كتب د.صلاح عبادة سيدي يا رسول الله..يا تاجا وهّاجا منيرا علي جبين البشرية..يا سيد ولد آدم ،كما وصفت نفسك الشريفة غير مختال ولا مفتخر..هذا يوم مولدك العظيم ..سيد الأيام علي مرّ الزمان منذ الأزل وإلي الأبد..يوم مولد النور والرحمة والهداية والحب والحرية!!يوم تنتظره البشرية في كل عام لتعاين كيف تجسّدت العظمة في واحد من أبنائها..بل إن العظمة نفسها لتطامن رأسها خشوعا أمام عظمتك الحقيقية الخالدة!! يوم مولدك الشريف تستلهم منه البشرية عبقرية النبي الصادق ..مستقبل وحي السماء ..المبلّغ..الداعي إلي سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والصبر والحلم والرفق واللين ..الداعي البرّ الشفوق،الخبير بأدواء النفس البشرية ..المؤاسي لجراحها ..الحاني علي ضعفها….المتألم لشقائها..الماسح علي أوجاعها..المهدهد لأحزانها..الداعي الذي جعل كل همّه في استنقاذ الأرواح الشاردة من البوار وسوء المصير..ما أروع قولك الذي يبعث علي حبك :”إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارا فجعل الفراش والجنادب يقعن فيها وهو يذبّهن عنها وأنا آخذ بحجزكم أريد أن أبعدكم عن النار ،وأنتم تفلّتون منّي”!! يوم مولدك دعوة تتجدد لاستلهام قيم الرجولة الحقّة حيث العزم والإصرار والثبات علي المبدأ الحق..إنه الموقف الذي دونه الحياة..يوم أن خيّرك قومك بين الملك والجاه والمال والسلطان في ناحية ،والعدول عن المضيّ قدما في سبيل دعوتك الشريفة في ناحية أخري ..فضربت أروع الأمثلة في الصمود والتمسك بإبلاغ دعوة ربك التي اصطفاك لها ..قائلا قولتك التي سطرها لك الزمان :”والله يا عمّ لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري علي أن أترك هذا الأمر ما تركته حتي يظهره الله أو أهلك دونه”!! يوم مولدك يا نور الكون..هو يوم مولد الرحمة الشاملة :”وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”..الإنس ..والجن..والطير ..والحيوان ..حتي الحيوان الأعجم حفظت له حقوقه ،وأوصيت به خيرا ،وكان له من عطفك نصيب ،حين أهبت بالبشر قساة القلوب أن “اتقوا الله في البهائم المعجمة فاركبوها صالحة وكلوها صالحة”..وحين سألك أحد أصحابك الكرام..نجوم الهداية:”وإن لنا في البهائم لأجرا؟!”فرددت عليه بكلمة جامعة :”في كل ذات كبد رطبة أجر “..وحين عظّمت موقف المرأة التي سقت كلبا،مخبرا من حولك “أن الله غفر لامرأة مومسة مرّت بكلب علي رأس ركي يلهث قد كاد يقتله العطش ،فنزعت خفها فأوثقته بخمارها ،فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك”..وحين أرعدت منذرا ومحذرا:”دخلت امرأة النار في هرّة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض”!! يوم مولدك يا معلم البشرية ..هو يوم لاستلهام روح الجهاد الحرّ النبيل ..وتحمّل المشاقّ والآلام التي لا يطيقها البشرفي سبيل إرساء قواعد الدين الخاتم ،الذي كملت به منظومة الأديان السماوية ..وفي سبيل بناء حضارة إسلامية سادت العالم ..وأشرقت عليه علما ومعرفة وكشوفا ،يوم أن كان يغرق في جهله وظلامه وخرافاته ..وفي سبيل تربية أمة كانت قبل مبعثك الشريف تبدد طاقاتها في الإغارة والسلب والنهب والثأر والقتل والدماء ..وضربت أسوأ المثل في العنجهية وجفاء الطباع ..ووعورة الأخلاق ..وسفاهة الأحلام إلي حد عبادة الأصنام ؛فاستحالت علي يديك “خير أمة أخرجت للناس”..بل صار كل رجل من رجالها يعدل أمة وحده في الإيمان والإخلاص والطاعة والتضحية والفداء..إنها حقا لمعجزة وأيّ معجزة.!! لا يقدر علي صنعها إلا رجل من ذلك الطراز الرفيع الفذ النادر من الرجال!! يوم مولدك الحبيب ..بعث يحيي قيم العفو والتسامح الكريم..والعفو الحليم..تلك القيم التي نبعت من روحك ..وبثتها تعاليمك ..وصدّقتها أعمالك ومآثرك الخالدة ..حين عفوت عمن أساءوا إليك ..وآذوك ..واضطهدوك..وأخرجوك من بلدتك الحبيبة “مكة”..ويوم أن أظفرك الله بهم ..ووهبك الفتح المبين عليهم ..ووقفوا بين يديك ضارعين ..يرقبون ،في ذلة، ما أنت فاعل بهم ..قلت قولتك التي دوّت في سمع الزمان :”اذهبوا فأنتم الطلقاء”!! سيدي يا رسول الله ..إن مآثرك الجليلة لا يحويها،لكثرتها،سجلّ..شجاعة صدقك ..وإخلاصك الحرّ العميق ..وحدبك علي البشرية التي اتسع قلبك لآلامها وأحلامها ..تلك المآثر والسجايا الخوالد فتنت أفئدة الصفوة وألهمت الشعراء والفلاسفة علي مرّ العصور ومن كل الأمم ..وفاضت علي ألسنتهم أنشودات شعرية وفلسفية..تلك العبارات العذبة الساحرة انثالت فيضا طبيعيا علي لسان الفيلسوف والناقد والمؤرخ الاسكتلندي المنصف “توماس كارليل” في كتابه “الأبطال” قائلا عنك:”وقد رأيناه طوال حياته رجلا راسخ المبدأ صارم العزم ،بعيد الهمّ،كريما برا رؤوفا تقيا فاضلا حرا ..رجلا شديد الجد مخلصا وهو مع ذلك سهل الجانب ،ليّن العريكة ..جمّ البِشر والطلاقة ،حميد العشرة ،حلو الإيناس بل ربما مارح وداعب ،وكان علي العموم تضيء وجهه ابتسامة مشرقة من فؤاد صادق..نعم لقد كان هذا الرجل حادّ الطبع ناريّ المزاج ،ولكنه كان عادلا صادق النية ..كان ذكيّ اللب ،شهم الفؤاد،ممتلئا نارا ونورا ،رجلا عظيما بفطرته لم تثقفه مدرسة ولا هذّبه معلّم وهو غنيّ عن ذلك كالشوكة استغنت عن التنقيح ،فأدي عمله في الحياة وحده في أعماق الصحراء” . سيدي يا رسول الله ..سيظلّ يوم ميلادك بسمة مشرقة علي ثغر الزمان ..وعيدا لمشرق النور والحرية علي الكون ..صلي عليك الله وملائكته والمؤمنون إلي يوم نسعد بلقائك ..”إن الله وملائكته يصلّون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما”صدق الله العظيم .