بقلم / كواعب أحمد البراهمي
أتصلت بي وقالت : أريد أن أقابلك لآخذ رأيك في أمر يهمني .
وقابلتها في كافتيريا وأخترنا مكانا بعيدا عن الآخرين , وعندما بدأت الكلام تحولت كلماتها إلي دموع مختنقة , مالبثت أن تحولت إلي سيل , فإنتظرت حتي تهدأ وبدأت الكلام .
والبداية كنت قد تعرفت عليها عندما حادثتها عبر الهاتف بشأن قضية تخص زوجها , والذي كنت قد قابلته بالمحكمة بعد أن طلب من الشرطة بعد إنقضاء جلسته أن يتحدث إليّ . ليتفق معي علي عمل توكيل للمكتب الذي أعمل به , لكي أباشر قضيته .
وأعطاني هاتفها قائلا أنها زوجته وإنها مصرية الجنسية , وطلب مني الإتصال بها للإتفاق علي الأتعاب ومتابعة الدعوي , والتي كان محتجزا بسببها , عن جريمة شيك بدون رصيد .
وقابلتها كانت إمرأة جميلة , وأنيقة , وعلي قدر عالي من الرقي في الحديث والملبس وكل ما فيها يدل علي أنها من أسرة عريقة .
وأنهيت قضية زوجها وعاد لمنزله , وألتقيت معها بعد ذلك أكثر من مرة فقد أصبحنا صديقتين وإن كنا لا نلتق كثيرا .
وعلمت منها أن زوجها الخليجي هو زوجها الثاني , والذي إختارته من بين الذين تقدموا إليها بعد إنفصالها عن زوجها الأول .
وبداية قصتها أنها من أسرة ميسورة , وذات وضع إجتماعي عال , ووالدها كان يشغل منصبا رفيعا . وانها تزوجت قريبا لها كان يحبها , وخطبها في التعليم الثانوي , وما أراد أن ينتظر حتي تكمل دراستها , فتزوجا بعد الثانوية العامة , علي أن تكمل دراستها وهي معه .
وقد كان وأنجبت منه ولدين , وكانت والدتها تساعدها في تربية الأبناء , حتي أنهت دراستها الجامعية بتفوق .
وقد عرض عليها عمل بالتدريس في الجامعة في إحدي الدول العربية , وفكرت هي وزجها وقررت السفر وتركت زوجها بمصر , وتركت الأولاد مع والدتها . وكانت حريصة علي النزول إلي مصر كل ثلاثة شهور لمتابعة أسرتها وزوجها .
ولكن لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن , ففي الوقت الذي كانت تعمل هي كمغتربة تريد تحسين دخل الأسرة , وظروف عمل زوجها تمنعه من السفر معها . كانت أحوال الزوج قد تغيرت .
وعندما عادت إلي مصر عودة نهائية أكتشفت بغريزة الأنثي تغير في سلوك زوجها ومشاعره تجاهها .
وعندما ساورتها الشكوك ,قررت أن تقطع الشك باليقين وبعد مواجهه صعبة بينهما إعترف لها أنه متزوج عرفيا من إحدي قريباتهم منذ أن كانت تعمل بالخارج .
ومما آثار دهشتها وأكبر من حجم صدمتها أن قريبتها تلك كانت تجلس علي رجلها في يوم زفافهما لتلتقط معها بعض الصور كما يحدث بالأفراح حيث كانت طفلة لا تتعدي العشر سنوات .
وقررت الإنفصال , وصممت علي طلب الطلاق , ووافق الزوج ودعمها الأب معنويا للتجاوز صدمتها وهزيمتها .
ونظرا لما وجدته حسب قولها من أسئلة تضايق وتلميحات مستفزة , وتدخلات من الغير فقررت أن تسافر للخارج مرة أخري , وتركت أولادها للمرة الثانية مع أمها وكذلك مع والدهم لأنهم قد وصلوا إلي سن الجامعة .
وسافرت إلي البلد الذي كنت أعمل به , وعملت أستاذة بالجامعة . ثم تعرفت علي زوجها الثاني , ولا أعرف كيف تعرفت عليه . ولكنه قد أحبها بجنون , وتقدم لخطبتها .
وقد عارض أهله في البداية , حيث كونها من غير جنسيته , وكونها مطلقة ولديها أولاد , وكونها أكبر منه بخمسة عشر عاما . فقد كان في عمر الرابعة والعشرين , في حين كانت هي في الأربعين تقريبا .
وتقدم إلي والدها , وخيرها والدها بين آخرين أصحاب مناصب رفيعة في مصر , ورفضتهم ووافقت علي هذا الزوج رغم أنه لا يحمل سوي الثانوية العامة فقط .
ولكنها أشترطت عليه ألا تنجب منه , ووافق هو علي ذلك .
رغم كونه من بلد تعتبر أن السبب الأساسي للزواج هو الإنجاب وتكوين أسرة . أو ربما ظنا منها أن الأيام سوف تجعلها تغير رأيها .
ولكن للأسف فقد زادتها الأيام رفضا حيث أصبح أبنها يعمل بسلك النيابة العامة والآخر بالسلك الجامعي , وأصبح منصب زوجها السابق رفيعا بالدولة .
