الكاتب : رعد التميمي
المقاهي في المجتمع البغدادي،هي مجالس ومنتديات اهلية وشعبية، يلتقي فيها البغداديون، و لها تقاليدها الموروثة، عرفت في العهد العثماني، وكانت تؤدي وظائف مشتركة ابرزها اجتماعية, حيث تجري فيها اللقاءات الاجتماعية التي يتم فيها استذكار الاخبار والاحداث ومناقشة شوون الناس ومصالحهم، وللمقاهي دور مهم في خدمة الانشطة الثقافية والرياضية والسياسية والفنية حيث يلتقي فيها رجال تلك الانشطة.
اول مقهى نشات في بغداد سميت بمقهى بروازي وكان ذلك عام 1856 في محلة باب الاغا .
ويخبرنا مؤرخو بغداد الى وجود 184 مقهى في العراق ومحلات بغداد في العصر العثماني وكانت من اشهر المقاهي (سكة خانة) ومقهى الاورفه لي في الباب الشرقي ومقهى (كل وزير) في الميدان وكانت هذه المقاهي ملتقى كبار موظفي الدولة والعسكريين . وكان القاسم المشترك بين هذه المقاهي حتى الى عهد قريب تعليق الايات القرانية والامثال الواعظة على جدرانها وتقديم عصير الليمون وشربت ماي الورد والشاي والحامض والقهوة للزبائن (وهنا ينبغي التنويه بان الشاي الاعتيادي لم يكن معروفا قبل مئة سنة على نطاق واسع وقد انفرد احد العطارين في الحيدر خانة ببيعه .. لكن بغداد على اية حال عرفت هذا الشاي عام 1870 في ايام الوالي مدحت باشا) وفي شهر رمضان كان رواد المقاهي يتسلون بلعبة الصينية اضافة الى الدومنة والطاولي والشطرنج والدامة والمنقلة في الايام الاخرى.
وفي الاعياد كان عمال المقاهي يرطبون وجوه الجالسين بماء الورد طمعا في العيدية والجدير بالذكر في هذا الصدد ان الامية كانت سائدة بين المواطنين بشكل صارخ ولذلك كانت القصص تروى للاميين وكان القصخون يشنف الاسماع ببطولات عنترة وابي زيد الهلالي او سيف بن ذي يزن بعد صلاة العشاء في مقاهي الجوبة والفضل وباب الشيخ والدهانة (بالرصافة ) ومقاهي الفحامة وسوق العجيمي والست نفيسة والشيخ صندل (بالكرخ) وقد شاهد البغداديون في الثلاثينيات القصخون (ملا فرج) في مقهى حوري في محلة خان لاوند على راسه الجراوية وبيده سيف خشبي يشبه سيف دون كيشوت .
ومثله كان القصخون ( نصيف العزاوي) وكانت هذه القصص تؤدي رسالة السينما توغراف عام 1911 .
واشتهر القصخون باسم الشاعر وكان ابرزهم – مع العشرينات – في تلاوة السيرة الهلالية المدعو (احمد الشاعر).
لسنوات عدة كان مقهى حسن عجمي في شارع الرشيد الملاذ الامن والتجمع الاكثر شهرة للادباء فاذا اضعت احد من اعلام الادب العراقي فانك تجده على اريكة قديمة من ارائك تلك المقهى حيث شهدت ـ حسن عجمي ـ المعارك الادبية والصراعات الحداثوية ذائعة الصيت بين قصيدة ـ لغة تفكر ـ قصيدة النثر والمعارضين لها، وكذلك ولدت فيها المئات من القصائد تحت درجة حرارة 45ْ فما فوق..
وكان مقهى الزهاوي الذي يحمل اسم الشاعر والأديب جميل صدقي الزهاوي، ملتقى لفرسان القصيدة العمودية خلال العقود الاولى من القرن الماضي. كما كان مسرحا للخلاف بينه وبين نده معروف الرصافي. وبدأ مقهى الزهاوي يستقبل الزبائن في 1917. وقد قاوم عوامل الزمن كما خضع للتجديد لأكثر من مرة. وتمكن بذلك من الحفاظ على معالمه بعد ان اصبح تابعا لأمانة بغداد. لكنه يفتح أبوابه في أوقات متفاوتة تبعا للحالة الأمنية في محيطه.
وكان شاعر الهند طاغور قد زار المقهى عندما جاء الى العراق والتقى الشاعر الزهاوي خلال ثلاثينات القرن الماضي. ومن أبرز رواد المقهى عالم الاجتماع العراقي علي الوردي والشاعران محمد مهدي الجواهري وبدر شاكر السياب.
وفي تسعينات القرن الماضي وبعد بداية انحسار مقاهي الزهاوي وحسن عجمي والشابندر، وجد بعض الادباء والكتاب مقهى “الجماهير” قرب جريدة “الجمهورية” في باب المعظم مكانا بديلا للتجمع بشكل يومي. وكان المقهى ملتقى للأدباء والصحفيين والفنانين التشكيليين لقربه من اكاديمية الفنون الجميلة ايضا.