معاذ خيري و نجم جديد فى سماء القصة القصيرة من العالم الحر ( عيد الحزن )
ذهبت مريم الى الغرفة المجاورة لتستاذن امها فى رؤية الاطفال بدون قضبان
تقف ناظرتا من حديد النافذة المتوازى راسيا قابضتا عليه بكفيها الصغيرين ؛ترى الاطفال فى لهوهم ليلة العيد تتشابك ايديهم فى دائرة مبتسمة كثغورهم فى برآة يطوفون تارة
وتارة اخرى يغلقون الدائرة الى مركزها ثم فى انتظام تتفتح كورد الربيع المبتهج . ترمقهم مريم بعيونها اللامعتين وترى عمها العائد للتو هو واولادة حاملا الملابس وهم يحملون العاب العيد حوله ؛فتزداد اللمعة فى عيونها وتكاد تهطل بالبكاء حسرتا على فراق ابيها . ذهبت مريم الى الغرفة المجاورة لتستاذن امها فى رؤية الاطفال بدون قضبان ؛ فوجدتها تجلس القرفصاء وتجهش ببكاء تتصدع منه نجوم السماء اسرعت نحوها مريم ببرائتها حاضنتا راسها مقبلتا لها . سرعان ما حملتها امها فى احضانها غارقتا فى الدمع شلالا وما ان غيض الماء فى هذه العيون الساحرة الفاتنة وقل البكاء تدريجيا لتجد مريم قد نامت فتحملها وتمشي كالسلحفاة الى الفراش وتسدل عليها الغطاء وتنطلق الى المطبخ لتطهى الطعام ؛وبينما هى كذلك اذ نظرت الى القمر الذى قطعه سلك النافذة راجية منه ان يرسل سلاما لحبيبها وما ان انتهى الطعام الممزوج بنكهة الظلم والحزن فقد سقي من دموعها فلا ياكل منه الا كل مقهور ؛وعادت الى غرفتها واخرجت ملابسها وملابس مريم التى قد جلبها زوجها فى العام الماضي وبدون كى القتهم على كرسي خشبي بجوار السرير وتوجهت نحو مريم تسرق الخطوات دون ان توقظها . استلقت على ظهرها متاملتا سقف الغرفة فاتحتا عيناها على مصرعيهم ترسم حبيبها بريشة الخيال وتلونه بدموعها الدافئة . وما ان سمعت اذان الفجر حتى كفكفت دموعها و قامت مسرعتا فى نهم وايقظت مريم وزينتها والبستها فستانها الابيض وجدلت لها شعرها وبشريطة حمراء فاقع لونها عقدتها ؛ثم جهزت الحقائب ووضعت ثيابها هى الاخرى وما ان خرجوا من باب شقتهم المتواضعة حتى امرت مريم ان تمسك فى ذيل ثوبها وانطلقت حاملتا الحقائب تسمع تكبيرات العيد حولها وربما ترددها دون فرح ؛ تغبط مريم جميع الاطفال بمجرد رؤيتهم فإما لثوبهم او العابهم الى ان رات جموع الناس امامها فى عراء المصلي فرسمت البسمة على ثغرها الجميل ولكن سرعان ماختفت فوالدتها بدلت الطريق تاركتا العيد خلف ظهرهم ؛وظلت مريم تنظر فى تلفت بدموع المودع للاطفال والمصلى . وصلا الى الطريق الرئيسي وفى طول انتظار وقفا وها قد لاحت لهم حافلة عامة تقترب فى تبختر السقيم تعلوا خلفها الادخنه والعوادم وما ان اقتربت حتى لوحت لها ام مريم مسرعتا حتى توقفت فزجت بالحقائب داخلها وبمريم ايضا ثم صعدت هى الاخرى فى زحام شديد فلا موضع لقدم كانما فى ارض الحشر وقفو فزدادت ثيابهما سوء وجسدهما ارهاقا وسقما . وتوقفت فى اخر الطريق الحافلة لتنزل مريم وامها هى الاخرى وتضع الحقائب بجوارها وتنظف ثوبها وتعقد حجابها وتنظر الى مريم لتجدها بدون احدى شرائط شعرها فقد اخذتها الحافلة معها . حملت الحقائب وانطلقت ومريم تمسك بذيلها وتراها تتمتم بشفاها الراجفة بكلمات غير مسموعة لكنها تشبة من يتلوا الصلوات؛ تجر اقدامها وتسير بخطوات اثقلها القهر والفراق ؛تترك مريم وتذهب الى شباك فى مبنى ضخم امامهم لتتحدث مع شخص يجلس داخلة وتنطق باسم زوجها . تنظر مريم حولها لترى اطفال كثر كحالتها وهيئتها بدون عيد خيم الحزن فوق روؤسهم . سرعان ما عادت امها ليقفا فى انتظار مرير طال بهم كادت الشمس تصهر روؤسهم وتخطف ابصارهم وما ان دخل وقت الغروب وسمعت مريم منادى ينادى بصوت جهور اسم والدها علوش حماد فابتسمت ابتسامة امتزجت بالخوف ودخلت الى باب حديد ضخم غليظ المنظر كئيب ومشيت كالسلحفاة السقيم القادمة على الموت تنظر حولها لترى اسلاك وقضبان وسلاسل واغلال واقفال وكلاب تلهث واخرى نباحها معلوم وغير معلوم فينخر الرعب فى عظامها وتحتضن اقدام امها وما هى الى خطوات قليلة ووقفت امام سلك شائك يفصلة عن مثيلة قدم او اقل بقليل من الفراغ . وما هى الا ثوان معدودات وطلع عليهم البدر فى ابهى صورة علوش حماد مرتديا ثيابه الابيض مبتسم كعادته ينظر نظرة المتفائل الواثق ؛فتبتسم مريم ابتسامتها الجميلة تكاد تقهقه بصوت عال تقتل الخوف والحزن تنسي القهر تناديه بابا بابا جئنا لناخذك معنا للعيد . انتى عيدى يا صغيرتى ثم ينظر الى امها بعيون العاشق قائلا _هلا اخبرك القمر امس انى احبك ؟ .فتبسمت بخجل ولا فى الكون قمر غيرك يا انا . _فنظر فى عينيها قائلا عندما انظر فى عينيكى الساحرتين ارى نفسي فى قاع العينين اثنين فاصبح يا انا عاشقا مرتين . فاجابته بدموع العاشقين _فقال لها لا لعيون ساحرة تغرق في بحر الدمعات فقالت له دموع من فرح ظهرت فى عينى من لقياك ثم اخبرته بما قال المحامى انه يسعى للصلح مع اخوته الذين سجنوه ظلما لاخذ ميراثة فقال لها ان الله هو الذى قدر هذا وانا راضي بما قضي لى وسنلتقى قريبا لناتى لمريم باخ جميل مثلها وامها وعاد يرمق مريومه بنظرات يحاول ان يتشبع منها كما تتشبع هى الاخرى من فيض حنانه رغم الاسلاك وقطع حديثهما ونظراتهما صافرة الانتهاء من الزيارة فودعوه بقبلات خلف القضبان ودموع تانى الفراق وعادوا تاركينه فى زنزانتة مع اكابر مجرمين قاتلين وسارقين وتجار مخدرات ومغتصبين يدعوا ويصلى حتى يخرجة الله من بينهم