كتب الشيخ : لفتة عبد النبى الخزرجى / بابل / العراق الفصل الاول : دراسة في علم النسب : 1- النسب عند العرب
إن علم النسب من أجل العلوم مقاما ، وأعظمها قدرا ، وأسطعها نورا ، وأوسعها إنتشارا وأبهاها سناء، وأرفعها سناما ، والعرب من أشد الأمم حرصا على أنسابها ، وأعظمها تمسكا بنقاوة النسب .
أنفرد العرب دون سائر الأمم بإيلاء النسب العناية والإهتمام ، وأن هذا العلم حظي ومازال يحظى بقدر كبير جدا من الإهتمام لدى المعنيين به ، ولدى جمهرة غفيرة من القبائل العربية وغيرها ،وان هذا الحرص وهذا التمسك الشديد بالنسب لم يأت من فراغ بل أنه جاء تلبية للأحكام الشرعية أولا : لما إستقر عليه العرف العشائري ، ولما يترتب عليه من امور مطلوبة ومعارف مندوبة من الاحكام الشرعية والمعالم الدينية . النسب لغة : وجمعه انساب ، ومن ينتسب الى أبيه فقد إعتزى اليه ، ويقال رجل نسابة : متبحر في علم النسب ، ويكون النسب عادة من الأب ، وهذا متعارف عليه، أن النسب في الآباء دون الأمهات ،ومنهم من يقول في الأم والأب( 1) أما النسب إصطلاحا : إتصال شخص بغيره عن طريق الولادة لأب واحد مشترك بينهما ،أو أن الأحفاد يعودون بنسبهم لأجدادهم من خلال الإتصال بجد في عمود النسب الذي يربط الجميع بعلاقة نسب موحدة . 2- النسب في الشريعة الإسلامية : أن الأهتمام الجاد والمتميز الذي أظهره الدين الإسلامي الحنيف في بناء الأسرة والتي تعتبر اللبنة الأساسية في بناء القبائل ثم الشعوب، والزواج هو الرافعة الأولى والجوهرية في تكوين العوائل والأسر والقبائل ،وقد أشاد الدين الإسلامي بمفهوم الزواج وأعطاه حيزاً كبيراً في تشريعاته ، وحث عليه ودعا لإكمال الدين من خلال العلاقة الزوجية ،وشرع لها القوانين التي تحميها وتعمل على ديمومتها . 3- موقف الشريعة من النسب ونقاوته : إن تنظيم الحياة الإجتماعية والإهتمام بالإسرة والعائلة ، كان من أولويات الشريعة، لأن الشريعة الإسلامية أرادت أن تضع الضوابط للزواج والعمل على حث الآخرين لإعطائه الإهتمام الضروري تجنبا ،لضياع النسب والحفاظ على جرثومته نقية سليمة واضحة، وتحريم الزنا لأنه مضيعة وفقدان للنسب ، ومنع التبني لأنه يدخل على النسب ما ليس فيه ، ولذلك ورد النص في كتاب الله سبحانه ( وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديرا ) آية 54من سورة الفرقان . والنسب له ثلاثة أصطلاحات : 1- النسب الطولي : والمقصود منه مشاركة الأبناء وآبائهم في عمود النسب . 2- النسب العرضي : وهو النسب الذي ينشأ من الترابط بين الأخوة وبني العمومة . 3- عمود النسب : وهو العلاقة المتحصلة في الأصول النسبية التي ينحدر منها النسب … وهم الآباء وأن علو والأولاد وأن سفلوا .. بمعنى مشجرات الأنساب السليمة والموثقة .( 1) وهناك نقاط ذات صلة بالنسب لابد من التعرف عليها : 1- الرحم : وهو بيت منبت الولد ووعاؤه .. والأصل في الرحم ، القرابة والصلة والشفقة والرحمة ، ويقال عادة ذوو الارحام ،بمعنى ذوو القرابة ، والصلة بين النسب والرحم ، ان كليهما يقودان الى الإرث ، لكن النسب أعم من الرحم . 2- العصبة : وهذه في اللغة .. الطي الشديد ، وعصب الشيء بمعنى طواه أو شده، والعصبية المعروفة لدى القبائل ، مأخوذة من العصبة وهم عصبة الرجل ،بنوه وقرابته لأبيه ، والنسب أعم من العصبة ، وفي مختار الصحاح “وعصبة الرجل بنوه وقرابته لأبيه، سموا بذلك لأنهم ” عصبوا ” به بالتخفيف أي أحاطوا به، والأب طرف والأبن طرف والعم جانب والأخ جانب ،والعصبة من الرجال ما بين العشرة الى الاربعين “. 3- الصلب : والصلب فقار الظهر، وهو معروف عند العرب، وفي الإصطلاح اللغوي ، الصلب هو النسب الذي يكون بين الآباء والأبناء علوا أوسفلوا ، والنسب أعم من الصلب . 