مقالات واراء

ممارسة الإنسان لاختياره النير

كتب لفته عبد النبي الخزرجي / العراق – بابل
هذا هو تعريف الحرية في لغة “رالف بارتون بري ” في كتابه الذي أحاول ان أقدم قراءة موجزة جدا في موضوعات صفحاته التي تناولها كتابه “إنسانية الإنسان ” والذي يضعنا أمام المعاني التي ترجمتها الكاتبة الفلسطينية “سلمى الخضراء الجيوسي ” وهو من منشورات مكتبة بيروت .
الكتاب في مجمل موضوعاته يتناول المذهب الإنساني ، ويحاول ان يضع تعريفا له : هو رسالة أو حركة ثقافية أو برنامج تعليمي ، جعل الإنسان هدفا ومثالا .
وحيث ان المذهب الإنساني يستند أساسا على امتلاك الحرية ، لذلك فهو يتجه لتعريف معنى الحرية ” ممارسة الإنسان لاختياره النير” وأن المثل الأعلى للمذهب الإنساني ، هو اعتبار الحرية عقيدة اجتماعية تقرر علاقة البشر بعضهم ببعض وعلاقتهم بمحيطهم الكلي .
وعلى ضوء هذا التعريف يؤكد الكاتب انه لإبراز دور المذهب الإنساني ، وإيصال مفهومه القانوني ، لابد ان تكون هناك دراسات حول التعريف بالمناهج التي تقع في إطار مفهومه ” للعلوم الإنسانية ” ، وهي من العلوم التي يجب ان تدرس في الجامعات والكليات والمعاهد ذات الاختصاص العلمي والاجتماعي ، حيث ينتقد الكاتب ما اسماه ، معارضة المذهب الإنساني للعلوم المادية ، ويعتبرها أكثر إنكارا ته خطورة وأشدها وبالا عليه .
الكاتب رالف بارتون بري ، يرى ان العقل هو محور نشاط الإنسان ، وعليه “الإنسان ” ان لا يحكم على شيء دون ان يكون العقل حاضرا ، ويضرب مثلا على هذا ، عندما صوت مجلس الشيوخ الأمريكي ، وهو أعلى هيئة تشريعية في الحكومة الأمريكية ، بحضر وتحريم نشاط الحزب الشيوعي الأمريكي ، حيث يؤكد الكاتب أن المشرعين (قد انجرفوا مع تيار الشعور العام ولم يعيروا التفاتا كاملا لا الى معنى الشيوعية ، ولا الى المشكلات الدستورية المترتبة على هذا القرار ، ولا الى الحكمة في دفع الحزب الشيوعي الأمريكي الى العمل السري – بل تركوا هذه المشكلات الى عقول ابرد وأكثر استقلالا في المستويات العليا للهيئات الدستورية والقانونية في الحكومة ) .
الكتاب يضم في صفحاته عناوين جوهرية ، وهو محور ما ورد في هذا الكتاب الجدير بالقراءة ، لأنه تحليل شيق ورصين لجوهر إنسانية الإنسان . حيث انه كان حاضنة للمواضيع التالية :
1) العقيدة الإنسانية
2) تعريف الإنسانيات
3) الاتجاه ضد المذهب الإنساني
4) ماذا يعني أن نكون أحرارا ؟
5) الحرية الجوهرية
6) الأمل بالخلود

تعريف الإنسانيات :تعرف الإنسانيات .. أنها المؤثرات التي تقود إلى الحرية ، ولابد من الإدراك ان المؤثرات ليست طبيعية أو ميتافيزيقيا .. ضمن الفطرة الإنسانية ، وهذا هو من الأسباب التي جعلت الإنسان يتميز عن الحيوان ، وهو دون الإنسان عقلا وتفكيرا ووعيا ونظاما والتزاما ، حيث يتقدم الإنسان كثيرا على الحيوان . وان الميزة التي تجعل من الحيوان دون الإنسان ، لان الحيوان متخصص ، فهو يعمل شيئا واحدا ، بشكل يثير الإعجاب ، ولكنه لا يستطيع ان يعمل شيئا غيره بمحض إرادته .
نعود مرة أخرى للاختيار النير “الحرية ” لكي نؤشر شروط الاختيار النير :
1) التثقيف الحر : وهو اختيار واع لقدرات الإنسان وإدراكه السليم في استيعاب المعارف والعلوم والثقافات المتنوعة التي تعرفها الشعوب ، ومدى قدرة الإنسان على التزود من هذه العلوم والمعارف والآداب والثقافات ، ليتمكن من رسم خارطة طريق لبوصلة مسيرته ، وليستطيع أيضا ان يصنع اختياره المعرفي من خلال الوعي .
2) العلم والخيال : وهي من اللوازم الأساسية للتثقيف ، لان الخيال والعلم يمكنان العقل ويزودانه بخيارات متنوعة .
وحيث أنه لا توجد حرية مطلقة ، فإن الحرية تصبح قوام كرامة الإنسان ، وهي كرامة وميزة إنسانية شاملة .
3) ( التعاطف ، الكرامة ، التهذيب ) :
ومن تعوزه أو يفتقد هذه المزايا ، فقد تم وصفه ” غير حساس ، بليد ، فاتر الهمة ، متحيز ، ضيق الأفق ، دنيء ، تافه ، متعجرف ، فظ ، خسيس ، شديد الانغماس بالذات ، وحشي .”
ان هذه الانسيابية الرصينة في الغوص في جوهر الاختيار النير ، ومعرفة قدرات العقل الإنساني في الاستيعاب والاستزادة من العلوم والثقافات الإنسانية والتفاعل مع المعارف المتنوعة والتي تجعل من العقل بوصلة تؤشر مسارات الإنسان وتميزه عن الكائنات الحية الأخرى ، هي ما اسماه الكاتب (رالف بارتون بري) الاختيار النير .. اي الحرية .

زر الذهاب إلى الأعلى