطأ الإجرائي؟

سمير المسلمانى

واقعة فريدة تلك التي نحن بصددها اليوم، وسر تفردها لا يكمن في أحداثها بقدر ما يكمن في الباعث على وقوعها، هل هو الخطأ الإجرائي؟

أم الغيرة التي تدب بين أبناء المهنة الواحدة؟

ولكن بعض المهن لا يُتصَوَّر فيها الخروج على أخلاقياتها، وتجمع مظلة هذه المهن أنها مهن أصحاب الرسالات والأهداف السامية التي تستمد أخلاقياتها من عقيدة وقيم ومبادئ المجتمع.

وأساتذة الجامعات يستشعرون عظمة رسالتهم ويؤمنون بأهميتها، لتنمية القيم السامية لدى طلابهم ولزيادة معارفهم، وينهل الباحثون في العلوم التطبيقية والنظرية على حدٍ سواء من العلوم المتخصصة، ويتبارون في عرض نتائج أبحاثهم، وما من جامعة في العالم إلا وتحمل رؤيتها ورسالتها إشارة لأخلاقيات البحث العلمي، وإذا تدخل سدنة المحراب لمساءلة المخطئ في ميدان البحث العلمي.

وهم في هذا الصدد لا يخرجون عن طبيعتهم البشرية التي تُصيب وتُخطيء، ويكون للقضاء القول الفصل في التعقيب على مدى صحة تطبيق اللوائح المنظمة، فماذا حدث؟ وماذا قال القضاء في قضية اليوم؟

الموضوع

كان الدكتور السيد محمد أحمد، عميد كلية الهندسة بجامعة القاهرة أقام دعوى قضائية ضد رئيس الجامعة،

طلب في ختامها الحكم بقبول الطعن شكلًا، وبصفة مستعجلة وقف تنفيذ قرار رئيس الجامعة فيما تضمنه من مجازاته بعقوبة اللوم،

وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجامعة بالمصروفات.

وذكر شرحًا لطعنه أنه فوجئ بصدور قرار رئيس الجامعة بمجازاته بعقوبة اللوم بزعم خروجه على مقتضى الواجب الوظيفي

بأن صرف لنفسه ولوكلاء الكلية ومدراء المراكز البحثية وأعضاء هيئة التدريس والعاملين مكافآت من الصناديق الخاصة والمراكز البحثية دون موافقة رئيس الجامعة،

بالمخالفة للقوانين والقواعد واللوائح المالي والكتب الدورية رقمي (6 لسنة 1990، 530 لسنة 1989) وبالمخالفة لقرارات مجلس الجامعة،

وتضمن قرار الجزاء إلزامه برد المبالغ المالية التي صرفها لنفسه.
     
وانتهى الطاعن في دعواه إلى طلب الحكم بإلغاء قرار رئيس جامعة القاهرة رقم 1336 لسنة 2019،

فيما تضمنه من توقيع عقوبة اللوم عليه، وإلزامه برد المبالغ المالية التي صرفها لنفسه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.

و…

تضمنت وقائع الطعن أنه بناءً على موافقة أمين عام جامعة القاهرة تم تشكيل لجنة من الإدارة العامة للتوجيه المالي والإداري لمراجعة الأعمال المالية للصناديق الخاصة بكلية الهندسة،

وإذ قامت اللجنة بالمهمة الموكولة لها وأعدت تقريرًا تضمن بيانًا بالمخالفات المالية التي تكشفت للجنة،

وكذا بيانًا بالموظفين المنسوب إليهم هذه المخالفات، ومن بينهم عميد الكلية.

وبعرض التقرير على رئيس الجامعة، أمر بإحالة الموضوع للتحقيق،

وبناءً على ذلك تم التحقيق مع الطاعن “عميد كلية الهندسة” وآخرين، وأعد المحقق مذكرة بالتصرف في التحقيق،

أوصى في ختامها بتوقيع عقوبة اللوم على الطاعن على سند من خروجه على مقتضى الواجب الوظيفي بأن صرف لنفسه ولوكلاء الكلية ومدراء المراكز البحثية وأعضاء هيئة التدريس والعاملين مكافآت من الصناديق الخاصة والمراكز البحثية دون موافقة رئيس الجامعة،

كما أوصى المحقق بإلزام الطاعن برد المبالغ المالية التي صرفها لنفسه دون موافقة السلطة المختصة،

ووافق رئيس الجامعة على هذه التوصية.
     

