لم احتاج وقتآ طويلا حتى يتثنى لى دراسه حركه الناس وما يشغل تفكيرهم أو ما يجلس على أنفاسهم ولكن كانت ثلاثون دقيقه مده كافيه جدا للتعمق فى تفاصيل حياتهم والتى ظهرت ليا جليا دون تخفى عند جلوسى بمحطه قطار فيكتوريا بالإسكندرية لانتظار صديق لي قد تأخر علي
فلم اجد مقاهى متاحه فى ظل إغلاقها جبرآ نتيجه ازمه كورونا الشديده لم افهم لماذا اخذتنى اقدامى لمحطه القطار رغم أنها ليست طريق صديقى المتأخر
كان امامى حركه متواصله وسريعه لأفراد فى مختلف الأعمار ما بين شباب وفتيات وكبار سن وكانت رحلات القطار فى الاتجاهين مستمره وكالعاده ركاب ينزلون منه وآخرين يدخلون إليه
شاهدت ازدحاماً كبيره جدا سواء داخل القطار أو على رصيف المحطه فتردد فى نفسى سؤالا وهو ما جدوى غلق المقاهى والمتاجر وهذا الازدحام موجود بمحطات القطار والناس فيها من كل فج عميق على اختلاف امكانهم وأعمارهم ؟!
وقتها لم اجد اجابه له فكيف يتم مجابهه مرض قاتل بهذه الطريقه التى بها نميز بين جهه وأخرى وبين مكان واخر ويمكن عمل هذا اذا كنا على علاقه وطيده بهذا الفيروس ونتحدث معه ونعرف اماكن تواجده وماذا يشتهى أو يرغب؟!
رأيت وانا جالس أمرآه متقدمه فى العمر تلبس كمامه وكانت حريصه كل الحرص على تثبيت الكمامه بشكل جيد من الجانب الأيمن والايسر وكان عيونها وهى تفعل ذلك ابلغ من اى حديث
فقد كان تحمل فيهما الخوف والقلق وكانت ابنتها تقول لها وهما فى طريقهم للحاق بالقطار ( أجرى ياماما القطر هيطلع..يووووه انت كل شويه هتقعدى تشدى فيها سيبيها على الله بقى)
هذا المشهد ترك في نفسى اثر سىء فهذه المرأه المسنه بما فعلته وكأنها تريد أن تقول انها ومن يناظرها فى العمر هم أكثر جهه مستهدفه وأنها لو لم تحاول تثبيت كمامتها جيدآ فسيكون الخيار الاول والأخير هو الموت
بينما يمكن تشبيه ابنتها التى تهرع إلى القطار بحركه الشارع الطبيعيه والغير مكترثه بهذا الفيروس اللعين
المشهد الثانى الذى كان له بالغ الأثر فى نفسى وهو عمال اليوميه الذين تأثروا بنسبه مائه بالمائه بركود الحياه الاقتصاديه كاحدى تداعيات المرض
فامامى كان مجموعه من العمال يتحدثون بصوتآ عاليا وبدت عليهم معالم الحزن والضيق وسمعتهم أحدهم يقول يعنى جايين كل ده ويقولنا الشغل وقف ومفيش رمله أو اسمنت ولا حاجه)
فهم على الأرجح من محافظه خارج حدود الاسكندريه ويبدو أن (نأبهم طلع على شونه) بالعباره البلدى الشهيره
اقترب منى وانا جالس بائع حلوى يبدو عليه الانهاك والتعب وأخذ يمرر قطع الحلوى ناحيه وجهى حتى أنها كادت أن تخترق عيناى لم اجد فى نفسى ضيقآ من هذا وأخذت فعلته هذه بغير قصد فربما خانه الحاحه وحاجته الشديده للمال فى ظل هذا التردى الاقتصادى أن يقرب الحلوى منى أكثر ربما هذه نظريته!
اشتريت منه قطعه حلوى كانت بنكهه هذه الأيام التى نعيشها فلم اجد لها اى طعم و مذاق فمهما كان طعمها فلا يقارن ابدا بطعم الحياه كما يتذوقها هذا الرجل المسكين
المشهد الثالت
امراه تتحدث مع زوجها وتقول له بيقولوا يا عباس حالات الوفاء انهارده قلت
لما سمعت كلمه الوفاء من فم هذه المرأة اصابنى الضحك على نطقها للكلمه وقلت فى قراره نفسى أنها كلمتها أصابت كبد الحقيقه دون أن تقصد نعم لقد قل الوفاء بالهمزه!
انها مجرد محطه قطار ولكنها تعد مسرحآ لنبض الشارع واقول أننى فى نص ساعه قد تمكن من الحزن والضيق رغم صلابتى فاحوال الناس وحالات الذعر من هذا المرض اللعين لا يمكن وصفها
والغريب أنه برغم ذلك نجد من لا يعتبر ومن يحاول تجاهل تلك الحقيقه المره التى نحن بصددها الان والتى معها شلت حركه العالم وأصبحت الدول عاجزه عن مواجهه الازمه فكل المحاولات لم تعطى نتيجه و لا ترقى حتى لدرجه المسكنات
المفزع اننى فى نهايه هذه الجلسه تلقيت اتصالا من صديقى الذى انتظره يقولى لى ان جاره قد اصيب بالمرض وبحكم أنه وأسرته يتعاملون معهم فقد قامت الحكومه بعزلهم ووضعهم فى حجر صحى !
بدأت أسأل نفسى عده اسئله
ما هذا الذى نعيشه؟! اى كابوس هذا ؟!
هل نحن فى انتظار حدثآ جللآ او نهايه قريبه لهذا العالم ؟!
من هول هذه الأحداث المرعبه تمنيت
اعود الى بيتى واجد اسرتى لم يمسها سوء هى الاخره وسط هذه الموجه العاصفه والسريعه من الأقدار
فنحن لا ندرى ماذا سيحدث فى الدقيقه القادمه
خرجت من باب المحطه فتوقفت أمامى سياره اجره ورأيت السائق يخرج رأسه من الشباك ويقول لى وهو مبتسمآ (جاى كورونا يا باشا) وكأنه يعلم ماذا يدور بعقلى وما تحمله نفسى وقتها
قولت له (شكرا ربنا يخليك) نحن لا نحتاج إلى الذهاب الى كورونا فهى بكل اسف تعرف الطريق جيدآ لضحاياها …