4- الآصرة :وهي القرابة ، وفي اللغة يقال شد الاواصر ، لحمتها ، والآصرة أعم من النسب. 5- الولاء : وتعني النصرة ، والنسب ،عم من الولاء . 6- العقب : يقال عقب الرجل بمعنى ذريته ،وهم ولده وولد ولده وهناك قول ” فلان لا عقب له “أي انه ليست له ذرية تخلفه . 7- الأسباط : والسبط في اللغة إبن البنت ، ولذلك قالوا “سبطي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، للأمامين الحسن والحسين عليهما السلام ” والنسب أعم من الأسباط . 8- الأحفاد : والحفيد لغة ولد الولد .. والنسب أعم من الأحفاد . 9- النافلة : وهي في اللغة بمعنى الأحفاد ، يقال نافلة فلان أي أحفاده . والنسب أعم من النافلة . 10- الذرية : والذر هو النسل، والذرية أصلها الأولاد ، والنسب أعم من الذرية . 11- النسل : وهو الخلف الأولاد ، يقال فلان كثر نسله ، أيإزدادت ذريته وكثرت ،ويقال تناسلوا وتوالدوا، والنسب أعم من النسل . 12- القعدد : وهي شرعا ،تطلق على القريب من الجد ا،الأعلى أو الجد الاكبر ،وفي اللغة القربى والنسب أعم منه . 13- الرضاع : ويقصد بالرضاع ” وصول اللبن الذي ترضعه الأم إلى جوف الطفل” . وهو فعل حقيقي قائم بين عدة أطراف – المرأة المرضعة، الرضيع واللبن . والنسب أعم من الرضاعة . 14- المصاهرة : يقال ان الصهر أهل بيت الزوجة والصهر القرابة والصهر زوج بنت الرجل او زوج اخته ،والصلة بين النسب والمصاهرة ” ثبوت بعض أحكام النسب بالمصاهرة ” وقد اختلف الفقهاء في هذا حيث يقول ابن الاثير : أن النسب ما رجع إلى ولادة قريبة من جهة الاباء ، والصهر ما كان خلطة تشبه القرابة يحدثها التزويج .(2) 15- العترة : يقال عترة الرجل : اصله وأقرباؤه من ولده وولد ولده في البلاغة ” كل عمود تفرعت منه الشعب فهو عترة ” والعترة نسل الرجل يقولون أيضا ” العترة ذرية الرجل وعقبه من صلبه والعترة والرهط لها نفس المعنى والنسب اعم من العترة . 16- الرهط : القوم والقبيلة والرهط والعترة لها معنى واحد وأما الصلة بين الرهط والنسب فأن “ثبوت بعض احكام النسب في الرهط ” . 17- القرابة : وهي القربى في الرحم والصلة في النسب القريب وخاصة وبالتأكيد صلة الدم . والنسب والقرابة لهما تفسير واحد جامع 4- النسب في الشريعة : قال تعالى في محكم الكتاب المبين ( ادعوهم لآبائهم هو أقرب للتقوى فإن لم تعلموا آبائهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ) آية 5 سورة الأحزاب . وقال الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله ” إنتقوا لنطفكم فإن العرق دساس”. النسب في الشرع ، حق من الحقوق المشتركة ، فهو حق بين الباري جل وعلا من جهة وبين أطراف النسب ( الأم ، الأب ، الولد ). ولأنه يحقق مصلحة عامة للمجتمع،فهو حق له سبحانه، حيث أنه من الروابط الوثيقة التي تربط المجتمع بعضه ببعض ، ولأنه يحقق ولاية الأب على الولد والولد الثابت شرعاً نسبه مادام طفلاً وحق ضم الولد إليه بعد إنتهاء فترة الحضانة وحق الإرث والنفقة . ولكي تتحقق للأم صيانة الولد من الضياع وترفع عنها تهمة الزنا والعياذ بالله فإنها تدعو الولد لأبيه .أما حق المولود فهو لدفع الشبهة عنه والعار الذي سيلحقه إذا لم يكن له نسب من اب . والنسب ليس هبة منأحد .. ولا محلا للبيع او المساومة إنها الشريعة ،ثبتها كتاب الله تعالى “ادعوهم لآبائهم”. “وأنه حق لله سبحانه والأب والم والولد ، وكونه حق لله سبحانه وتعالى ، فكما قال صاحب المحيط البرهاني ” أنه يتضمن حرمات كلها لله سبحانه ، حرمة المرأة وحرمة الأمومة والأبوة ” وهو حق للاب يحافظ به على نسله ، كما هو حق للأم تثبت به عفتها وترفع عنهاالعار ، وهو حق للإبن نفسه يثبت بها أصله ويدرأ عن نفسه الضياع ويكتسب بموجبه حقوقا ثابتة لا منازع له فيها سواء في الميراث أو تحديد درجة القرابة أو قيام مانع من موانع الزواج )3
