نفحات قرانية ومع الاية والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين
تفسير الاية الكريمة من سورة النور

اللقاء الدينى ومع تفسير الاية الكريمة من سورة النور فى قوله تعالى
اعداد / أشرف المهندس
( والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين )
قرأ نافع ويعقوب ” أن ” خفيفة وكذلك الثانية ” لعنة الله ” رفع ، ثم يعقوب قرأ ” غضب ” برفع ، وقرأ نافع ” غضب ” بكسر الضاد وفتح الباء على الماضي ” الله ” رفع . وقرأ الآخرون ” أن ” بالتشديد فيهما ” لعنة ” نصب ، ” وغضب ” بفتح الضاد على الاسم ، ” الله ” جر . وقرأ حفص عن عاصم ” والخامسة ” الثانية نصب ، أي : ويشهد الشهادة الخامسة . وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء وخبره في ” أن ” كالأولى .
وسبب نزول هذه الآية ما أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب ، عن مالك عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن عويمرا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له : يا عاصم أرأيت لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه ، أم كيف يفعل ؟ سل لي عن ذلك يا عاصم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : فسأل عاصم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك ، فكره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المسائل وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال له : يا عاصم ماذا قال لك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال عاصم لعويمر ، لم تأتني بخير ، قد كره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المسألة التي سألته عنها ، فقال عويمر ، والله لا أنتهي حتى أسأله عنها ، فجاء عويمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسط الناس ، فقال : يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل ؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” قد أنزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها ” . فقال سهل : فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر : كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها ، فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – . قال مالك قال ابن شهاب : فكانت تلك سنة المتلاعنين .
وقال محمد بن إسماعيل أخبرنا إسحاق ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا الأوزاعي ، أخبرنا الزهري بهذا الإسناد بمثل معناه . وزاد : ثم قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” انظروا فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الإليتين ، خدلج الساقين ، فلا أحسب عويمرا إلا قد صدق عليها ، وإن جاءت به أحيمر كأنه [ وجوه ]فلا أحسب عويمرا إلا قد كذب عليها ” فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم – من تصديق عويمر فكان بعد ينسب إلى أمه
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا محمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا أحمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا محمد بن بشار ، أخبرنا ابن أبي عدي ، عن هشام بن حسان ، أخبرنا عكرمة ، عن ابن عباس ، أن هلال بن أمية قذف امرأته عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بشريك بن سحماء ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” البينة أو حد في ظهرك ” فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة ؟ فجعل النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول : ” البينة وإلا حد في ظهرك ” فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد ، فنزل جبريل وأنزل عليه : ( والذين يرمون أزواجهم ) فقرأ حتى بلغ ( إن كان من الصادقين ) فانصرف النبي – صلى الله عليه وسلم – فأرسل إليهما ، فجاء هلال فشهد ، والنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول : ” إن الله يعلم أن أحدكما كاذب ، فهل منكما تائب ” ؟ ثم قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا إنها : موجبة . قال ابن عباس فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم ، فمضت . فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين ، سابغ الإليتين ، خدلج الساقين ، فهو لشريك بن سحماء ” فجاءت به كذلك ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ” .
وروى عكرمة عن ابن عباس : قال لما نزلت : ( والذين يرمون المحصنات ) الآية . قال سعد بن عبادة : لو أتيت لكاع وقد تفخذها رجل لم يكن لي أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء ، فوالله ما كنت لآتي بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته ويذهب ، وإن قلت ما رأيت إن في ظهري لثمانين جلدة ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما قال سيدكم ” ؟ قالوا : لا تلمه ، فإنه رجل غيور ، ما تزوج امرأة قط إلا بكرا ، ولا طلق امرأة له فاجترأ رجل منا أن يتزوجها . فقال سعد : يا رسول الله بأبي أنت وأمي والله إني لأعرف أنها من الله وأنها حق ولكن عجبت من ذلك لما أخبرتك ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” فإن الله يأبى إلا ذلك ” فقال صدق الله ورسوله . قال : فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى جاء ابن عم له يقال له هلال بن أمية من حديقة له ، فرأى رجلا مع امرأته يزني بها ، فأمسك حتى أصبح ، فلما أصبح غدا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو جالس مع أصحابه ، فقال : يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء فوجدت رجلا مع امرأتي ، رأيت بعيني وسمعت بأذني ، فكره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما أتاه به ، وثقل عليه حتى عرف ذلك في وجهه ، فقال هلال : والله يا رسول الله إني لأرى الكراهية في وجهك مما أتيتك به ، والله يعلم إني لصادق وما قلت إلا حقا ، وإني لأرجو أن يجعل الله لي فرجا ، فهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بضربه . فقال : واجتمعت الأنصار فقالوا ابتلينا بما قال سعد ، يجلد هلال وتبطل شهادته ، وإنهم لكذلك ، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يريد أن يأمر بضربه ، إذ نزل عليه الوحي ، فأمسك أصحابه عن كلامه حين عرفوا أن الوحي قد نزل عليه ، حتى فرغ ، فأنزل الله – عز وجل – : ( والذين يرمون أزواجهم ) إلى آخر الآيات فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” أبشر يا هلال فإن الله قد جعل لك فرجا ” فقال : لقد كنت أرجو ذلك من الله ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : أرسلوا إليها ، فجاءت ، فلما اجتمعا عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قيل لها فكذبت ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب ؟ فقال هلال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي قد صدقت وما قلت إلا حقا ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لاعنوا بينهما ، فقيل لهلال : اشهد ، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، فقال له عند الخامسة : يا هلال اتق الله ، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وإن عذاب الله أشد من عذاب الناس ، وإن هذه الخامسة هي الموجبة التي توجب عليك العذاب ، فقال هلال : والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، فشهد الخامسة : أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين . ثم قال للمرأة : اشهدي ، فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، فقال لها عند الخامسة ووقفها : اتقي الله فإن الخامسة موجبة وإن عذاب الله أشد من عذاب الناس ، فتلكأت ساعة وهمت بالاعتراف ثم قالت : والله لا أفضح قومي ، فشهدت الخامسة : أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، ففرق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بينهما ، وقضى بأن الولد لها ولا يدعى لأب ولا يرمى ولدها ، ثم قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : إن جاءت به كذا وكذا فهو لزوجها وإن جاءت به كذا وكذا فهو للذي قيل فيه ” ، فجاءت به غلاما كأنه جمل أورق ، على الشبه المكروه ، وكان بعد أميرا على مصر ، لا يدري من أبوه .
