بقلم / أ: مصعب أبوبكر أحمد
كان المدحُ في العصر الجاهلي من أهمّ أغراض الشعر ؛ ففيه مدح الشعراءُ أشرافهم وملوكهم ، ولكن ماذا كان موقف النبي صلَّ الله عليه وسلم من المدح بين يديه ؟
نقول : قد أقرّ ذلك ولم يتأفف منه أو عليه ، وهذا ماوجدناه ثابتاً في الحديث الذي رواه الترمذي في الشمائل من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن رسول الله صلّ الله عليه وسلم دخل مكة في عُمرة القضاء وابن رواحة بين يديه يقول :
خلوُّ بني الكفار عن سبيله
اليوم نضربكم على تنزيله
ضرباً يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله
فصاح عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يابن رواحة بين يدي رسول الله تقول شعراً !! فردّ صلّ الله عليه وسلم : ( خلِّ عنه ياعمر فلهي أسرع فيهم من نضح النبل ) . كذلك ورد في ” المذاهب اللدنيّة ” عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رواية البيهقي : جاء أعرابي إلي رسول الله صلّ الله عليه وسلم فقال : يارسول الله أتينا وما لنا صبي يغط ولا بعير يئط وأنشد يقول :
أتيناك والعذراءُ يدمي لبابها
وقد شغلت أم الصبي عن الطفل
وألقى بكفيه الفتى لاسْتَ كأنه
من الجوع ضعفاً لا يمرُ ولا يُحلى
ولا شيء مما يأكل الناس عندنا
سوى الحنظل العاميّ والعِلْهِز الفسل *
وليس لنا إلاّ إليك فراراً
وأين فرار الناس إلاّ إلي الرسل
فهبّ صلّ الله عليه وسلم يجرُّ رداءه حتى صعد المنبر ، فرفع يده إلي السماء ثم قال : ( اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريعاً غدقاً طبقاً نافعاً غير ضار عاج لا غير رائث تملأ به الضرع وتنبت به الزرع وتحي به الأرض بعد موتها ) فما رد النبي صلّ الله عليه وسلم يده إلي نحره حتى التقت السماء بأبرقها . فجاء أهل البطانة يضجعون : الغرق الغرق ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( حاولينا ولا علينا ) فإنجاب السحاب عن المدينة حتى أحدق بها كالتاج ، فضحك صلّ الله عليه وسلم ثم قال : ( لله در أبي طالب حيّاً لقرت عيناه من نشيدنا قوله ) فقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : يارسول الله كأنك تريد قوله :
وأبيضٌ يستسقي الغمام بوجهه
ثمّالُ اليتامى عصمة للأرامل
تُطفى به الهُلّاكُ من آل هاشم
فهم عنده في نعمة وفواضل
كذبتم وبيت الله نبزى محمداً
ولماُنَ طاعن حوله ونناضل
ونُسلِمُهُ حتى نصرَّع حوله
نذهل عن أبنائنا والحلائل
فقال صلّ الله عليه وسلم : ( أجل ، أي والله ) .
عليك أفضل الصلاة والتسليم ياسيدي يارسول الله ياعلم الهدى ونبراس الوجود .
* العِلْهِز : طعام من الدم والوبر كان يتخذ في المجاعة واليبس