وباستقراء أوراق التحقيق الذي صدر بناءً عليه قرار مجازاة عميد كلية الهندسة،

تبين منها أنه لم يتم سؤال الطاعن ومواجهته بالمسئولية عما هو منسوب إليه بخصوص قيامه بالصرف لنفسه ولوكلاء الكلية ومدراء المراكز البحثية وأعضاء هيئة التدريس والعاملين مكافآت من الصناديق الخاصة والمراكز البحثية دون موافقة رئيس الجامعة،

وذلك كاتهام جليّ وواضح ومخالفة إدارية وتأديبية منسوبة إليه حتى يكون على يقين وبيّنة منها،

ويستشعر خطورة موقفه ويُحاط علمًا بها ويتبين اتهامه فيها على نحو جدّي وواضح لا لبس فيه ولا غموض، ومن ثم يعمل وينشط ويسعى جاهدًا للدفاع عن نفسه.

وهنا..

واكتفى المحقق بسؤال الطاعن عن رده على ما جاء في تقرير الإدارة العامة للتوجيه المالي والإداري بشأن مراجعة الأعمال المالية للصناديق الخاصة بكلية الهندسة، وكذا سؤاله عن رأيه بشأن ما ورد بالتقرير المشار إليه من قيامه بصرف مكافآت لإدارة الكلية عن أعمال لا تتناسب مع المستوى الوظيفي للموظف مثل أمين الكلية، وعن قيامه بصرف مكافآت لنفسه عن أعمال إعتيادية لا تمثل جهود غير عادية، مثل متابعة أعمال الصيانة.

 وأشرنا فيما سبق إليه حول ما حدث بين أصحاب الرسالات والأهداف السامية التي تستمد أخلاقياتها من عقيدة وقيم ومباديء المجتمع، وهم أساتذة الجامعات الذين يؤمنون بأهمية رسالتهم العظيمة ويؤمنون بأهميتها، لتنمية القيم السامية، وفي هذا الصدد لا يخرجون عن طبيعتهم البشرية التي تُصيب وتُخطيء، ويكون للقضاء القول الفصل في التعقيب على مدى صحة تطبيق القانون.

ولا يزال الحديث موصولًا حول قول القضاء الحاسم في الطعن المقام من الدكتور السيد محمد أحمد، عميد كلية الهندسة بجامعة القاهرة أمام قضاء مجلس الدولة ضد رئيس الجامعة، والذي طلب في ختامه الحكم بقبول الطعن شكلًا، وبصفة مستعجلة وقف تنفيذ قراره فيما تضمنه من مجازاته بعقوبة اللوم، وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجامعة بالمصروفات.

قالت المحكمة إنه إستبان لها من مطالعة الإخطار الذي تم توجيهه للطاعن من قبل المحقق والذي جاء نصه على النحو التالي:

الأستاذ الدكتور السيد محمد تاج الدين، عميد كلية الهندسة ـ جامعة القاهرة، يشرفني لقاء سيادتكم في مبنى كلية الحقوق جامعة القاهرة (قسم القانون الجنائي) يوم الأحد الموافق 29/9/2019 الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرًا، وذلك للأهمية..

دون أن يشير الإخطار من قريب أو بعيد إلى أن الطاعن سوف يخضع للتحقيق بشأن مخالفات محددة حتى يكون على بينة من أمره في تحضير أوجه دفاعه، الأمر الذى يشكل إخلالًا جسيمًا بالحق فى الدفاع من شأنه أن يؤثر سلبًا على نتيجة ما أنتهى إليه التحقيق.

