بقلم:وليد المصري
في الذكري الـ 64 لثورة 23 يوليو المجيدة عام – وبالتزامن مع أحداث الانقلاب التركي ! يظهر جليا الفرق بين الثورة والإنقلاب . فما حدث في القاهرة في 23 يوليو 1952 كان ثورة بكل المقاييس – فهناك ثوار ولديهم برنامج واهداف عامة للثورة ورؤية لاقامة نظام جمهوري جديد بعد القضاء علي الملكية والاستعمار , والتحول من نظام الاقطاع والرأسمالية الي الاشتراكية والمساواة بين كل أفراد المجتمع والقضاء علي سيطرة رأس المال والاحتكار .
أما ما حدث مؤخراً في أنقرة فهو مجرد محاولة إستيلاء غاشم علي السلطة بدون مقدمات , وبدون أهداف وبدون رؤية , وبعد فشل الانقلاب علي ما يبدو كان عفويا وبدون تنظيم .
الانقلاب هو مجرد محاولة غاشمة للاستيلاء علي السلطة بدون وجود مبرر أو لمجرد الاستحواز علي السلطة . أما الثورة فهو خروج الشعب أو فئة معبرة عنه أو تمرد فئة فيه من أجل تحقيق جذري في المجتمع يصب في مصلحة الاغلبية . بحيث تطرح قوي الثورة أهدافها وتسعي لتحقيقها بكافة السبل السلمية , وقوي الثورة تمتلك رؤية ومشروع بديل للنظام القائم – والفارق بين الثورة والانقلاب أو بين القاهرة وأنقرة هو الفارق بين هيبة الدولة , وخيبة الدولة .
قبل ثورة يوليو كان الشعب المصري يعاني من الفقر والجهل والأمية , وكانت الملكية تفرض نظام اقتصادي حول المصريين الي عبيد . وجائت ثورة الظباط الاحرار في 23 يوليو و طرحت أهداف عامة لتحقيق حرية وكرامة الوطن والمواطن وإرساء العدل – لم يكن يفكر ظباط يوليو في أنفسهم حينها بقدر ما كان يجمعهم هم تحرير الوطن وتحقيق كرامة المواطن , وظهر هذا في سلوكهم نحو الجماهير ولذا ردت الجماهير الشكر ورفعت عبد الناصر ورفاقه الي مصاف القادة والزعماء – فهل تعلم أن مكتبة البنتاجون وهي تعتبر أكبر مكتبة في التاريخ تضم في القسم السياسي ركن خاص بالتجربة الناصرية باعتبارها ليست أيدلوجيا ولكنها تجربة تستحق الدراسة . هذا ما يستطيع أن يفعله الشعب المصري عندما تتاح له فرصة توافر قيادات وطنية مخلصة .
هيبة دولة عبد الناصر لم يكن مصدرها الصوت العالي (الجعجعة ) ولم تكن تعبر عن تعصب أو عنصرية أو إنحياز بقدر ما كانت تعتمد علي مشروع حضاري قوي يشارك فيه كل أفراد الشعب لبناء الحضارة العربية . جمال عبد الناصر اول واخر من انحاز الي الفقراء والكادحين علي حساب رجال المال والاعمال .
يمكنك أن تلاحظ إنتشار هيبة الدولة لمجرد أن تنظر الي النسر الذي أصبح علي مؤخرات معظم سيارات مصر أجرة أو ملاكي أو حتي توك توك – هيبة الدولة تحاصرك أينما كنت , وعائلة النسر تعلن أنها في كل مكان .
للأسف هذا نموذج لخيبة الدولة وإفلاسها – هيبة الدولة ستأتي بعد الافراج عن معتقلي الرأي فهؤلاء اماكنهم المنابر وليس السجون وسنواجه هؤلاء الحجة بالحجة والرأي بالرأي هنا تتحقق هيبة الدولة – عندما يقوم الرئيس السيسي بتفعيل وعده بان عام 2016 هو عام الشباب ويعلن عن كيان أو مؤسسة أو مجلس أو حزب للشباب لكي يكون شريك في اتخاذ القرار وبناء مصر الجديد , والتخلي عن سياسة الاحتواء والتي ثبت أنها مجرد ” تطييب خواطر ” هنا ستعود الثقة بين الشباب والدولة وتعود معها هيبة الدولة .
لقد تعلمنا من تجربة عبد الناصر الذي أعاد بناء القوات المسلحة , وأسس الجمهورية أن السلطة بغير جماهير مجرد تسلط معادي لجوهر الحقيقة . وهذا يعني أن هيبة الشرطة ستتحقق عندما يشعر المواطن بالامان في ظل وجود الشرطة وليس العكس بأن تصبح مصدر قلق دائم له , ويمكنك أن تري نموذج صارخ بين هيبة الدولة وخيبة الدولة بالنسبة لوزارة الداخلية مثلاً – فقد كان يوم 25 يناير هو عيد الشرطة في ذكري تصدي ظباط الشرطة لقوات الاحتلال وهو موقف شجاع وشريف , وقد تحول هذا اليوم الي ذكري للثورة التي خرج فيها الشعب ليسقط النظام بسبب تجاوزات الشرطة , وهنا سقطت هيبة الدولة .
تعلمنا أن هيبة الدولة تأتي عندما يتحقق العدل والمساواة وتكافؤ الفرص هنا فقط يوجد الاحترام بين المواطن والدولة – لكن محاولة ايجاد مبررات لبقاء الوضع كما هو عليه علي سبيل ان الشعب هو السبب في الفساد والرشوة والمحسوبية وسيطرة رأس المال فهذا نوع من خيبة الدولة .
ان هيبة الدولة تكون ببث الثقة في الجماهير وجميع عناصر المجتمع ومحاولة اشراكهم في القرار السياسي بكل السبل الممكنة حتي تكون السلطة معبرة عن إراداة الشعب بشكل فعلي وليس ديكوري شرفي .