نظام طهران يترنح.. أزمة نووية ونفوذ مفقود في سوريا

ضیاء قدور باحث سیاسی
في الذكرى السنوية لوفاة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، أشاد المرشد الأعلى علي خامنئي بإرث رئيسي، مؤكداً أنه رفض بقوة أي مفاوضات مع الولايات المتحدة. ورغم أن هذا الخطاب بدا كتكريم، إلا أنه حمل إشارة واضحة: المحادثات النووية الجارية مع واشنطن على وشك الفشل، في اعتراف ضمني بمأزق استراتيجي يواجهه النظام الإيراني. هذا المأزق، الذي يكشف عن هشاشة النظام، يتفاقم مع تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية، بما في ذلك تدخلاته المستمرة في سوريا حتى بعد سقوط نظام بشار الأسد.
استراتيجية مألوفة: تحويل اللوم
تصريحات خامنئي ليست مجرد خطاب عابر، بل جزء من استراتيجية مدروسة للتنصل من المسؤولية عن فشل المحادثات النووية المحتمل. من خلال التأكيد على معارضته التاريخية للتفاوض مع الولايات المتحدة، يسعى خامنئي لتبرئة نفسه إذا انهارت الدبلوماسية. هذه الخطوة ليست جديدة؛ فقد شهدنا خلال إدارتي الرئيسين السابقين حسن روحاني ومحمد خاتمي نهجاً مماثلاً، حيث كان خامنئي ينسب الفضل لنفسه عند إبرام اتفاقيات، لكنه يسارع إلى إلقاء اللوم على المسؤولين المنتخبين و”عدم أمانة” أميركا عندما تفشل المفاوضات.
تصاعد التوتر وتضارب الخطوط الحمراء
تشهد العلاقات بين طهران وواشنطن توتراً متزايداً في الأسابيع الأخيرة. أعلن المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، أن واشنطن لن تسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم بأي مستوى. في المقابل، أكد النظام الإيراني التزامه بمواصلة التخصيب دون تجاوز نسبة أربعة بالمئة، مما دفع خامنئي إلى الرد بغضب، واصفاً موقف الولايات المتحدة بأنه “هراء” ومتوعداً بعدم التراجع. هذا التصادم يكشف عن مأزق أساسي: ترى الولايات المتحدة أن أي تخصيب يشكل خطاً أحمر بسبب مخاطر التسلح، التي أثبتتها تصرفات النظام السابقة، بينما يعتبر خامنئي التخصيب ليس فقط حقاً سيادياً، بل مسألة كبرياء وأساساً لبقاء النظام الإيراني.
التخصيب كخط حياة استراتيجي
بعيداً عن الكبرياء، يلعب التخصيب دوراً استراتيجياً حاسماً بالنسبة لإيران. بالنسبة لخامنئي، الحفاظ على قدرات التخصيب ليس مجرد رمز، بل أداة ردع حيوية. مع ضعف وكلاء إيران في المنطقة وثبوت أن ترسانته الصاروخية أقل فعالية مما كان متوقعاً، يبقى احتمال تطوير أسلحة نووية بمثابة ورقة التفاوض النهائية للنظام في منطقة محفوفة بالعداء. لقد أحرزت إيران تقدماً كبيراً في قدراتها على التخصيب في السنوات الأخيرة، مما قلّص الوقت النظري اللازم لتطوير سلاح نووي. يخشى خامنئي أن تفكيك هذه القدرة سيترك النظام عرضة للخطر، سواء على الصعيد الدولي أو الداخلي، خاصة مع تزايد السخط الشعبي والأزمات الداخلية.