عقوبة اللوم

وبذلك يكون هذا التحقيق والحالة تلك قد وقع باطلًا، بما يؤثر على القرار المطعون فيه بشقيه، سواءً فيما تضمنه من مجازاته بعقوبة اللوم أو فيما تضمنه من إلزامه برد المبالغ المالية التي صرفها لنفسه، ومن ثم يؤدي إلى بطلانه في هذين الشقين بالنظر إلى إرتباطهما ببعضهما ارتباطًا وثيقًا.

 
خاصة وأن المحقق لم يتناول بالتحقيق دفاعًا جوهريًا للطاعن تمثل فيما أفاد به من قيامه بصرف المكافآت بناءً على تفويض صادر من رئيس الجامعة، وأنه قام بالتأكد من صحة هذا  التفويض وأستمرار سريانه قبل قيامه بالموافقة على الصرف، وذلك من خلال سؤال المختصين بالوحدة الحسابية، الذين أفادوه بسريان التفويض، وأنه يجوز له الصرف بناءً عليه، فلم يتناول التحقيق بالتمحيص واقعة التفويض المذكورة بهدف بيان مدى وجود تفويض من عدمه وحدود هذا التفويض في حالة وجوده ومدى سريانه.

سلطة غير مقيدة

وقرار رئيس جامعة القاهرة المطعون فيه الصادر بمجازاة عميد كلية الهندسة  (الطاعن) بعقوبة اللوم إستند إلى قيام الأخير بالصرف لنفسه ولوكلاء الكلية ومدراء المراكز البحثية وأعضاء هيئة التدريس والعاملين مكافآت من الصناديق الخاصة والمراكز البحثية دون موافقة رئيس الجامعة بوصفه السلطة المختصة.

وشددت المحكمة على أن الثابت من الأوراق أن الطاعن يشغل، وقت إجراء التحقيق معه وظيفة عميد كلية الهندسة بجامعة القاهرة، وفي ذات الوقت رئيس مجلس إدارة جميع الصناديق والمراكز والوحدات ذات الطابع الخاص المنشأة بكلية الهندسة، ومن بينها المراكز والوحدات التي تم صرف المبالغ محل التحقيق من حساباتها، ومن ثم فإنه يختص بإعتماد صرف المكافآت عن الأعمال التي تؤدى للمركز، وكذا بتحديد مكافآت العاملين الذين يؤدون خدمات للمركز، وأخيرًا بتقرير مكافآت تشجيعية للعاملين بالمركز الذين يقدمون خدمات مميزة وأقتراحات وأعمال إبتكارية تساعد على تحسين مستوى الأداء أو توفير النفقات.

وسلطته كرئيس لمجلس الإدارة بشأن صرف المكافآت المشار إليها غير مقيدة سواءً بموجب نصوص اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات أو بموجب نصوص اللائحة الإدارية والمالية للمراكز والوحدات المشار إليها باعتماد سلطة أعلى، طالما كانت صادرة تنفيذًا للقرارات والقواعد التي يضعها مجلس إدارة المركز بحسبانه السلطة المهيمنة على شئونه وتصريف أموره ووضع السياسة التي تحقق أغراضه، والتي تعتبر نافذة إذا لم يعترض عليها رئيس الجامعة خلال أسبوعين من تاريخ وصولها إليه مستوفاة  
منطوق الحكم

ومن مطالعة التحقيق الذي أجري مع الطاعن في هذا الشأن تبين أنه لم يتناول بالتمحيص مسألة مدى صدور قرارات من مجالس إدارة المراكز والصناديق والوحدات المشار إليها بتحديد قواعد صرف المكافأت محل التحقيق من عدمه، ومدى التزام الطاعن حال قيامه بصرف هذه المكافأت بهذه القواعد حال صدورها، الأمر الذي ينبئ بوضوح عن قصور التحقيق بحسبانه وسيلة إستبانة الحقيقة بشأن ما نُسب للطاعن من إتهام عن تناول الواقعة محل الإتهام بالتمحيص بما يعيب التحقيق، ومن ثم يعيب القرار  الصادر بناءً عليه ويؤدى إلى بطلانه بشقيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى