في تقرير نشرته صحيفة La Dépêche الفرنسية، أُبرزت الإخفاقات الحاسمة التي عانى منها النظام الإيراني خلال عام 2024. التقرير، الذي سلط الضوء على الأزمات الداخلية والانهيارات الجيوسياسية، يُظهر النظام في حالة من التراجع الحاد وسط استياء شعبي متزايد وضغوط دولية متصاعدة. ويعتمد التقرير على تحليل قدمه المحلل السياسي المتخصص في الشأن الإيراني، حميد عنايت، الذي أشار إلى أن هذه الإخفاقات تعكس مدى هشاشة النظام الذي يواجه تحديات قد تهدد بقاءه.
عام مليء بالإخفاقات الكبرى
وصف عنايت عام 2024 بأنه مليء بالإخفاقات بالنسبة للنظام الإيراني. ومن بين أكبر هذه الانتكاسات هلاك الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان في حادث تحطم طائرة هليكوبتر في 19 مايو. وأشار إلى أن هذه الخسارة “وجهت ضربة خطيرة للولي الفقیة للنظام علي خامنئي“، إذ فقد حليفًا رئيسيًا كان يركز مؤسسات الدولة لصالح أجندة الولي الفقیة . وأضاف عنايت أن “وفاة رئيسي خلقت فراغًا في السلطة أدى إلى زعزعة استقرار النظام”.
كما واجه النظام انتكاسة كبيرة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي جرت في يوليو، حيث تم انتخاب مسعود بزشكيان رئيسًا بمشاركة أقل من 8% من الناخبين، مما أظهر “عمق السخط الشعبي”. وأوضح أن “معظم الأصوات جاءت من العسكريين ومن يعتمدون على الإعانات الحكومية”.
سياسات الشرق الأوسط ترتد على النظام
سلط المقال الضوء على الخسائر الفادحة للنظام الإيراني في الشرق الأوسط. فبعد سنوات من الاستثمار المكثف في سوريا، فقد النظام السيطرة على القواعد والتحالفات الاستراتيجية. وقال عنايت: “سقوط ديكتاتور سوريا قضى على سنوات من استثمارات طهران الإقليمية”، مؤكدًا أهمية سوريا في استراتيجية إيران الجيوسياسية. وكان خامنئي قد حذر من أن فقدان سوريا يعني “القتال داخل طهران وأصفهان وشيراز”.
كما فشلت محاولات النظام لدعم الجماعات الوكيلة مثل حزب الله، حيث أوضح عنايت أن النظام كان يأمل في استخدام الحرب في المنطقة “لتشتيت الانتباه عن الاحتجاجات الداخلية”، لكن هذه الاستراتيجية فشلت وزادت من عزلة إيران على الساحة الدولية. وأكد أن “حروب الوكالة الإيرانية تحولت إلى أعباء استراتيجية”.
تحديات داخلية وسخط شعبي
داخليًا، يواجه النظام سلسلة من الأزمات. يعيش أكثر من ثلثي الشعب تحت خط الفقر، ويكافح 96% من الإيرانيين لتلبية احتياجاتهم الأساسية. ونقل عنايت عن مسعود بزشكيان قوله: “أكثر من 92% من الإيرانيين لم يشاركوا في الانتخابات”. وأشار رئيس مجلس النظام، محمد باقر قاليباف، إلى أن “إيران، وهي دولة غنية بالموارد، غارقة في سوء الإدارة”.
وأضاف التقرير أن الاحتجاجات والانقسامات الاجتماعية تتزايد بسبب الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية للنظام. وأشاد بدور “جيل الألفية الثانية”، أي الشباب الإيراني المولود بين عامي 1995 و2008، الذين قادوا موجات من الاحتجاجات بشجاعة غير مسبوقة. وأوضح أن “هذا الجيل، الذي يتمتع بوعي رقمي، نجح في كسر آلة الدعاية للنظام”.
التراجع العسكري والاستراتيجي
يشير التقرير إلى أن جهاز القمع التابع للنظام يعاني من الضعف أيضًا. وأوضح الكاتب أن “على الرغم من الارتفاع الحاد في عمليات الإعدام—أكثر من 1000 حالة في عام 2024—يجد النظام صعوبة في الحفاظ على السيطرة”. كما أن فقدان العناصر الرئيسية وتجميد أنشطة فيلق القدس وضعف حرس النظام الإيراني (IRGC) تُظهر تراجع قدرة النظام على فرض سلطته.
وشبه المقال الانهيار العسكري للنظام في سوريا بانعكاس لحالة النظام العامة، حيث قال: “فقدان سوريا قضى على سنوات من استثمارات طهران في المنطقة، تاركًا إيران دون أي نفوذ استراتيجي”.
الضغوط الدولية وآفاق المستقبل
أكد المقال على تصاعد الضغوط الدولية على طهران للتخلي عن طموحاتها النووية ووقف دعمها للجماعات الوكيلة. وأشار عنايت إلى أن “عدم الامتثال قد يؤدي إلى عقوبات شديدة أو حتى ضربات عسكرية”. واعتبر أن تركيز المجتمع الدولي على تقليص أنشطة النظام الإيراني المزعزعة للاستقرار يقلل من الخيارات المتاحة للنظام.
واختتم عنايت بالإشادة بصمود المقاومة الإيرانية. فرغم القمع المستمر، نجحت وحدات الانتفاضة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية (MEK) في مواصلة عملياتها اليومية ضد النظام. وكتب: “أصبحت المقاومة قوة قادرة على مواجهة حرس النظام الإيراني في الشوارع”، واصفًا هذه الوحدات بأنها “العمود الفقري لأي انتفاضة مستقبلية”. وأضاف أن “القوات المقاومة تمثل عاملًا حاسمًا في مواجهة آلة القمع”.
ويلخص تحليل La Dépêche نظامًا يواجه تهديدات وجودية داخليًا وخارجيًا. ويقدم تقرير عنايت تقييمًا شاملًا لنظام يواجه السخط الشعبي، والخسائر الاستراتيجية، والضغوط الدولية. وكما أوضح عنايت: “بدون تغييرات جذرية، يبدو انهيار النظام الإيراني مسألة وقت فقط.”