بقلم العميد الركن السوري مصطفى احمد الشيخ
في اشد اللحظات قسوة التي يكتب فيها التاريخ على وقع حوادث نوعية مفصلية في حياة الشعوب لتحدد مستقبلهم لعقود من الزمن وربما لقرون ، نجد ان هناك طفرات تحدث نتيجة تلك الاحداث المهولة ، فقد ظهرت زنوبيا زوجة اذينة في فترة من الزمن لتثبت من جديد ان المرأة قادرة ان تكون في مراتب القادة العظماء ، وما يتحقق هذا الا من خلال عدة معطيات اهمها الحالة الثقافية العامة والتي بالضرورة تعتبر المناخ الخصب لظهور رجالات وقادة يسجلهم التاريخ ممن غيروا مجراه وكرثوا حالة نوعية تبقى اصدائها وعبقها يفوح كلما فتحنا دروس التاريخ وغصنا في خضمه نبحث عن ذاك الاريج بغض النظر عن عواطفنا ..
في الحقيقة تلقيت دعوة مؤخراً من رئاسة المقاومة الايرانية ( مجاهدي خلق ) لحضور امسية رمضانية تضامناً مع الثورة السورية ولتأكيد وحدة الهدف والمصير في هذا الصراع الدائر في الشرق الاوسط وتحديداً في سوريا ، الا انني تفاجأت عندما لبينا الدعوة بأنني امام حالة تستوجب مني انصافاً ان اكتب عنها ، هذه المنظمة التي امتد نضالها منذ سبع وثلاثين عاماً دون كلل او ملل ضد نظام الملالي بطهران ، جميع من حضر كان ينظر لهذه المجموعة نظرة اعجاب ودهشة لما وصلت اليه من دقة في التنظيم وانضباط في مستويات القيادة والوعي والثقافة العالية المستوى،
الجميع من كافة المستويات الثقافية تعمل بدون راتب وفقط بالكاد ان يسد رمق احدهم وفقط ، والذي لفت انتباهي ان تلك المجموعة الضخمة من الرجال والباحثين والمفكرين والساسة قد قطعوا عهداً على انفسهم بالتجرد من كل ملذات الدنيا والتفرغ لقضيتهم وخدمتها على الوجه الذي يجعلك لا تصدق ما تسمع او ترى بأم عينك ، الرجال منفصلين عن زوجاتهم تماماً والجميع بقناعة وعهد الا ان تنتصر قضيتهم ، اي رهبنة مطلقة بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى ، بما فيها القائد المنتخب السيدة مريم رجوي ، فقد اطلعت على مسيرة نضال تلك المرأة في عهد الشاه وعهد الملالي ،
فقد كانت قأئد ميداني في العراق وتقاتل على سلاح الدبابات ، وفقدت الجزء الاكبر من اهلها اعداماً على يد الشاه ومن بعده نظام الملالي ، مرأة لا يتجاوز وزنها الخمسين كليو غرام ، تتصف بالحشمة والتقوى ، وقوة البصيرة مع ان بصمات الالم والعذاب تركت على محياها ما يؤلم الناظر اليها ، استمعت بشغف لما قالته في كلمتها وكذلك في اللقاء الخاص البعيد عن الاعلام ، ولا اخفي مشاعري ان طيلة تلك المدة وانا شارد اللب ولم يخطر ببالي سوى زنوبيا ، شاهدت بام عيني هؤلاء الرهبان والراهبات لقضيتهم ما كنت اتصور ان هناك في هذا العصر اخلاص بهذا المستوى ، الجميع يعمل كخلية نحل وبدون اي ضجيج وباحترام وتواضع قل نظيره في اي دولة تتمتع بامكانيات وانضباط ، رأيت بام عيني كيف الدكتور والبروفيسور يقدم الطعام بنفسه الى الضيوف ولا يوجد اي عامل اجنبي يتقاضى اجر ، اراقب عن كثب كل حركة واغوص في اعماقها وافتش بكل جهدي لاجد شيء فيه خلل وخارج عن النظام والاحترام فلم اجد ابداً ، تكفي نظرة من السيدة مريم رجوي لان يتحقق ما تريد ، اي انضباط واي احترام الذي رأيت ، اي وعي واي ثقافة متنورة لا تميز بين الانسان والانسان ، مع العلم ان ابنة رجوي في مخيم اشرف ( ليبرتي بالعراق ) لم ترضى ان تخرجها منه ،
الا ان تخرج مع كامل المعسكر فيما لو تمت الصفقة ، الملفت للنظر ان التخصص في العمل والامكانات الهائلة مع تقشف الى حد الرهبنة تماماً ، والاكثر من هذا ممارسة العمل الجمعي كثقافة متجزرة وسلوك ممارس ، وقفت طويلاً بيني وبين نفسي اسقط هذه التجربة على واقعنا في الثورة السورية فلم استطيع الصمود لابكي اهلي ووطني على الحال الذي نحن فيه ، لا يمكن بأي حال من الاحوال الا ان تنتصر هذه المقاومة ، هكذا نموذج جعل العالم بعد نضال ثلاثة عشر عاماً ان يرفعوهم عن قائمة الارهاب وان يفتح لهم كل مجالات العمل في العالم ، حقاً يستحقوا ذلك بجدارة ، ولا ابالغ ان قلت لا شبيه لهؤلاء العظماء وخاصة السيدة الفاضلة والقدوة الحق مريم رجوي ، لمثل هذا فاليعمل العاملون ، ولمثل هذا فالنعمل نحن السوريين حتى ننتزع النصر من براثن الطغاة ، وكم يجرح وجداني حالنا المشتت والمبعثر والمتناقض من اجل لا شيء سوى الضياع ، مع ان العالم بأثرة كشعوب مع ثورتنا بل واصبح شعبنا مضرب الامثال بالرجولة والتضحية ولكن ينقصنا الكثير ، علينا ان ننفض غبار الجهل والتخلف والفكر الفردي ونتآلف ونوحد جهودنا لان الزمن ربما لا يسعفنا كثيراً ، كانوا يبكون الماً على شهدائنا كلما ذكروا ،
ولتسمع باذنيك صوت المترجم وهو يبكي على ضحايا ثورتنا ، لترى بام عينك تلك المرأة وقد اغرورقت عيناها بالدموع على حالة اهلنا وعذاباته ، وصدقوني ولا ابالغ ان قلت مريم رجوي زنوبيا هذا العصر باقتدار ، تحية لهذه المقاومة البطلة التي انتجت زنوبيا العصر مريم رجوي ، تحية اجلال واكبار لهذه المقاومة التي تستحق مننا نحن السوريين الشكر الجزيل لوقوفهم الى جانبنا وعلناً وعلى مرأى ومسمع العالم المتخاذل دون خوف او وجل ، تحية لمن يستحق النصر وان تكون ايران المستقبل بيد هؤلاء العظماء