وبالطبع ما أرادت أن يعرف أولادها أن أمهما متزوجة عرفيا من شخص غير مصري – حيث لا يعلم بذلك غير والدها ووالدتها وأخواتها البنات . أما كل الباقين فلا يعرفون شيئا .
ونظرا لحب زوجها لها أستمر معها بهذا الشرط المجحف له إلي أن تعدي عمرها الخمسين عاما , ولم يشعرا بأي نقص حيث كانت تجمعهما سعادة لم يؤثر عليها شيئ .
وعندما ذهبت لمقابلتها , وبعد أجبنا علي الأسئلة التقليدية للأحوال والصحة .
قالت لي : أريد أن آخذ رأيك في أمرين أحدهما يتعلق بموضوع قرض من البنك يريد مني زوجي أن أخذه له بأسمي بضمان عملي , لأنه يريد عمل مشروع , وأنا خائفة يورطني .
والأمر الآخر أريد أن ازوجه لينجب , ثم أصبحت دموعها سيلا جارفا .
فقلت لها : نبدأ بالأمر الأول . مالذي يخيفك من القرض ؟ فقالت أنا أعلم أنه ليس لديه القدرة علي المشروعات , ولا يفهم بها كثيرا وسبق أن ضمنته في شيكات , وفؤجئت بالقبض عليّ عند وصولي من القاهرة بالمطار , إلي أن سدد المبالغ وخرجت , وقالت وللحق فعل كل ما في وسعه كي لا أظل متهمه , فقد تصرف بكل ما يستطيع فعلا .وأنا أثق في حبه لي .
ولكن أنا لا أضمن إستمرار عملي هنا فالجامعه تجدد العقد كل سنتين وأخشي ألا أستطيع السداد .
فقلت لها : بالنسبة للقرض أعتبري نفسك الله لا قدر تريدين العلاج أو أحد اقاربك , فهل كنتي ستتردي ؟ فقالت لا ؟
فقلت لها : إذا كنت تخافين عدم إستمرار العمل فحاولي مساعدته بأي مبلغ متجمد معك كبداية , وشاركيه في الأفكار وأعملوا دراسة جدوي وإذا لا حظتي بداية نجاح المشروع أعملي معه عقد مشاركة لتضمني نصيبك من المشروع وتسددي .
فقالت : أنا أخشي فشله , فتضيع الأموال ولا أسدد .
فقلت لها : خذي قرض بسيط يسمح لك بالقدرة علي السداد دون أن تتعرضي لمساءلة قانونية وليبحث له عن شريك آخر , ربما عندما يري بداية النجاح يشاركه .
والأمر الثاني : هل هو طلب أن يتزوج أو فاتحك في الموضوع ؟ فقالت لا . ولكني أشعر بالذنب كوني منعت الإنجاب , وقد أصبحت عصبية جدا معه في البيت وأي شئ تافه يستفزني .
وأصبحت حياتنا مشاكل من لاشئ , وأنا التي تفتعل المشاكل , أصبحت أعصابي متوترة .
لدرجة أنني أخبرت البنت التي تعمل عاملة معي في القسم أنني أريد أزوجها زوجي , فهي فقيرة وغير جميلة وطيبة .
وقلت لها : وماذا قالت ؟ قالت : أنا أبقي ضرتك أنتي يا دكتورة مستحيل .
فقلت لها وهل أخبرتيه بذلك ؟ قالت لا .
فسألتها هل هو كلمك في موضوع الزواج ؟ فقالت لا .
ولكنه فقد الأمل في أن أنجب بحكم السن .وأهله بدأوا يتضايقون مني وأشعر أنهم يكرهونني
فقلت لها : أن الأولاد رزق ومقسوم ومكتوب في السماء , ولو أن لك أو له ذرية , فسوف تكون وسوف تأتي . والله غالب علي أمره .
فلماذا تبدأي أنتي وتضعي نفسك في هذا الموقف وتلومي نفسك عندما يتغير بعد الزواج , وتشعرين بالغيرة والندم .
فقط أتركيه يفعل ما يشاء , فإن أراد هو الزواج لا تقفي عقبة في طريقه , ولا ترفضي طلبه , ولا تختاري له عروسا , لأنها إذا لم تكن كما توقعتي منها فهذا بحد ذاته سيسبب لك ألما .
أتركيه يختار ما يشاء , ولك بعد ذلك الإستمرار أو الإنسحاب . ولا تسبقي الأحداث , فالله عندما يريد أمرا يهيء له الأسباب .
وكانت تلك المقابلة هي آخر مرة نتحدث فيها سويا في لقاء , ولكن كنا نتواصل هاتفيا , وما سألتها ماذا تم في أي الموضوعين .
وقابلتها صدفة بعد ذلك بعامين في مكتب الأحوال المدنية , ولم نتكلم كثيرا , كانت كل منا مشغولة وكان معها زوجها , كان شكلها العام سعيدا,
ولكن للآن لا أعرف ماذا حدث , فقد أنقطعت أخبارنا منذ ثلاث سنوات , ولا زلت أسأل نفسي . هل أنا كنت علي صواب فيما نصحت ؟ أم هل أنا أخطأت ؟
من كتابي خلف الجدران ج2