كتب الشيخ موسى الهلالى
رحلة الخليل إلى مصر
ثم ارتحل الخليل ومعه زوجه إلى مصر، وكان بها ملك جبار ظالم لا يمر به رجل ومعه زوجته، إلا اغتصبها منه وقتله، فلما راهما عيون الملك قالوا له: إن ههنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه، وسأله عنها فقال: من هذه؟ قال: أختي، ثم أتى الخليل سارة، فقال: يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، وإن هذا سألني، فأخبرته أنك أختي، فلا تكذّبيني، فأرسل إليها، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده، فأخذ، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت فأطلق، ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت فأطلق، فدعا بعض حجبته، فقال: إنكم لم تأتوني بإنسان، وإنما أتيتموني بشيطان!! فقال: ارجعوها إلى إبراهيم، وأخدمها هاجر، فأتته وهو قائم يصلي، فأومأ بيده: مهيم- يعني ما الخبر- فقالت: «ردّ الله كيد الكافر أو الفاجر في نحره، وأخدم هاجر» «1» .
وفي مسند الإمام أحمد أنها لما دخلت عليه دعت قائلة: «اللهم إن كنت تعلم أني امنت بك وبرسلك، وأحصنت فرجي إلا على زوجي، فلا تسلط عليّ هذا الكافر» . وقد عصمها الله وصانها لعصمة عبده، ورسوله، وحبيبه، وخليله إبراهيم- عليه السلام- وتقبلا لدعائها ودعائه، فقد لجأ الخليل وقت ذهب بها إلى الجبار- إلى الصلاة، وإلى الدعاء: أن يرد الله كيد هذا الذي أراد أهله بسوء، ومن هذا نرى أن الصلاة كانت- ولا زالت- ملاذا يلجأ إليها المكروبون والمهمومون.
استيلاد الخليل هاجر
ثم رجع الخليل- عليه السلام- وزوجه سارة من بلاد مصر إلى بلاد الشام، ومعهما أنعام وعبيد ومال جزيل، ومعهما هاجر القبطية المصرية، فأقام بها نحو عشرين سنة، وكانت نفسه- عليه السلام- تتوق إلى الولد، حتى سأل الله ذرية طيبة، فبشره الله بغلام حليم، والله سبحانه إذا أراد شيئا مما يجري بين
الناس هيأ له الأسباب، فألهم سارة، فقالت لإبراهيم: إن الرب قد أحرمني الولد، فادخل على أمتي هذه لعل الله يرزقك منها ولدا فلما وهبتها له دخل بها إبراهيم- عليه السلام- فحملت منه، ثم وضعت إسماعيل- عليه السلام- وقد ولد ولإبراهيم الخليل ست وثمانون سنة، وبعد ذلك بشرت الملائكة سارة بإسحاق نبيا من الصالحين؛ فولدته بعد العقم، وعلى الكبر، ولإبراهيم نحو من مائة سنة، فبين ولادة إسماعيل وإسحاق ما يقرب من أربعة عشر عاما.
ومن ذرية إسماعيل كانت العرب العدنانية على اختلاف قبائلها وبطونها، ومن سلالته من الأنبياء خاتمهم، وواسطة عقدهم، ونبي العرب والعجم:
سيدنا محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي صلّى الله عليه وسلّم.
الهوامش
(1) صحيح البخاري- كتاب الأنبياء- باب «واتخذ الله إبراهيم خليلا» .