لن يتمكن النظام الإيراني بالسهولة التي يتصورها من التغطية على أوضاعه الصعبة والمعقدة التي يواجهها، وأن يشغل الشعب الإيراني وبلدان المنطقة والعالم بأحداث وتطورات يغلب عليها التصنع والافتعال، كما جرى خلال انتخابات الرئاسة الإيرانية الأخيرة والتي سعى من خلالها إلى الإيحاء أنَّ شعبيته لا تزال باقية، وأن الشعب الإيراني لا يزال يراهن عليه. إذ إن استمرار نسبة المشاركة في الانتخابات واقترابها من حدود المقاطعة مؤشر نوعي في غير صالح النظام.
ليست الأوضاع المتوترة وبالغة الصعوبة والتعقيد في داخل إيران وحدها ما يشغل بال النظام، وإن كان التحدي والتهديد الأكبر الذي يحدق بالنظام الإيراني. بل وحتى أوضاعه في بلدان المنطقة التي يهيمن عليها بنفوذه، وحتى إن سعيه من أجل إعادة خلط الأوراق في العراق والتودد إلى أطراف كان بالأمس القريب يتهمها بشتى التهم، إنما هو من أجل ضمان بقاء نفوذه وعدم إلحاق المزيد من التضعضع به، ولاسيما أن الأحداث والتطورات الإقليمية والدولية لا تسير كما تشتهي سفن النظام!
في سوريا، حيث تزداد أوضاع النظام السوري صعوبة وتزداد صيغة وشكل التحالفات الإقليمية والدولية مع النظام السوري تعقيداً وتسير باتجاه من الصعب على النظام الإيراني أن يواكبه ويحافظ على حيوية وفعالية دوره وتأثيره. كما أن في لبنان، وبفعل الحرب في غزة التي يبدو واضحاً أنه يزداد تورطاً فيها، فإنها تترك ظلالاً بالغة السلبية على لبنان وتجعل الشعب اللبناني تحديداً يزداد سخطاً على الدور المشبوه لهذا النظام في دفع الأحداث والتطورات نحو المزيد من التأزم الذي يقود في النهاية إلى الحرب والدمار. أما في اليمن، فالحديث يطول، وإن لعبة قصف السفن الدولية بمزاعم واهية لن تمر بسلام على الحوثيين وحتى على النظام الإيراني وسيتم دفع فاتورتها آجلاً أم عاجلاً، والنظام الإيراني قبل غيره يعلم هذه الحقيقة جيداً.
فيما يتعلق بالورقة الفلسطينية التي بذل النظام الإيراني طوال الـ45 عاماً المنصرمة في جعلها في يده واحتكارها لصالح أهدافه ومخططاته، فإن المؤشرات لا تدل على ذلك، خصوصاً وأن أي صفقة دولية من أجل تسوية الحرب في غزة تركز وبصورة ملفتة للنظر على تهميش الدور والتأثير الإيراني فيها، وهكذا تسوية لو جرت (وهو أمر وارد ومحتمل)، فإنها تنعكس بالضرورة سلباً على الداخل الإيراني حيث سيطالب الشعب الإيراني النظام بتفسير لهذا الدور السلبي الفاشل الذي يتم دفع ثمنه من قوت الشعب. ولا ريب أن النظام يعلم أن الشعب لن يكتفي بإعلان ضجره وسخطه من دون موقف لن يقل بالضرورة عن ما حدث في 16 أيلول (سبتمبر) 2022!
أما على الصعيد الدولي، فإنَّ النظام لا يزال يسعى بكل الطرق إلى فك العزلة الدولية المفروضة عليه وتخفيف العقوبات المفروضة عليه. لكنه ومع عدم تمكنه من ذلك فإنه يواجه تهديداً جدياً جديداً يحدق به، والمتمثل في إدراج الحرس الثوري ضمن قائمة الإرهاب، والذي كان قرار الحكومة الكندية إدراجه ضمن تلك القائمة مؤشراً مهماً على إمكانية أن تحذو حذوها دول غربية أخرى، وهو سيؤثر كثيراً على النظام الذي يعتمد على هذا الجهاز اعتماداً مصيرياً. ومن هنا فإن النظام الإيراني وخلال عهد مسعود بزیشكیان لا يملك من الخيارات والإمكانات التي تجعله في مستوى التحديات المحدقة!