وقال الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم : من إنتمى الى غير أبيه أو طلب غير مواليه ، لا يقبل منه صرف ولا عدل .عن كتاب – التعريف بالأنساب والتنويه بذوي الأحساب ” القرطبي . 5- النسب في العرف : تعارف العرب في تاريخهم الطويل على ذكر النسب والتمسك بالجذم القبلي والدفاع عن احسابهم وأنسابهم ، وأن جرثومة النسب وما يتبعها ، كانت وما زالت ،تحتل الموقع الأثير في نفس العربي ، وتعلو على كل شيء آخر ،بل أنها تستحق منه أن يضحي لها كل ما يملك ليحافظ على نقاوة نسله وسلامة جرثومته وبياض جذمه وأرومته ومن ينتسب لقبائل الأنصار ، يشعر بالزهو والفخر لأنه من أرومة طاهرة وشجرة عامرة ، حيث أن الإسم جاء من فوق سبع سموات ” والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين أتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها ابداً ذلك الفوز العظيم ” آية 100 /سورة التوبة . والأوس والخزرج .. من قبائل العرب العاربة ، ومنأقوام اليمن القحطانية ، ومن عقب ملوك اليمن ،حيث ان عمرو مزيقيا كان من أعظم الملوك وأكثرهم شهرة ،وجاءته التسمية لأنه كان يلبس في اليوم حلتين ويمزقهما في العشي يكره ان يعود فيهما ويأنف أن يلبسهما غيره .
6- النسب في القانون والعلم الحديث : قال تعالى في محكم التنزيل العظيم ” ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشاناه خلقا آخر فتبارك الله احسن الخالقين “الآيات 12-14 / سورة المؤمنون . تعتبر التشريعات القانونية التي صدرت في العديد من البلدان العربية والاسلامية، وسيلة أخرى مضافة لما تعارف عليه العرب في تنظيم النسل والنسب ، كما أن العلم قدم الكثير من الحقائق المثيرة في هذا الإطار مما عزز الثقة بضرورة إعتماد مصادر علمية وشرعية وقانونية لتظافر الجهود وتحقيق النسب عند الخلاف . حيث تعتبر بصمة الحمض النووي من أدق المصادر العلمية وأكثرها بروزا في إثبات النسب ،
أوضح العلم أهمية تقنية فحص الدم ،وخاصة أن فصيلة الدم لكل شخص تبقى ثابتة مدى الحياة ،وهي تنتقل من الوالد الى الولد وفقا لقوانين الوراثة ، وأن البصمة الوراثية التي تحتوي على كل الصفات الوراثية ،بداية من لون العينين والمواهب البشرية أو قابلية التعرض لبعض الأمراض، لا بل حتى أدق التركيبات في الجسم . وإستنادا الى الحقائق العلمية التي توصل إليها العلم في مجال فحص الدم فان القضاء يمكنه أن يثبت او ينفي البنوة ،بشكل دقيق وبدرجة عالية من الدقة والنقاوة او نفيها مما يعد نجاحا كبيراً للعلم في هذا الإطار ، وقد صدرت تشريعات قانونية في الكثير من البلدان الإسلامية تحت عناوين ” قوانين اثبات الابوة او النسب ” والغرض الأساس فيها هو فك الإشتباك في الخلافات التي تحصل عند إدعاء البنوة أو إدعاء الأبوة ، حيث هناك آباء يدعون بنوة أبناء ضيعوا أنفسهم لأسباب مختلفة و ابناء اضاعهم اباؤهم لأسباب اخرى . وقد ورد في الحديث الشريف ” من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه يعلم أنه غير أبيه ، فإن الجنة عليه حرام ) وفي صحيح البخاري ورد بهذه الصيغة ( من أدعى الى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام ) .1،2،3،أحكام النسب في الفقه الإسلامي /محمد الساعدي /دراسة تأصيلية تطبيقية مقارنة . مصادر البحث : 1- جمهرة أنساب العرب / إبن حزم الأندلسي / دار الكتب العلمية – بيروت . 2- أحكام النسب في الفقه الإسلامي / محمد الساعدي / دار الصفوة /طهران / جمهورية ايران الاسلامية . 3- إبن هشام / السيرة النبوية الشريفة/ مؤسسة حسام رمال / بيروت – لبنان . 4- الفاخر المستخرج في تاريخ الخزرج / ط2 / دار الفرات للثقافة والإعلام في الحلة /لفته عبد النبي الخزرجي.