محادثات روما في مهب الريح
تعثرت أيضاً جهود إحياء الدبلوماسية. اقترحت عُمان، التي كثيراً ما لعبت دور الوسيط المحايد، استضافة جولة خامسة من المفاوضات في روما. لكن كبير المفاوضين الإيرانيين، عباس عراقجي، رفض الحضور، على ما يبدو بسبب توقعات بأن طهران ستضطر للرد على اقتراح أميركي يطالب بوقف التخصيب بالكامل. غير قادر أو غير راغب في تلبية هذا الشرط، اختارت طهران تأخير المحادثات بدلاً من مواجهة إنذار لا يستطيع قبوله.
المعارضة الداخلية والكلفة الاقتصادية
حتى داخل أروقة النظام الإيراني، بدأت أصوات المعارضة تظهر بشأن التخصيب. فقد خرج قاسم محب علي، المدير العام السابق للشرق الأوسط في وزارة الخارجية، عن الخط الرسمي، معلناً أن إيران لم تعد قادرة على الحفاظ على موقف “لا حرب ولا مفاوضات”. وقال: “لم نعد في وضع لا حرب ولا سلام”، محذراً من أن النظام يجب أن يتخذ خياراً حاسماً الآن. وانتقد محب علي الكلفة الاقتصادية الهائلة للبرنامج النووي، مشيراً إلى أن التخصيب استنزف أكثر من تريليوني دولار من الاقتصاد، بينما لم يساهم سوى بنحو واحد بالمئة من الكهرباء عبر محطة بوشهر. هذه التصريحات تعكس قلقاً متزايداً، حتى بين المقربين من طهران، حيال حكمة الاستمرار في سياسة جلبت المزيد من الألم مقارنة بالتقدم.
ردود فعل الأسواق تعكس الاضطراب
عكست الأسواق المالية هذه الهموم. بعد خطاب خامنئي الأخير، انخفضت قيمة الريال الإيراني بشكل ملحوظ، حيث ارتفع الدولار بمقدار 2000 تومان ليصل إلى 84,000 تومان. ورغم محاولات وسائل الإعلام المرتبطة بالنظام، مثل صحيفة “كيهان”، تصوير هذا الانخفاض كدليل على موقف خامنئي القوي، فإن الحقيقة هي أن المستثمرين يستعدون لانهيار الدبلوماسية واستئناف العقوبات.
تدخلات إيران في سوريا: استمرار الفشل
لا يقتصر ضعف النظام الإيراني على الجبهة النووية أو العزلة الدولية، بل يمتد إلى تدخلاته في سوريا، التي استمرت حتى بعد سقوط نظام بشار الأسد. لسنوات، دعم النظام الإيراني، عبر الحرس الثوري وفيلق القدس، ميليشيات طائفية أسهمت في إطالة الصراع وتعميق معاناة الشعب السوري. حتى بعد انهيار نظام الأسد، واصلت إيران محاولاتها للحفاظ على نفوذها في سوريا من خلال دعم بقايا هذه الميليشيات، لكن هذه الجهود لم تحقق سوى المزيد من الإنهاك لموارد النظام. هذه التدخلات، التي كانت تهدف إلى تعزيز الهيمنة الإقليمية، كشفت عن حدود قدرات طهران، حيث أصبحت عاجزة عن تحقيق أهدافها في ظل الضغوط الداخلية المتفاقمة والرفض الإقليمي المتزايد.
إيران عند مفترق طرق
يجد النظام الإيراني نفسه عند مفترق طرق. لا يستطيع التراجع عن مواقفه المتشددة دون أن يبدو ضعيفاً، ولا يمكنه الاستمرار في مساره الحالي دون المخاطرة بمزيد من العزلة والتدهور الاقتصادي. مع مطالبة الولايات المتحدة بوقف التخصيب بالكامل ورفض خامنئي التنازل، تتقلص نافذة الحل الدبلوماسي بسرعة. ظل الحرب، الذي كان قد أُزيح جانباً بفضل المفاوضات المؤقتة، يلوح في الأفق مجدداً، تاركاً النظام في مواجهة مصيره المحتوم: إما الاستسلام أو الانهيار.