وقال ابن عباس في سائر الروايات ، ومقاتل : لما نزلت : ( والذين يرمون المحصنات ) الآية ، فقرأها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم الجمعة على المنبر فقام عاصم بن عدي الأنصاري فقال : جعلني الله فداك ، إن رأى رجل منا مع امرأته رجلا فأخبر بما رأى جلد ثمانين جلدة ، وسماه المسلمون فاسقا ، ولا تقبل شهادته أبدا ، فكيف لنا بالشهداء ونحن إذا التمسنا الشهداء كان الرجل فرغ من حاجته ومر ؟ وكان لعاصم هذا ابن عم يقال له عويمر ، وله امرأة يقال لها خولة بنت قيس بن محصن فأتى عويمر عاصما وقال : لقد رأيت شريك بن السمحاء على بطن امرأتي خولة ، فاسترجع عاصم ، وأتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الجمعة الأخرى ، فقال : يا رسول الله ما أسرع ما ابتليت بالسؤال الذي سألت في الجمعة الماضية في أهل بيتي ، فأخبره وكان عويمر وخولة وشريك كلهم بني عم عاصم ، فدعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بهم جميعا ، وقال لعويمر : ” اتق الله في زوجتك وابنة عمك ولا تقذفها بالبهتان ” فقال : يا رسول الله أقسم بالله إني رأيت شريكا على بطنها وإني ما قربتها منذ أربعة أشهر ، وإنها حبلى من غيري ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – للمرأة : ” اتقي الله ولا تخبري إلا بما صنعت ” فقالت : يا رسول الله إن عويمرا رجل غيور ، وإنه رآني وشريكا يطيل السمر ونتحدث ، فحملته الغيرة على ما قال ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لشريك : ” ما تقول ” ؟ فقال : ما تقوله المرأة كذب ، فأنزل الله – عز وجل – : ( والذين يرمون أزواجهم ) الآية ، فأمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى نودي الصلاة جامعة ، فصلى العصر ثم قال لعويمر : قم ، فقام فقال : أشهد بالله بأن خولة لزانية وإني لمن الصادقين ، ثم قال في الثانية أشهد أني رأيت شريكا على بطنها ، وإني لمن الصادقين ، ثم قال في الثالثة أشهد بالله إنها حبلى من غيري وإني لمن الصادقين ، ثم قال في الرابعة أشهد بالله إني ما قربتها منذ أربعة أشهر وإني لمن الصادقين ، ثم قال في الخامسة : لعنة الله على عويمر – يعني نفسه – إن كان من الكاذبين فيما قال ، ثم أمره بالقعود ، وقال لخولة : قومي فقامت ، فقالت : أشهد بالله ما أنا بزانية وإن عويمرا لمن الكاذبين ، ثم قالت في الثانية أشهد بالله أنه ما رأى شريكا على بطني وإنه لمن الكاذبين ، ثم قالت في الثالثة أشهد بالله إني حبلى منه وإنه لمن الكاذبين ، ثم قالت في الرابعة أشهد بالله إنه ما رآني قط على فاحشة وإنه لمن الكاذبين ، ثم قالت في الخامسة غضب الله على خولة – تعني نفسها – إن كان من الصادقين . ففرق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بينهما ، وقال لولا هذه الأيمان لكان لي في أمرهما رأي ، ثم قال : ” تحينوا بها الولادة فإن جاءت به [ أصيهب ] [ أثيبج ] يضرب إلى السواد فهو لشريك ، وإن جاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين فهو لغير الذي رميت به ” . قال ابن عباس فجاءت بأشبه خلق الله بشريك .
والكلام في حكم الآية : أن الرجل إذا قذف امرأته فموجبه موجب قذف الأجنبي في وجوب الحد عليه إن كانت محصنة ، أو التعزير إن لم تكن محصنة ، غير أن المخرج منهما مختلف; فإذا قذف أجنبيا يقام الحد عليه ، إلا أن يقيم أربعة من الشهود على زناه ، أو يقر به المقذوف فيسقط عنه حد القذف ، وفي الزوجة إذا وجد أحد هذين أو لاعن يسقط عنه الحد ، فاللعان في قذف الزوجة بمنزلة البينة ، لأن الرجل إذا رأى مع امرأته رجلا ربما لا يمكنه إقامة البينة عليه ولا يمكنه الصبر على العار ، فجعل الله اللعان حجة له على صدقه ، فقال تعالى : ” فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ” ، وإذا أقام الزوج البينة على زناها أو اعترفت بالزنا سقط عنه الحد واللعان ، إلا أن يكون هناك ولد يريد نفيه فله أن يلاعن لنفيه .