بقلم المهندس: طارق بدراوى يقع هذا المسجد بقرافة المماليك بشارع السوق بمنشية ناصر بالقاهرة وقد أنشأه الملك الأشرف أبو النصر قايتباى مابين عام 877 هجرية وعام 879 هجرية الموافقين لعام 1472م وعام 1874م وكان الملك الأشرف قايتباى قد قدم إلى مصر بصحبة تاجر يدعي محمود بن رستم عام 839 هجرية الموافق عام 1435م فاشتراه الملك الأشرف برسباى واستمر ضمن مماليكه إلى أن اشتراه الملك الظاهر أبو سعيد جقمق وظل أيضا في خدمته حتي أعتقه وأخذ يتنقل في الوظائف حتي علا شأنه وتولي الملك في شهر رجب عام 872 هجرية الموافق عام 1468م وكانت مدة حكمه 29 سنة وبضعة شهور وتوفي عام 901 هجرية الموافق عام 1496م عن عمر يناهز الست وثمانين عاما .
وفي واقع الأمر فإننا نشهد بأن العمارة الإسلامية قد شهدت ازدهارا كبيرا في عهد الملك الأشرف قايتباى وتعددت وتنوعت في عهده المنشآت وتميزت بدقة الفن المعمارى والهندسي وتحلت بجماليات العمارة والفن وكثرة ودقة النقوش والزخارف البديعة التي بلغت أقصى مدى من الدقة والإتقان وقد اهتم الملك الأشرف قايتباى بإنشاء الأبنية المدنية والخيرية فأنشأ المنازل والوكالات والأسبلة وأحواض سقي الدواب وله الكثير منها في القاهرة كما اهتم بتشييد المنشآت الحربية فأنشأ طابية قايتباى بالإسكندرية وطابية رشيد برشيد وذلك جنبا إلى جنب مع بناء المساجد فأنشأ بالقاهرة 3 مساجد أولها هو المسجد موضوع هذا المقال والملحق به مقبرته بقرافة المماليك كما أسلفنا والذى كان ايضا يستخدم كمدرسة وكتاب ومسكن للطلبة وسبيل ولابد هنا أن نذكر أن قرافة المماليك تسمي أحيانا قرافة قايتباى نطرا لكثرة المنشآت التي أقامها بها وثانيها مسجده بجزيرة الروضة وثالثها مسجده بقلعة الكبش بالقاهرة .
ويعد مسجد الملك الأشرف قايتباى علما من أعلام العمارة المملوكية خلال القرن التاسع الهجرى الموافق القرن الخامس عشر الميلادى فقد تجمعت فيه بالفعل دقة الصناعة وجمال التصميم وروعة الزخارف والنقوش وقد أنشئ هذا المسجد علي نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد فهو يتكون من صحن مسقوف وبوسط سقفه شخشيخة وتشرف عليه 4 عقود تفتح علي 4 ايوانات متقابلة أكبرها إيوان القبلة وعلي أوجه تلك العقود نجد كتابات تبين إسم منشئ المسجد وألقابه وسنة إنتهاء البناء 877 هجرية واسقف الايوانات الأربعة والصحن قد تم تزيبنها بنقوش مذهلة جميلة تتميز بهدوء وتجانس ألوانها وبصدر ايوان القبلة محراب له طاقية محلاة بتلابيس من الحجر الأحمر علي شكل شرفات وبجواره يوجد منبر خشبي بابه وجانبيه توجد بها أشكال هندسية تحصر بينها حشوات من السن المحلي بزخارف دقيقة وبديعة .
وبجانب ايوان القبلة توجد القبة وهي أيضا مثل باقي أجزاء المسجد بها نقوش وزخارف جميلة ويكسو الجزء السفلي منها وزرة رخامية ملونة يعلوها أيضا كتابات تبين إسم المنشئ وألقابه وأدعية له وسنة إنتهاء بناء القبة عام 879 هجرية إلى جانب بعض الآيات القرآنية وبداير القبة من أعلى كما في حوائط الايوانات شبابيك من الجص المفرغ بدقة ومحلي بالزجاج الملون وبخصوص أرضية المسجد فهي من الرخام الملون أما الواجهات فقد تم زخرفتها بزخارف رائعة من الحجر المنقوش ونجدها تنتهي من اعلي بصف من الشرفات وهي تشتمل علي المدخل الذى يؤدى الي السبيل والكتاب علي اليسار والمنارة ومساكن الطلبة علي اليمين والقبة في المؤخرة فنجد أنها تكون وحدة معمارية متناسبة ومتناسقة ومنارة هذا المسجد من أجمل وأرشق المنارات التي تم تشييدها في العصر المملوكي وذلك نظرا لتناسق أجزائها وروعة زخارفها ويبلغ ارتفاعها حوالي 44 مترا وتتكون من عدد 4 حطات يفصل بين كل منها شرفة مقرنصة بمقرنصات غاية في الجمال والروعة ويعلوها رأس يشبه القلة أعلاه يوجد هلال نحاسي وماقلناه عن المنارة نجده أيضا في القبة كما تبدو بنقوشها وزخارفها البديعة من الخارج .
وفي امتداد محور المدخل وبعد قاعة الصلاة يوجد ضريح الملك الأشرف قايتباى والذى تعلو غرفته قبة ترتكز علي مثلثات تتكون من عدد 9 صفوف من المقرنصات الحجرية وتظهر من الخارج منطقة إنتقال القبة وبمحاذاة منطقة الانتقال من الجوانب الأربعة للضريح توجد بكل جانب 3 فتحات معقودة تعلوها 3 نوافذ مستديرة ويحيط بعنق القبة فتحات صغيرة نصف دائرية يعلوها شريط كتابي والواقع أن مهندس هذا المسجد قد برع في هندسة بنائه وأبدع في تصميم نقوشه وزخارفه ولم يبخل عليه الملك الأشرف قايتباى بأى تكلفة ولذلك جاء تحفة معمارية هندسية رائعة ويتبقي لنا أن نذكر أن لجنة حفظ الآثار العربية قد قامت بتدعيم مبانيه وإصلاحه و تجديد أغلب عناصره من أرضيات ونقوش وزخارف وشبابيكه الجصية وكان ذلك في أواخر القرن التاسع عشر الميلادى كما أنه من جمال وروعة هذا المسجد فقد تم وضع صورته علي العملة المصرية الورقية فئة الواحد جنيه .